ما وراء وقف الدعم الأمريكي عن "الأونروا"؟

ما وراء وقف الدعم الأمريكي عن "الأونروا"؟


04/09/2018

تدرك الإدارة الأمريكية؛ أنه رغم تشعّب الملفات الخاصة بالقضية الفلسطينية ومبادرات حلولها، إلا أنّ هناك ملفّين رئيسين، يشكّلان لبّ القضية الفلسطينية وجوهرها، هما: قضية القدس، بكل أبعادها، خاصة الدينية والسياسية. وقضية اللاجئين، وما يرتبط بها من حقوق بالعودة وتقرير المصير.

وفي وقت تجري فيه الجدالات في المنطقة حول حقيقة وجود، أو عدم وجود، "صفقة قرن"، في ظلّ حالة إنكار عربي حول عدم وجود صفقة معروضة، إلا أنّ وجودها تعزَّز بتسريبات أمريكية، وأخرى إسرائيلية، حول تأجيل الإعلان عنها، لأسباب مرتبطة بالانتخابات النصفية الأمريكية، واحتمال إجراء انتخابات إسرائيلية مبكرة، وكي لا يؤثر الإعلان عنها على نتائج تلك الانتخابات.

ويبدو أنّ الإدارة الأمريكية، وفي إطار انحياز معلَن إلى جانب إسرائيل، تواصل تفكيك عقد الملف الثاني المرتبط باللاجئين الفلسطينيين، وحقّ العودة، تمهيداً لشطبه، بعد أن تمّ إنجاز ملف القدس، بالاعتراف بالقدس الموحّدة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وتسريبات حول "قدس" بديلة في ضواحي القدس التاريخية.

إنّ تواجد أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني في الأردن، يشير إلى أنّه، ربما، هو المستهدَف الأول من شطب هذه القضية

الجديد في ملف "شطب" حقّ العودة؛ قرار الإدارة الأمريكية بتخفيض الدعم الأمريكي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"؛ التي تشير الإحصاءات الفلسطينية إلى أنّها تقدم خدمات لحوالي خمسة ملايين فلسطيني، يقيمون في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي كلٍّ من: الأردن وسوريا ولبنان، وتقدَّر نسبتهم في الأردن بحوالي 40% من الخمسة ملايين لاجئ، مسجَّلين في سجلات الأمم المتحدة. وإعادة النظر بتعريف اللاجئ الفلسطيني، والتمهيد لتشريع ذلك عبر قانون في الكونغرس الأمريكي، على أساس إحصاء من هاجروا عام 1948، دون الالتفات لأولادهم وأحفادهم، وتقدير عددهم فقط بـ 40 ألف لاجئ.

إنّ تواجد أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني في الأردن، يشير إلى أنّه، ربما، هو المستهدَف الأول من شطب هذه القضية، خاصة أنّ إمكانيات الاستجابات الدولية والإقليمية والعربية والإسلامية، لتعويض حصة الولايات المتحدة الكبيرة في موازنة الوكالة، فيما يتعلق بخدماتها في قطاع غزة والضفة الغربية، واردة وبقوّة، وعلى أساس مساعدة اللاجئين الفلسطينيين في الضفة والقطاع؛ فإضافة إلى المساعدات الدولية من الاتحاد الأوروبي والسويد واليابان، فإنّ تخفيض المساعدات الأمريكية للوكالة، يشكّل فرصة للداعمين الخليجيين؛ للضفة الغربية وإيران وتركيا، بالنسبة إلى قطاع غزة، في إطار التحالفات السياسية للسلطة الفلسطينية في الضفة، وحماس في قطاع غزة.

اقرأ أيضاً: ردود الأفعال على قرار واشنطن المتعلق بوقف تمويل (الأونروا)

الأردن، وبحكم عدم انخراطه بوضوح في المحاور الدولية والإقليمية، فإنّ احتمالات أن يلتفت أحد له في هذه الأزمة تبدو محدودة، حتى إن أسفرت الجهود الأردنية المكثفة بتحصيل دعم من السويد أو اليابان، أو أية جهة مانحة في روما وغيرها من العواصم، فإضافة إلى أنّ هذا الدعم سيكون محدوداً، فإنه لن يكون مستمراً، وربما يغطي العجز لعام أو عامين قادمين فقط، وهو ما يعني مواجهة الحقيقة.

الحقيقة على الأرض، تكمن في تعريف وتوصيف وكالة "الأونروا" للاجئين الفلسطينيين في الأردن؛ حيث جاء على موقعها الرسمي على الإنترنت: "يعيش في الأردن أكثر من 2،1 مليون لاجئ مسجَّل، ويتمتع كافة اللاجئين الفلسطينيين في الأردن بالمواطنة الكاملة، باستثناء حوالي 140000 لاجئ أصلهم من قطاع غزة"، وربّما سيشكل هذا المفهوم لتعريف اللاجئ الفلسطيني في الأردن مرجعية لأمريكا وإسرائيل، في حصر الدعم، على قلّته، بالفلسطينيين في الضفة والقطاع فقط، خاصة أنّ اللجوء الفلسطيني في المنطقتين الباقيتين، وهما سوريا ولبنان، لا يشكّل أزمة حقيقية للبلدين، كما هو الحال في الأردن.

الحديث عن قضية اللجوء الفلسطيني يتم اليوم في سياقات دولية، تم خلالها تعويم قضية ومفهوم اللجوء

ومن اللافت للنظر؛ أنّ الحديث عن قضية اللجوء الفلسطيني يتم اليوم في سياقات دولية، تم خلالها تعويم قضية ومفهوم اللجوء؛ حيث تنشغل أوساط، دولية وأممية، بقضية اللاجئين السوريين، ومعهم الأفغان والصوماليون والعراقيون، بعد أن أصبح اللجوء أحد أبرز عناوين ما بعد "الربيع العربي"، وسيطرت القوارب والسفن التي تحمل لاجئين في عرض البحر، والمتوقّفة على شواطئ أوروبا، على المحتوى الإعلامي المرتبط باللجوء.

وخلافاً للوعي الرسمي بأهمية القضية، والبحث عن حلول لها في المحافل الدولية، إلا أنّ الملاحظ؛ أنّ أوساطاً نخبوية وشعبوية تتعامل مع هذه القضية في إطار تشنجات مسبقة، واتهامات بالتخوين والعمالة، باستحضار قواميس المقاومة، الوطنية والإسلامية والعروبية، ستفضي بالضرورة إلى تحويل قضية "الأونروا"، باعتبارها قضية خلافية بين الأردنيين والفلسطينيين، وليست قضية صراع مع إسرائيل، وهو ما يطرح تساؤلات حول إمكانية مساندة تلك الحوارات بمضامين التخوين والعمالة لأيّ موقف رسمي.

وبالتزامن مع قضية "الأونروا"؛ جاء الإعلان عن تصريحات منسوبة للرئيس الفلسطيني، حول قبوله عرضاً من الرئيس الأمريكي بكونفندرالية فلسطينية مع الأردن وإسرائيل، في إطار السياقات التي يتمّ فيها الحديث عن المخطط الأمريكي لشطب حقّ تقرير المصير والدولة الفلسطينية المستقلة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية