مخاوف إيران من الاتفاق الأمريكي الطالباني

مخاوف إيران من الاتفاق الأمريكي الطالباني


01/03/2020

حسن فحص

حسب ما تسرب من معلومات، يبدو ان الرئيس الايراني حسن روحاني وما يمثله كسلطة سياسية وتنفيذية، منزعج من التطور الحاصل على خط التهدئة بين الادارة الامريكية وحركة طالبان في افغانستان على الحدود الشرقية لايران، ولم يتردد روحاني بناء على هذه المعلومات في الاعتذار عن تلبية الدعوة التي وجهها له أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للمشاركة في الحفل السياسي للتوقيع على الاتفاق بين الطرفين في العاصمة القطرية الدوحة يوم السبت 29/02/2020.

قد يكون موقف روحاني المعتذر عن هذه المشاركة، يعود الى عدم توفر الارضية السياسية الدولية والداخلية لإمكان الوجود في المكان نفسه مع وزير الخارجية الامريكية مايك بومبيو، او على الاقل لم يحصل على الاذن السياسي الذي يسمح له بمثل هذه الخطوة من القيادة الايرانية التي تتشدد في رفض أي شكل من التواصل مع واشنطن في ظل العقوبات الاقتصادية والحصار والعداء الذي ارتفعت وتيرته بعد عملية اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في العاصمة العراقية بغداد في 3/01/2020، فضلا عن ان الجهات الايرانية المعنية بالملف الافغاني وتطوراته، خصوصا خليفة سليماني الجنرال اسماعيل قاآني وامين المجلس الاعلى للامن القومي الادميرال علي شمخاني يعملان وينشطان من خارج دوائر الحكومة وبعيداً عن إدارتها المعنية على الرغم من كون روحاني يشغل منصب رئيس المجلس الاعلى للامن ومشاركة وزير الخارجية محمد جواد ظريف في بعض محطات الحوار الامريكي – الطالباني في الاشهر الاخيرة من العام الماضي 2019.

على الرغم من ذلك، فإن بعض الدوائر في مؤسسة حرس الثورة الاسلامية، المعنية مباشرة بهذا الملف وتطوراته، تبدي أيضا نوعا من التحفظ حول المآلات النهائية التي وصلت إليها المفاوضات بين طالبان وواشنطن والتوقيع على اتفاق السلام في الدوحة بعد سنة من الحوار والاجتماعات، خصوصا في ما يتعلق بأهداف الطرفين الموقعين وتبعات هذا الاتفاق والنتائج وحتى العراقيل التي قد تواجهه إضافة الى مستقبل العلاقة بين الطرفين.

وترى هذه الأوساط ان الاتفاق جاء بعد شد وجذب طويلين وصل في فترة من الفترات إلى تعليق التفاوض وحتى وقفه، وابرزها ما اعلنه الرئيس الامريكي دونالد ترمب من وقف التفاوض بعد مصرع احد جنوده في العاصمة الافغانية كابل والغاء لقاء كان مقررا مع ممثلي حركة طالبان في واشنطن. الاتفاق الاخير جاء بعد تفاهم بين الطرفين على اتفاق حسن نوايا يلتزمان به بوقف العمليات العسكرية والعدائية او ما اصطلح على تسميته "اسبوع خفض العنف" الذي يساعد الطرفين للمضي نحو توقيع الاتفاق.

وتعتقد هذه الأوساط العسكرية الايرانية ان "اسبوع خفض العنف" لم يتم الالتزام به، إلا ان الطرفين تغاضيا عن العمليات العسكرية المتبادلة التي جرت ضد بعضهما البعض في افغانستان من اجل تمرير الاتفاق والوصول الى يوم التوقيع، وهذا ما يدفع الى الاعتقاد لدى هذه الأوساط بوجود اهداف امريكية غير معلنة تريد تحقيقها او الانتقال الى تنفيذها في مرحلة ما بعد الاتفاق. الهدف في هذه المرحلة هو تحييد حركة طالبان عن واجهة الاحداث بما يسمح لواشنطن التفرغ لمشاريعها.

وتتخوف هذه الاوساط ان يكون اتفاق السلام الموقع في الدوحة قد تم مع فريق من حركة طالبان غير قادر على تمثيل جميع اجنحة وتيارات الحركة داخل افغانستان، وقد يكون ايضا عاجزا عن اقناع هذه الاجنحة والتيارات بالموافقة او الانضمام للاتفاق، ما قد يدفع بالتالي الى بروز انشقاقات داخل الحركة وخلق مراكز قوى داخلها وقد يدفع بالبعض منهم للذهاب الى تبني خيار التصعيد والتشدد والاقتراب من بقايا تشكيلات تنظيم القاعدة او التقرب من تنظيم داعش الامر الذي قد يعزز من نفوذ هذا التنظيم داخل أفغانستان ويتحول إلى مصدر قلق للقوى المعنية بهذه الساحة.

وتعتبر هذه الاوساط ان من أهم مصادر القلق نتيجة هذا الاتفاق الثنائي الغياب التام الذي يدخل في دائرة التغييب المتعمد للاطراف الرسمية الممثلة بالحكومة الافغانية عن المفاوضات والاتفاق، وحتى الدعوة للمشاركة في حفل التوقيع على الرغم من المشاركة الدولية فيه، ما يعزز الشكوك والمخاوف بأن يكون هذا الاتفاق على حساب الحكومة ودورها، وبالتالي التأسيس لمرحلة جديدة تمهد الطريق او تسمح لحركة طالبان بالاستيلاء على السلطة والتحكم بها بغطاء امريكي، خصوصا وان ما تسرب من نقاط في الاتفاق المتعلقة بالتزام طالبان وقف زراعة العبوات المتفجرة الى جانب الطرق ووقف اطلاق الصواريخ باتجاه المواقع والمعسكرات الامريكية ووقف العمليات الانتحارية قد تشكل غطاءً من حركة طالبان لاستمرار الوجود الامريكي الآمن في افغانستان في ظل تغييب الحديث عن مواعيد محددة لانسحاب هذه القوات بشكل كامل، وقد برزت هذه المخاوف في كلام مستشار الامن القومي للحكومة الافغانية حمدالله محب الذي قال ان "الاتفاق بين واشنطن وطالبان يتضمن نقاطا لا نوافق عليها".

قد تكون بعض الاطراف الايرانية المعنية او المراقبة للتطورات الافغانية، تتوقف عند انعكاسات هذه التطورات وأثرها على مختلف الملفات التي تقع في مناطق النفوذ الايراني في منطقة غرب آسيا، ما قد يعني ان طرفاً داخلياً يعمل على تمرير تفاهمات اقليمية من خلف الكواليس وبعيدا عن جهات داخل ايران، او أن القبضة الايرانية قد تراجعت وباتت بعض الملفات تفلت من قبضتها من دون أن تكون قادرة على تلافي تداعياتها.

عن "المدن"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية