مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل أم بين واشنطن وطهران؟

مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل أم بين واشنطن وطهران؟


06/10/2020

تم الإعلان وبشكل مفاجئ في لبنان وعلى لسان رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، زعيم حركة أمل الشيعية، عن التوصل لاتفاق إطار لبدء مفاوضات بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية بين الجانبين، على مناطق تحتوي احتياطات غاز في البحر المتوسط، ومن المقرر أن تبدأ المفاوضات منتصف الشهر الجاري برعاية الأمم المتحدة ووساطة أمريكية.

 

البعد الإيراني حاضر بقوة في هذه المفاوضات التي تشكل محطة ضمن محطات عديدة تشكل أوراقاً تفاوضية بيد القيادة الإيرانية في مناطق نفوذها

 

 الإعلان عن هذه المفاوضات جاء في إطار تحولات عميقة يشهدها لبنان بعد "تفجير" مرفأ بيروت قبل شهرين، وما تخلله من اتهامات لحزب الله اللبناني بالمسؤولية بشكل مباشر أو غير مباشر عن التفجير ودوره فيه "التحقيقات ما زالت قائمة وتخضع لتحقيقات دولية"، بالإضافة لتبرئة حزب الله من اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري، ومؤخراً إفشال الثنائي الشيعي؛ حزب الله وحركة أمل، تشكيل حكومة لبنانية جديدة بالإصرار على الاحتفاظ بوزارات من بينها وزارة المالية، مما دفع الرئيس المكلف مصطفى أديب للاعتذار عن المضيّ في مهمة تشكيل الحكومة، والتي كانت ثمرة جهود قادها الرئيس الفرنسي في لبنان، وهو ما يفسر موقفه بالهجوم على النخب السياسية اللبنانية والإشارة للثنائي الشيعي بالاسم، وتالياً سياقات ودلالات الإعلان هذا الاتفاق في هذه المرحلة:

أولاً: ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، ليس موضوعاً جديداً فهو أحد أبرز القضايا الجوهرية بين البلدين منذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 "إبان حكومة أيهود باراك"، وقد أعلن زعيم حزب الله، حسن نصر الله، مراراً استمرار المقاومة اللبنانية ما دامت هناك أراض لبنانية محتلة في مزارع شبعا وكفر شوبا، وقد باءت محاولات إجراء مفاوضات بين الجانبين بوساطات دولية وأممية بالفشل؛ بسبب تعنت حركة أمل وحزب الله، إلى أن ظهرت قضية اكتشافات حقول الغاز في المياه الإقليمية بين لبنان وإسرائيل، ودخول الوساطة الأمريكية على خط المفاوضات بقوة، منذ وصول الرئيس دونالد ترامب للحكم في البيت الأبيض.

ثانياً: من الملفت للنظر أن يأتي الإعلان عن مفاوضات لبنانية – إسرائيلية من قبل رئيس مجلس النواب وليس من قبل رئيس الجمهورية، خلافاً للدستور اللبناني الذي يمنح حق المفاوضات على الحدود وإبرامها لرئاسة الجمهورية، ويبدو أنّ هذا الإعلان من قبل نبيه بري له تفسيران، الأول: أنّه يتولى هذا الملف وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيه منذ بدايات طرحه، وهو ما يعني ترجمة لموازين القوى اللبنانية، والثاني: أنّ الإعلان من قبل رئاسة الجمهورية لن يوصل الرسالة الإيرانية لأمريكا وإسرائيل بالدور الإيراني في هذه المفاوضات والموافقة على إطلاقها.

ثالثاً: إنّ البعد الإيراني حاضر بقوة في هذه المفاوضات، التي تشكل محطة ضمن محطات عديدة، تشكل أوراقاً تفاوضية بيد القيادة الإيرانية في مناطق نفوذها، وربما أهمها بعد العراق وسوريا، ورقة حزب الله والتهديد الذي يمثله لإسرائيل، فقد جاء الإعلان عن إطلاق المفاوضات مباشرة بعد زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكية ولقائه القيادات اللبنانية، وهو ما يؤكد ما ذهب إليه كاتب السطور أنّ حل قضية لبنان في واشنطن وطهران وليس في باريس.

اقرأ أيضاً: طهران تستخدم الفضاء السيبراني للقرصنة والتجسس على المعارضة والمسؤولين الإيرانيين

رابعاً: القيادة الإيرانية تسيطرعلى الأوضاع في لبنان من خلال الحليفين؛ "حركة أمل وحزب الله"، وأعلنت أكثر من مرة أنّ بيروت ضمن عواصم عربية "بغداد، دمشق، صنعاء، بيروت" تحت سيطرتها الكاملة، وقد أرسلت رسائل عميقة لأمريكا بإعطاء الضوء الأخضر لحليفيها لبدء هذه المفاوضات، ومن أبرز هذه الرسائل: أن لا حل في لبنان إلا بالتوافق بين طهران وواشنطن، وجهت ضربة للمبادرة الفرنسية وللجهود الأوروبية بخصوص لبنان، أنّ الثنائي الشيعي هو القادر على الحفاظ على أمن إسرائيل ووقف التهديد لها، أنّ إيران، وخلافاً لتركيا، هي الأقدر على ضمان أمن البحر المتوسط وحل النزاعات بالمفاوضات بما فيها النزاع الحدودي بين إسرائيل ولبنان، وهو ما يمكن أن ينسحب على مناطق نفوذ إيران ويشكل نموذجاً لتعاطيها مع المشكلات الإقليمية في: اليمن والعراق وسوريا، غير أنّ الأهم في توقيت إعلان المفاوضات أنّها تسبق الانتخابات الأمريكية وستكون ورقة انتخابية بيد الرئيس ترامب إلى جانب أوراق شرق أوسطية أخرى، مرتبطة بإسرائيل.

 

من غير المتوقع أن تنجز المفاوضات اتفاقاً لبنانياً- إسرائيلياً سريعاً، إذ سيبقى إنجاز هذا الاتفاق بشكله النهائي خاضعاً لحسابات واشنطن – طهران

 

خامساً: إطلاق المفاوضات من قبل الثنائي الشيعي، رغم الإعلان الأمريكي بأنّ حزب الله لا يشارك فيها، أرسل رسالة للقوى السياسية اللبنانية بأنّ هذا الثنائي الشيعي الذي يتعرض لضغوط شديدة محلية وإقليمية ودولية، هو صاحب القرار في الدولة اللبنانية والقادر على الخروج به من أزماته، وربما كان ثمن إطلاق هذه المفاوضات "السكوت" أمريكياً وأوروبياً على التهام حركة أمل وحزب الله لبنان سياسياً، في حال ذهبت المفاوضات بعيداً، وهو سيناريو مرجح، باتجاه تجاوز موضوعات التفاوض قضية الحدود البحرية إلى الحدود البرية، خاصة وأنّ إنجاز ترسيم الحدود يعني التزاماً من الجانبين باحترامها.

ومع ذلك، من غير المتوقع أن تنجز المفاوضات اتفاقاً لبنانياً- إسرائيلياً سريعاً، إذ سيبقى إنجاز هذا الاتفاق بشكله النهائي خاضعاً لحسابات واشنطن – طهران، ومفاوضاتهما القادمة لإنجاز الصفقة الكبرى التي ستتبع الانتخابات الأمريكية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية