مع اقتراب موعد انتهاء خريطة الطريق.. إلى أين تمضي ليبيا؟

مع اقتراب موعد انتهاء خريطة الطريق.. إلى أين تمضي ليبيا؟


15/06/2022

يأتي  شهر  حزيران (يونيو) الجاري، مع الأجل المحدد لانتهاء خريطة الطريق؛ التي صاغها ملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس، خلال تشرين الأول (نوفمبر) العام 2020، والذي يعد موعداً نهائياً لشرعية حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة.

إلى ذلك يتصاعد الخلاف بين حكومتين  حول  السلطة التنفيذية؛ بعد أن جاءت حكومة الاستقرار برئاسة فتحي باشاغا، عبر تكليفها من قبل مجلس النواب.

الخلاف في تقدير البعض قابل للتصعيد، وتسمح كافة عناصره وإطاراته المحيطة بأن ينفجر في أيّ حين، رغم إقرار البرلمان الليبي برئاسة المستشار عقيلة صالح ،حكومة فتحي باشاغا المكلفة، بالعمل من مدينة سرت، بعدما فشلت محاولة تموضع حكومة الاستقرار في العاصمة الليبية طرابلس.

القوى الدولية الفاعلة تؤجل الحسم

نحو وضع دولي شديد الارتباك والاضطراب، تتداعى كافة عناصر التوتر في بعض النقاط الساخنة داخل الشرق الأوسط، سيما في ليبيا، نظراً إلى تعارض بعض الرؤى الدولية حول مسارات الاستقرار، وكيفية تحقيقها، الأمر الذي يدفع البلاد نحو التوتر؛ بسبب غياب سيناريوهات حقيقية وواقعية؛ تعكس الخطوة التالية لمستقبل البلاد ومسار الاستحقاق الانتخابي، الرئاسي والبرلماني، في ظل الجلسات المتتالية؛ لإرساء قاعدة دستورية؛ عبر الاجتماع المشترك بين مجلسي النواب والمجلس الأعلى للدولة، وتفشي سيطرة الكتائب المسلحة في الغرب، وهيمنتها الميدانية على الأرض، ما يجعلها إحدى العقبات في طريق الحل السياسي.

يعد شهر حزيران الجاري موعداً نهائياً لشرعية حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة

  حكومة الدبيبة مالت نحو فهم  تصريحات رئيس مجلس النواب الليبي، إبان اجتماعه مع رئيس حكومة الاستقرار باشاغا في مدينة سرت، كونها تبدو في صورة دعم الأخير لدخول العاصمة طرابلس بأيّ صورة، ما دفع الدبيبة إلى التوعد بالرد على أيّ محاولة للإطاحة بحكومته.

في الجهة الأخرى، قال باشاغا إنّه "لن يسمح للعصبة الغاصبة، أن تستغل وصول الحكومة إلى طرابلس لإشعال القتال".

اتفق رئيس حكومة الاستقرار فتحي باشاغا، ومعه مجلس النواب على اعتبار مدينة سرت المقر الرئيس الذي ينطلق منه عمل الحكومة؛ باعتبارها تتوسط البلاد، بيد أنّ مسارات المال تبدو نقطة مفصلية في الأمر، خاصّة  مع الخلاف الواقع مع محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، اللذين تخلّفا عن جلسة سرت، بينما حضر الاجتماع كل من رؤساء ديوان المحاسبة، وهيئتي الرقابة الإدارية ومكافحة الفساد.

 

عز الدين عقيل: لا حراك سياسياً في الأفق المنظور طالما ظلّت الميلشيات المسلّحة تسيطر وتهيمن ميدانياً في الغرب الليبي دون حضور الدولة

 

عقب الاجتماع هاجم المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، المصرف المركزي، مؤكداً أنّه يجب أن يدار "من قبل مجلس الإدارة، وليس من المحافظ وحده، وما يقوم به الصديق الكبير، يعتبر مخالفاً للقانون". وعبّر عن رفضه صرف الأموال من الحكومة أو المصرف المركزي من دون موازنة معتمدة، وبغير إذن من السلطة التشريعية. كما شنّ عقيلة هجوماً آخر في كلمته الافتتاحية، على رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، واتهمه بصرف 120 مليار دينار، منذ انتهاء ولاية حكومته في الـ 24  من  كانون الأول (ديسمبر) العام 2021.

الميليشيات المسلّحة أزمة دائمة

من جانبه، يشير الكاتب السياسي الليبي، عز الدين عقيل، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، إلى أنّ النظام الراهن في ليبيا، يقوم في الأصل على أزمة جوهرية؛ تتمثل في إدارة الصراع على شرعية السلاح، لافتاً إلى أنّ تلك الأزمة يمكن تقسيمها إلى أزمتين فرعيتين؛ أزمة نزاع على شرعية السلاح في عموم الدولة، وتقوم بين الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، من جهة، وأخرى بين باقي الميليشيات خاصّة المسيطرة منها على غرب البلاد. والثانية تبدو في أزمة النزاع على شرعية السلاح؛ وتقوم بين دويلات الميليشيات القائمة والمسيطرة ميدانياً على غرب البلاد، سواء داخل العاصمة، أو في مدن الغرب الأخرى مثل: مصراتة، والزاوية، وغريان، وغيرها.

اتفق رئيس حكومة الاستقرار فتحي باشاغا، ومعه مجلس النواب على اعتبار مدينة سرت المقر الرئيس الذي ينطلق منه عمل الحكومة

ويتابع عز الدين عقيل تصريحاته، مؤكداً أنّه من الصعوبة أن نغفل ذلك الدور السلبي، الذي تقوم به الميليشيات المسلّحة، وبالتالي يستقر الرأي أنّه لا حراك سياسياً في الأفق المنظور، طالما ظلّت الميلشيات تسيطر وتهيمن ميدانياً في الغرب الليبي دون حضور الدولة. مضيفاً: "في ليبيا، الحكومات لا تنتهي بتواريخ دستورية محددة، ولذلك عبدالحميد الدبيبة لن يعترف بانتهاء مدة حكومته بتاريخ معلوم، في شهر حزيران (يونيو) أو أيّ توقيت آخر، فقط تنقضي أعمار  الحكومات، متى ما جاءت الأوامر والترتيبات من القوى الدولية الفاعلة؛ خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا".

عبد الله الغرياني: الكتائب لا تعترف بسيادة الدولة ولا مفهوم الوطن، ولذلك تقوم كافة تحركاتها على دعم الهشاشة والفوضى التي تمنحها دوراً للسيطرة على مفاعيل الأمور

ويدلل عقيل على ذلك، بقوله إنّ حكومة فايز السراج، جاءت بها واشنطن ولندن، وبأمرهما استمر في الحكم  5 أعوام، وبدون شرعية دستورية، وحين تقرر اقتلاعه، جُهزت كلّ الإجراءات الضرورية لحدوث ذلك؛ ابتداء من اتفاق برلين، ومروراً بصناعة برلمان موازٍ، سمّي لجنة الـ 75، وصولاً إلى المسارات التي منحت الدبيبة السلطة.

أمّا عن سيناريو دخول فنحي باشاغا إلى العاصمة طرابلس بالقوة، يرى الكاتب الليبي، أنّ ذلك "غير مرجح؛ نظراً إلى أنّ واشنطن ولندن لا ترغبان حالياً في منح روسيا أيّ سبب لإشعال الفضاء الليبي، وهو ما قد تطوره بفعل انتشار الفاغنر بالبلاد إلى حرب إقليمية كبيرة، تحتاجها موسكو بشده لتخفف عن نفسها وطأة حرب أوكرانيا".

الميليشيات تتغذى على الفوضى

السياسي الليبي سليمان البيوضي، كتب عبر صفحته الرسمية، على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أنّ الوضع السياسي القائم في ليبيا، رغم صعوبته والتباسه، لكنّه تجربة مهمة؛ حيث كشف وبيّن الأحجام الحقيقية للأطراف المتنازعة. مضيفاً: "إنّ تحليل المشهد بأنّه أزمة مرتبطة بالمال السياسي، هو انحراف عن الواقعية السياسيّة، فالتماثل الحاصل يظهر هشاشة الفاعلين السياسيين وضعف مقوماتهم للإدارة والسيطرة، وأموالهم قد تعطيهم أسبقية، لكنّها تمنعهم من لعب الأدوار الإستراتيجية".

 

سليمان البيوضي: تحليل المشهد بأنّه أزمة مرتبطة بالمال السياسي، هو انحراف عن الواقعية السياسيّة، فالتماثل الحاصل يظهر هشاشة الفاعلين السياسيين وضعف مقوماتهم للإدارة والسيطرة

 

المرشح الرئاسي قال: إنّ ظهور وجوه الظل نحو السطح، وتطاحنها بشكل علني، هو في حقيقة الأمر تعبير دقيق عن أزمتهم مع القواعد الشعبية، مؤكداً أنّ التصويت العقابي، كان  وسيظل الهاجس الأكبر، والدافع الأساسي؛ لتعطيل الانتخابات، ومنعها بكل الوسائل السلمية، وأنّ التوافقات المسلحة، ما هي إلّا الديناميكية الوحيدة للاستمرار.

وفي سياق متصل، قال الناشط السياسي الليبي عبدالله الغرياني، لـ "حفريات": إنّ الوضع في طرابلس لم يتبدل، منذ أن أضحت العاصمة الليبية؛ بمثابة مربعات أمنية يتناوب السلطة فيها عدد من الكتائب المسلحة ذات المرجعيات المختلفة، بعيداً عن المؤسسات الأمنية والعسكرية الرسمية.

لذلك ومنذ سقوط نظام القذافي، أمست العاصمة طرابلس، وفق الغرياني، رهينة الميليشيات والكتائب المسلّحة، كما كان الوضع في بنغازي، قبل أن يتدخل الجيش في العام 2014، ويحسم الأمر لصالحه.

ويذهب الغرياني إلى التأكيد على أنّ أزمة الكتائب المسلّحة في طرابلس، تعود إلى اختلاف المرجعيات الإيديولوجية فيما بينها، فمنها ميليشيات مرتزقة، وأخرى إرهابية موالية للقاعدة والمفتي الصادق الغرياني، والتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، التي تتواجد في تاجوراء، وهي إحدى ضواحي طرابلس.

ويرى الغرياني أنّ الكتائب تقوم على هشاشة الدولة، حيث لا تعترف بسيادة الدولة، ولا مفهوم الوطن؛ ولذلك تقوم كافة تحركاتها على دعم تلك الهشاشة والفوضى، التي تمنحها دوراً للسيطرة على مفاعيل الأمور.

ومما سبق،  فإنّ الحديث عن المسارات السياسية يصعب في ظل هيمنة الميليشيات على الأرض، وحيازتها القوة، وهي من خلال ذلك تستطيع ترجيح كفة أطراف فاعلة على أخرى، وربما الأحداث الأخيرة لا تدع مجالاً للنقاش حول ذلك الأمر، بحسب الغرياني.

مواضيع ذات صلة:

تأثيرات تجميد عائدات النفط على الانقسام السياسي في ليبيا

مسارات التوافق في ليبيا ورهانات القوى الدولية

الوضع العسكري والميداني في ليبيا.. حكومتان بلا دولة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية