مشروع قانون “الآداب العامة”.. جهاز حسبة لدعشنة المجتمع بإدلب

مشروع قانون “الآداب العامة”.. جهاز حسبة لدعشنة المجتمع بإدلب

مشروع قانون “الآداب العامة”.. جهاز حسبة لدعشنة المجتمع بإدلب


29/02/2024

شيلان شيخ موسى

رغم التحولات المرحلية التي أجرتها “هيئة تحرير الشام” بقيادة أبو محمد الجولاني، خلال الفترة الفائتة، بهدف إزالة الشبهات وصبغة “الإرهاب” عنها، إلا أن قرارات “حكومة الإنقاذ” الجناح السياسي للتنظيم الذي يدخل في دائرة الفكر الجهادي، يشي بخلاف ذلك. بل يُظهر حجم التناقضات ما بين أقوالها وأفعالها، مما يكشف مناورة مشبوهة في سياساتها، كما يفضح حقيقة مساعيها ومحاولاتها السيطرة على كافة جوانب ومظاهر الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المناطق التي تسيطر عليها بشمال غربي سوريا، من خلال اتّباع عدّة استراتيجيات ووسائل.

ولعل آخر تلك المحاولات، هو قيام “حكومة الإنقاذ” بطرح مشروع “قانون الآداب العامة” بشكل غير رسمي، والذي يتضمن إنشاء “شرطة الآداب العامة” ومن ثم فرض عدة أنماط من الحياة بحيث يتم فيها تقييد الحريات الشخصية للمدنيين، بل التضييق وتشديد الخناق على مفاصل الحياة العامة هناك، وهو ما يمكن وصفه بمحاولة “دعشنة” المجتمع في إدلب، نظراً لدرجة التشابه بين قواعد هذا القانون المطروح وقواعد جهاز “الحسبة” الذي كان يديره تنظيم “داعش” الإرهابي.

قانون “شرطة الآداب” بإدلب

نحو ذلك، اقترحت “حكومة الإنقاذ” مسودة بشكل غير رسمي مشروع “قانون الآداب العامة”، الذي يتضمن إنشاء “شرطة الآداب العامة” التي ستقوم بدوريات على مدار الساعة في المرافق العامة والشوارع والمؤسسات وغيرها من الأماكن، وفرض الحجاب على الفتيات فوق 12 عاماً، وحظر تشغيل الأغاني، ومنع اختلاط الرجال بالنساء في العمل.

وتداول الناشطون نسخة من القانون المقترح على مواقع التواصل الاجتماعي، وتم تسريب المسودة بشكل غير رسمي، وهو ما فسّره الناشطون على أنها خطوة من قِبل “الهيئة” لجس نبض الشارع قبل إقرار القانون.

وعرّفت وزارة الداخلية التابعة لـ”حكومة الإنقاذ”، القانون المقترح بـ”مجموعة القواعد والأحكام المتعلقة بالنظام الأخلاقي والسلوكي لأفراد المجتمع”.

وتنص المادة الثانية من المشروع على “الحفاظ على الآداب العامة والذوق العام، ويُقصد به منع المخالفات وكل ما هو مذمومٌ شرعاً وعرفاً، ما لم تنظمها قوانين أخرى”.

أما المادة السابعة من القانون، فتتولى شرطة الآداب العامة منع المخالفات العامة التي تظهر في المجال العام، وهي: “كل محرم قطعيّ لا يُختلف فيه، مشهور التحريم، وما استقرّت فتوى أهل العلم في البلد على تحريمه، واشتهر ذلك بين الناس، والمخالفات الاجتماعية الظاهرة، وما يمسّ الذوق العام، مما منعه القانون، ومما يصدر من الوزارة تعميمٌ بمنعه”.

أما المادة التاسعة، فتنصّ على عدم “سبُّ الله وأنبيائه ودينه، أو الاستهزاء والانتقاص من شعائر الإسلام ورموزه وعلمائه”، فيما تنصّ المادة العاشرة على منع “البيع وفتح المحال التجارية والمطاعم والأندية والمسابح والمقاهي والبسطات ونحو ذلك، بعد النداء الثاني يوم الجمعة وحتى انتهاء الصلاة”.

أما في المواد الأخرى، فيمنع فيها “تشبه أحد الجنسين من الرجال والنساء بما يختص به الآخر، ويمنع الوشم، وفرض الحجاب على النساء والفتيات اللاتي بلغت الـ 12 من العمر، ويُمنع شرب الخمر والمخدرات بأنواعها وصناعتها وحيازتها وبيعها أو اللعب بالقمار.

واللافت في القانون المقترح، هو منع الأغاني ومنع الرجال بالمباشرة في بيع الأشياء الخاصة بالنساء ويمنع دخول الرجال في الأماكن المخصصة للنساء، بجانب منع الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل سواء بالقطاع العام أو الخاص إلا بإثبات أنهما من المَحَارم، كما ويمنع استخدام الأسماء المسيئة للقيم والأعراف المجتمعية، سواء في الأماكن العامة أو المحال التجارية أو المنتجات أو الخدمات الإعلامية.

شبيهة بالقوانين السابقة

 هذا وكان علي كدة، رئيس “حكومة الإنقاذ” في إدلب قد أعلن في شهر كانون الثاني/ يناير 2023 عن تشكيلة حكومته وتوزيع الحقائب الوزارية للدورة السادسة لحكومة الإنقاذ.

واستعراض حينذاك وزير الداخلية محمد عبد الرحمن خطط وزارته لعام 2023 وتضمن ذلك تفعيل ما سمّاه “شرطة حماية الآداب العامة”، ويعتبر تفعيل “شرطة الآداب” بمنزلة عودة جهاز الشرطة الدينية المعروف باسم “جهاز الفلاح” الذي تم حلّه في نهاية آب/ أغسطس 2021، لكن هذه المرة تحت مظلة وزارة الداخلية.

لكن يبدو أن القانون المقترح أقرب لجهاز “سواعد الخير” التابع لـ”تحرير الشام” والذي أُصدر في 31 أيار/ مايو 2018، ويتضمن مجموعة قوانين تقيّد بشكل كبير الحريات الشخصية للمدنيين في مدينة إدلب.

وكانت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” قد أصدرت آنذاك تقريراً خاصاً عن نشأة “سواعد الخير”، والذي يسلّط الضوء على معاناة السكان المحليين نتيجة التضييق وتشديد الخناق على مفاصل الحياة العامّة في محافظة إدلب.

وحملت مجموعة القوانين اسم “قانون الآداب العامة” حيث اعتبرته “سواعد الخير”، “نظاماً شرعياً يُلزم الناس به ويتعرض مُخالِفه للمساءلة القضائية ويُعتبر كل مدير مؤسسة هو المسؤول المباشر عن تنفيذها”، وتضمن “القانون 40″، مادة موجهة إلى النساء والمحال التجارية والباعة المتجولينَ والملاعب.

ولعل أبرزها كانت، “إلزام المؤسسات العاملة في المجال المدني بأخذ رخصة تتعهد فيها بالانضباط الشرعي لنشاطاتها، ومنع الرجال من حلق اللحية وحلق القزع أو أي حلاقة فيها تشبّه بـ “الكفار”، ومنع تشغيل الموسيقى والأغاني ومنع الاختلاط في جميع المؤسسات الطبية والإدارية والتعليمية وغيرها. كما يلزم القانون المؤسسات بإعطاء فرصة لكوادرها لأداء الصلاة جماعة”.

وأفردت “سواعد الخير” مجموعة قوانين تخصّ المرأة، حيث أجبرتها على ارتداء “لباس شرعي بمواصفات خاصة” وألزمت طالبات المدارس والمعاهد والكليات بلبس “الخمار الشرعي” كلباس موحّد للمؤسسات التعليمية إضافة إلى منع التبرّج، كما منعت خلوة المرأة برجل “غير محرم لها” سواء في سيارات النقل العامة (التكسي) والحدائق والمحلات. وفرض “قانون الآداب العامة” كذلك إغلاق المحلات التجارية لصلاة الجمعة ومنع بيع العباءات أو المانطو غير الشرعي ومنع الرجال من بيع الملابس الداخلية والقصيرة  للنساء ومنع عرضها على المجسمات وطمس الصور الدعائية لها.

وبتاريخ 10 آب/ أغسطس 2017، أطلقت “تحرير الشام”، مايُعرف بـ”سواعد الخير” أو “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” في مدينة إدلب، وتضم هذه الهيئة رجالاً ونساءً من جنسيات سعودية ومنها سورية، وتتجول في شوارع مدينة إدلب بدعم من كتائب أمنية تابعة لـ “الهيئة”، وتتولى عدة مهام، منها متابعة أمور الحجاب واللباس الشرعي الإسلامي للسيدات، ومنع الدخان في الأماكن العامة ومصادرته من التجّار، كما تتولى منع كل ما يتعلق بالموسيقى وأدواتها من بيع وشراء، فضلاً عن منع الاختلاط بين الذكور والإناث في الأماكن العامة والخاصة، وفي حال مخالفة هذه التعليمات فإنها توجه إنذاراً للأشخاص المخالفين إما بإغلاق محالهم التجارية أو السجن.

في الوقت الراهن يبدو أن “حكومة الإنقاذ” ما تزال تدرس المشروع الجديد، لكنها لم تصدره بشكل رسمي حتى الآن، غير أن وزارة الداخلية فيها نشرت يوم أمس الاثنين إعلاناً عن فتح باب الانتساب للعمل ضمن “شرطة الآداب العامة” وحددت الشروط التي كان أولها “أن يكون خريجاً من كلية الشريعة أو من معهد شرعي متوسط”.

على خطى “طالبان” و”داعش”

خلال آب/ أغسطس الفائت، أصدرت وزارة التعليم التابعة لـ”حكومة الإنقاذ”، قراراً يُفرض فيه لباس محدد على النساء والفتيات اللواتي يعملن أو يدرّسن في المؤسسات التعليمية، الموجودة في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”.

والقرار ينص على التقيد والالتزام بما أسمته الوزارة “الضوابط الشرعية” في المؤسسات التعليمية، مثل إزالة الرسوم والصور من على الجدران في المدارس، كذلك فرض “اللباس الشرعي الفضفاض” على النساء والفتيات في المرحلتين الأساسي والثانوي، “وارتداء اللباس الشرعي الساتر الفضفاض من قِبل الإناث في الكوادر التدريسية”.

هذه القرارات أثارت جدلاً واسعاً بين السوريين، الذين اتهموا “تحرير الشام” بالتطرف ومحاولة التّخفي وراء ذراع مدني، فـ”حكومة الإنقاذ” كانت قد بدأت في سلسلة قرارات لفصل الذكور عن الإناث في وقت سابق، وبدأت بالجامعات في مناطق سيطرتها، حيث حددت أيام معينة لدوام الذكور، وأيام أخرى لدوام الفتيات فقط، وذلك في معظم الكليات والمعاهد في الجامعات، بينما اعتمدت في معاهد مختلفة افتتاح أقسام مخصصة للذكور وأخرى مخصصة للإناث.

في العموم، فإن هذه القوانين والقرارات لا تختلف كثيراً عن قوانين “جهاز الحسبة” لدى تنظيم “داعش الإرهابي”، وعن قرارات وسياسة حركة “طالبان” الأفغانية بعد سيطرتها على أفغانستان، فمنذ عودة “طالبان” إلى السلطة في آب/أغسطس عام 2021، أصدرت العديد من القرارات التي تقيّد حرية النساء، فقد حظرت عليهنّ تولي وظائف حكومية والتعليم في المرحلة الثانوية والسّفر لمسافة تزيد عن 72 كيلومترا بدون “محرم”.

وزير التعليم العالي في “طالبان”، برّر منع دخول النساء إلى الجامعات في أفغانستان، بأنهن “لا يحترمن قواعد اللباس”، في الوقت الذي شجب فيه وزراء خارجية مجموعة السبع الإجراءات المتخذة ضد النساء معتبرينَ أنها يمكن أن تُعد “جريمة ضد الإنسانية”.

ويبدو أن ما تقوم به “هيئة تحرير الشام”، ليست سوى رؤية تلفيقية نحو التغيير حيث إن البُنى والمظاهر الخارجية هي التي تتبدل مسمياتها لكن الأدوار والمضامين والاتجاهات تباشر تحقيق أغراضها، فالوجه المتشدد ينبعث بين سجون “الهيئة” التي تقمع خلف قضبانها ناشطين وتواصل أعمال قتل ولا تردّ الممتلكات التي جرت مصادرتها ومنها الكنائس، بل إن بنية القضاء ومؤسساته وتشريعاته هي مخلفات “جبهة النصرة” ويحفل سجل “الهيئة” بجرائم حقوقية مروّعة مثل تقييد الحريات العامة واغتيال النشطاء.

عن "الحل نت"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية