مقاتلو طالبان يغيّرون أزياءهم، فهل يتغير تفكيرهم؟

مقاتلو طالبان يغيّرون أزياءهم، فهل يتغير تفكيرهم؟


30/11/2021

يبدو أنّ مشهد المقاتل الطالباني بالزي الأفغاني التقليدي والكلاشنكوف سيصبح صورة من الماضي لدى حركة طالبان (الإمارة الإسلامية)، التي تدرك أنّ مرحلة تأسيس الدولة تختلف عن مرحلة المقاومة، ولهذا شرعت منذ السيطرة على كابول، في إحداث تحوّلات كبيرة على المستوى الهيكلي والتنظيمي، تناسب كونها السلطة الحاكمة في البلاد، والتي تحظى باعتراف دولي محدود، وقابل للتوسع بمرور الوقت.

اقرأ أيضاً: حركة طالبان تمهد أفغانستان وآسيا الوسطى أمام تركيا

ويحظى الجانب العسكري باهتمام كبير لدى سلطة طالبان، التي تدرك أنّ قوتها العسكرية التي تشكلت لمواجهة الوجود الغربي وحكومة كابول السابقة لم تعد مناسبة لدولة أفغانستان، ولهذا تعمل على تحويل مقاتليها من مقاومين إلى أفراد جيش نظامي محترف، وفي سبيل ذلك شرعت في برنامج تدريبي واسع لتحوّيل المقاومين أو المجاهدين إلى ضباط وجنود للعمل في الجيش الحديث الذي تسعى لبنائه.

جيش حديث

واستبقت الحركة دخولها كابول بخطوات عملية لتولي السلطة في البلاد، ومن بينها الشقّ الأمني والعسكري، وذلك بتكوين فرق عسكرية خاصة، تكون مهمتها مكافحة أهم خطر يهدد سلطة الحركة؛ وهو تنظيم داعش - خراسان، الذي زاد نشاطه مع الانسحاب الأمريكي والغربي من البلاد في آب (أغسطس) الماضي.

وسارعت الحركة منذ دخول كابول في التحوّل من المقاومة إلى السلطة، والذي يتمظهر في صياغة علاقة جديدة بين الجناح السياسي والعسكري؛ وذلك بإعادة هيكلة القوة العسكرية، لتشكيل جيش وقوى أمنية واستخباراتية منضوية تحت إشراف وزارات مثل الدفاع والداخلية، وتعمل وفق قوانين جديدة تناسب الوضع الجديد.

ويقول الباحث في الحركات الإسلامية، مصطفى زهران: "كان لدى طالبان وعي كافٍ بحجم التحولات في المشهد السياسي الأفغاني، وكانت راغبة منذ أن جلست على طاولة المفاوضات أن تقدم إلى المشهد الدولي والمحلي والإقليمي رؤيةً مغايرة للحركة؛ تتميز بها عن إمارتها الأولى".

استولت طالبان بعد خروج الأمريكان على غنيمة متنوعة تضم مركبات مدرعة، ومروحيات "بلاك هوك"، وطائرات مسيّرة لجمع المعلومات الاستخباراتية، وطائرات هجومية من طراز "A-29 سوبر توكانو

وتابع زهران في تصريح لـ"حفريات": "تمثّلات ذلك توضحت في محاولة إرساء علاقة جديدة مع الواقع المحلي والإقليمي؛ بالانتقال من شكل الميليشيا المُعارضة إلى شكل الدولة، مستعينة بخبرات ووعي تشكلا خلال عقدين في موقع المعارضة، وظهر ذلك في الجانب العسكري من خلال الدورات العسكرية الحديثة التي بدأت قبل أربعة أعوام من دخول كابول، خاصة مع ظهور تنظيم داعش، وما قدمه من تطوير في الأداء العسكري والميليشياوي، من حيث الشكل والجوهر، فكان لزاماً على طالبان التي تقدم نفسها كحركة أصولية إسلامية أن تواكب التطور في أداء نظرائها ومنافسيها، وبالتالي لم يعد الشكل القديم للمجاهد الأفغاني ملائماً".

عقيدة وطنية إسلامية

واختارت سلطة طالبان شعاراً للجيش الجديد، يحمل عبارات (الله، الواجب، الوطن)، ودأب مسؤولوها على تأكيد عدم السماح باستخدام أراضي البلاد لاستهداف أي دولة أخرى، خصوصاً الولايات المتحدة والدول الغربية، وهو ما يكشف عن العقيدة الوطنية للحركة، في إطار دولة أفغانستان فقط، دون حمل أية رؤى عالمية لمفهوم الجهاد.

ولهذا أعلنت الحركة قرار العفو العام الشامل، واعترفت على لسان قادتها بوجود خروقات فردية لهذا القرار، مع التأكيد على مواجهة أي انفلات من مقاتليها ضدّ الجيش وقوى الأمن السابقة، المشمولة بالعفو العام، وذلك تنفيذاً لرؤيتها الوطنية الشاملة لجميع الشعب الأفغاني، وتطبيقاً لذلك أعلنت عن تأسيس محكمة عسكرية لمواجهة أي انفلات من مقاتليها تجاه المواطنين.

اقرأ أيضاً: بلدانُ آسيا الوسطى في عصر دولة طالبان

وتبعاً لذلك، أعلنت الحركة عن استيعاب أفراد وضباط من العناصر المدربة والفنية من الجيش السابق ضمن الجيش الجديد، وفي تصريح لوسائل إعلام، قال رئيس أركان جيش طالبان: "الجنود السابقون على وجه التحديد لقد تمّ تجنيدهم فعلاً مجدداً، وهم حالياً متواجدون مع إخوانهم ويخدمون. وعلى سبيل المثال، يوجد في مكتبي الآن جنديان سابقان تم إضافتهما للجيش الجديد حالاً، وكذلك معظم موظفي المكتب هم من الذين خدموا في زمن الحكومة السابقة، وكذلك هناك جنود سابقون كثر موجودون معنا حالياً، من دون أي تمييز عن أي جندي التحق حديثاً أو قديماً".

اقرأ أيضاً: داعش يواصل عملياته الإرهابية في كابول... وطالبان تستعرض قوتها

وفي السياق نفسه، صرح مسؤولون من طالبان بأنّ "الطيارين والفنيين وغيرهم من المتخصصين من الجيش الوطني الأفغاني السابق سيتم دمجهم في قوة جديدة، والتي بدأت أيضاً في ارتداء الزي العسكري التقليدي بدلاً من الملابس الأفغانية التي اعتاد مقاتلوها على ارتدائها".

مصادر التسليح

وتحصلت طالبان على عتاد عسكري كبير بعد الانسحاب الأمريكي، سواء الذي كان بحوزة الجيش الأفغاني السابق، وما تركته الولايات المتحدة، وهي تركة عسكرية استخدمتها طالبان في إنشاء الجيش الجديد.

اقرأ أيضاً: طالبان تخالف تعهداتها... بهذه الطريقة تحاول تعزيز قبضتها على أفغانستا

وتشمل هذه التركة؛ عشر قواعد عسكرية جوية، قامت الحركة بإعادة تسميتهم بأسماء لها طابع ديني وقومي، واتخذتهم مقرات للفيالق العسكرية الجديدة، التي تتشكل من مقاتلي الحركة وجنود الجيش الأفغاني السابق بعد تخرجهم من دورات عسكرية مكثفة.

ووفق تقرير نشره موقع "يورو نيوز"؛ استولت طالبان على غنيمة متنوعة تضم مركبات مدرعة، ومروحيات "بلاك هوك"، وطائرات مسيّرة تهدف إلى جمع المعلومات الاستخباراتية، وطائرات هجومية من طراز "A-29 سوبر توكانو"، فضلاً عن مئات الآلاف من البنادق الآلية وقاذفات الصواريخ الأمريكية الصنع.

وكانت الولايات المتحدة زودت الجيش الأفغاني وقوات الأمن بنحو 208 طائرات، و22174 مركبة من نوع "همفي"، و9000 مركبة مصفحة من طراز "نيفي ستار 7000ـ إم في".

ومنذ عام 2003، امتلك الجيش الأفغاني ما لا يقل عن 600 ألف قطعة سلاح مشاة، تشمل بنادق من طراز (M16) و162 ألف قطعة اتصالات و16 ألف جهاز للرؤية الليلية و2606 من أسلحة المدفعية الثقيلة، بما في ذلك القنابل وقاذفات القنابل اليدوية.

المحلل السياسي عمران الأفغاني لـ"حفريات": طالبان تعمل على تأسيس جيش قوي، وتسعى للاستفادة من القدرات العسكرية لدول صديقة مثل باكستان وتركيا، ومن أبرز تحدياتها مواجهة داعش

وأخذت القوات الأمريكية محركات معظم الطائرات أثناء الانسحاب، وتمكنت الحركة من تشغيل عدد محدود من طائرات الهليكوبتر، واستخدمتها لإنشاء وحدتها القتالية المحمولة جواً، والتي ظهرت في تحرير المستشفى التي سيطر عليها عناصر من داعش، في العاصمة كابول.

الباحث عمران الأفغاني: طالبان تواجه تحديات تنظيم داعش

ويتوقع المحلل السياسي، عمران الأفغاني، أنّ تعقد طالبان اتفاقيات عسكرية مع باكستان وتركيا، في مجالات التسليح والتدريب والتعاون الأمني، وقال: "طالبان تعمل على تأسيس جيش قوي، وتسعى للاستفادة من القدرات العسكرية لدول صديقة مثل باكستان وتركيا".

التحديات الأمنية

وتواجه الحركة تحديات أمنية مختلفة، بحسب عمران الأفغاني الذي قال لـ"حفريات": "هناك اختلاف كبير في رؤية الإمارة العسكرية بعد دخول كابول، وتأسيس الدولة. وتنظيمياً كان التشكيل العسكري للمقاتلين يناسب مرحلة القتال في الأرياف، بطريقة الكرّ والفرّ، ومع دخول كابول باتت الإمارة تحكم كامل البلاد، ولديها مهام أمنية جديدة، ولهذا أعادت ترتيب قواتها في شكل فيالق عسكرية، موزعة في قواعد عسكرية على كامل التراب الوطني".

ونفى وجود تهديدات خارجية حتى الآن، وأضاف "طالبان تواجه تحديات داخلية من تنظيم داعش، واحتمال عودة النشاط المسلح للتحالف الشمالي، وخارجياً لا توجد تهديدات عسكرية من دول الجوار، خصوصاً التي تختلف مع الإمارة في بعض القضايا مثل طاجيكستان وإيران، والجميع أدرك أنّ الإمارة باتت حقيقة في أفغانستان، وتتمثل التحديات الخارجية في القبول والاعتراف الدولي، وإقامة العلاقات الدبلوماسية".

وفي هذا السياق يستشرف مصطفى زهران علاقة طالبان مع محيطها الإقليمي: "التحولات التي تشهدها القوى العسكرية والأمنية الحكومية التي تمثل جزءاً من أدوات النظام الطالباني لابد أن تكون مواكبة لحجم الدولة، ومقارنتها بدول الجوار على الأقل، ولذلك يمكن أن نستشرف وجود مناورات عسكرية مشتركة بعد الاعتراف الإقليمي بالحركة، خاصة في ظل وجود عدو مشترك؛ وهو داعش".

وضمن جهود الحركة لنيل الاعتراف الدولي، وفكّ التجميد عن أرصدة البنك المركزي الأفغاني، التقى وزير الخارجية في حكومة طالبان، أمير خان متقي بمسؤولين من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، خلال زيارة استمرت يومين إلى العاصمة القطرية، الدوحة.

الباحث مصطفى زهران: كان لدى طالبان وعي كافٍ بحجم التحولات السياسية

ويضع المجتمع الدولي عدّة شروط للاعتراف بسلطة طالبان، من بينها تشكيل حكومة تستوعب مختلف القوميات والقوى السياسية في البلاد، وضمان حقوق الإنسان، خصوصاً المرأة.

وفي 15 آب (أغسطس) الماضي، سيطرت حركة طالبان على العاصمة كابول، بعد فرار الرئيس الأفغاني السابق، أشرف غني، وانهيار الجيش الأفغاني والقوى الأمنية، وهروب كبار القادة العسكريين إلى خارج البلاد.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية