ما هي خلفيات المحاولة الانقلابية في الصومال؟

ما هي خلفيات المحاولة الانقلابية في الصومال؟


05/01/2022

صبيحة السابع والعشرين من الشهر الماضي، حاصرت قوة عسكرية مقرّ الحكومة الصومالية، وحاولت اقتحام المقرّ، ومنع القائم بأعمال رئيس الوزراء، محمد حسين روبلي، من دخول مكتبه، وذلك استجابةً لأوامر من الرئيس المنتهية ولايته، محمد عبد الله فرماجو.

ولم يمضِ إلا وقت قليل، حتى انسحبت القوة العسكرية، ودخلت العاصمة قوات أخرى مؤيدة لروبلي، مُعلنة بذلك إخفاق محاولة الانقلاب العسكرية، وتجنيب البلاد الانزلاق في أتون صراع، لا تُحمد عقباه.

فرماجو: صداع الصومال

ومع أنّ قوة عسكرية حاولت تنفيذ الانقلاب إلا أنّ أيّاً من القادة العسكريين لم تكن له أطماع في السلطة؛ فتحرّكهم كان استجابةً لأوامر شخص مدني، وهو الرئيس السابق، فرماجو، الذي يملك نفوذاً كبيراً على وحدات عسكرية، على الرغم من انتهاء ولايته الرسمية. وبموجب الدستور انتقلت السلطة التنفيذية كاملةً إلى القائم بأعمال رئيس الوزراء، روبلي، والذي تسلمها بعد تنازل فرماجو عن صلاحيات منصب الرئاسة، في شهر أيار (مايو) الماضي، بعد إخفاقه في التمديد لنفسه وللبرلمان.

القائم بأعمال رئيس الوزراء، محمد حسين روبلي

ولم يكن تنازل فرماجو امتثالاً للنصوص الدستورية. وقبل شهر من تنازله عن صلاحياته استصدر قراراً بتمديد فترة رئاسته عبر مجلس الشعب، وكذلك تمديد ولاية مجلس الشعب، ولكنّه تراجع بعد محاصرة قوات عسكرية للمجلس، وانتشارها في أحياء واسعة من العاصمة.

مع أنّ قوة عسكرية حاولت تنفيذ الانقلاب إلا أنّ أيّاً من القادة العسكريين لم تكن له أطماع في السلطة؛ فتحرّكهم كان استجابةً لأوامر الرئيس السابق فرماجو

واستغلّ الرئيس السابق التأخير والتعطيل الذي تشهده انتخابات مجلس الشعب، وغضب اتحاد المرشحين الرئاسيين جراء ذلك، في إصدار قرار غير دستوري، بعزل القائم بأعمال رئيس الوزراء من منصبه، في 27 من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والدعوة لعقد مؤتمر عامّ لاختيار رئيس وزراء جديد، يقود البلاد في مرحلة الانتخابات. وأخفق مسعى فرماجو أمام الرفض المحلي القوي، ودخول قوات عسكرية معارضة له إلى العاصمة، فضلاً عن العامل الحاسم، وهو الرفض الدولي الشديد وخصوصاً الأمريكي للقرار.

ماذا يريد فرماجو؟

وتولّى محمد عبد الله فرماجو رئاسة الدولة الصومالية في 16 شباط (فبراير) 2017، وانتهت ولايته في التاريخ ذاته لعام 2021، وكان من المفترض أنّ تُقام الانتخابات، النيابية والرئاسية، قبيل انتهاء ولايته الرسمية، لتُنقل السلطة التشريعية إلى برلمان جديد مُنتخب، والسلطة التنفيذية إلى رئيس مُنتخب.

اقرأ أيضاً: معالم على طريق التجربة السياسية للإخوان في الصومال

وعلى مدار ولايته الرئاسية، عمل فرماجو على ضمان فوزه بولاية رئاسية ثانية، وذلك بطريقتين؛ الأولى محاولة تغيير نظام الاقتراع والانتخاب من نظام 4.5 العشائري، إلى نظام الاقتراع المباشر، والثانية التدخل في انتخابات رؤساء وبرلمانات الولايات لضمان انتخاب الموالين له.

وحين أخفق في تغيير نظام الانتخاب والاقتراع، لجأ إلى التدخل في الانتخابات، لضمان فوز الموالين له في البرلمان؛ مجلس الشعب ومجلس الشيوخ، كونهم من يختارون رئيس الجمهورية.

الصحفي عبد الفتاح موسى: لدى فرماجو هوس بالسلطة

ويقول الصحفي الصومالي، عبد الفتاح موسى: "لدى فرماجو هوس بالسلطة؛ ولهذا جمع السلطات الثلاث؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية بيده، ووظّفها خلال عهده لضمان بقائه في الكرسي بأية طريقة، ولهذا خرق الدستور، وتدخل في شؤون الولايات، التي منحها الدستور استقلالاً كبيراً، وعمل على تفجير الأوضاع سياسياً وعسكرياً فيها، من أجل السيطرة عليها".

 

اقرأ أيضاً: حركة الشباب تعلن مسؤوليتها عن تفجير سيارة مفخخة في الصومال

وأردف موسى لـ "حفريات": "لا يكاد فرماجو يفهم ما معنى الحلّ السياسي؛ ففي كلّ صدام مع المعارضة يأمر الجيش بالتحرك والقبض واعتقال كلّ من حاول معارضته، وجعل مقديشو ساحةً لتصفية الحسابات بينه وبين الرؤساء السابقين".

وأفاد موسى بأنّ "فرماجو في سبيل السلطة تنكّر لحلفائه وعزلهم، وكان آخر ذلك محاولة عزل روبلي، الذي أتى في خضم أزمة سياسية كادت تجرّ الصومال إلى مربع الحرب الأهلية مرة أخرى".

المحاولة الانقلابية

وجاءت المحاولة الانقلابية الأخيرة في خضم أزمة إطالة أمد انتخابات مجلس الشعب، والتي كانت من المقرّر أن تنتهي قبل نهاية العام الماضي، بعد أن شهدت عدّة تأجيلات، بسبب الصراعات السياسية بين فرماجو ورؤساء الولايات.

وتجددت الأزمة بعد انتخاب المدير المؤقت لوكالة الاستخبارات الوطنية، العقيد ياسين فري، على مقعد رقم "Hop067"، في مدينة دوسمريب عاصمة ولاية غلمدغ، والتي كان لفرماجو الدور الأكبر في انتخاب رئيسها الحالي، ولهذا شككت المعارضة في نزاهة انتخاب فري، المحسوب على الاستخبارات الموالية لفرماجو.

الصحفي عبد الفتاح موسى لـ "حفريات": تجميد صلاحية رئيس الوزراء تعني تجميد عملية الإعداد للانتخابات الرئاسية، ونسف العملية السياسية، وإبقاء الصومال تحت دائرة الصراعات اللامنتهية

وكانت لجنة تسوية المنازعات الانتخابية الفيدرالية، أقرّت بصحة انتخاب العقيد فري، وهو ما رفضه القائم بعمل رئيس الوزراء، وأقال سبعة من أعضائها، في 22 من الشهر الماضي، وكان ذلك شرارة تفجر الخلاف الأخير مع فرماجو، والسبب المباشر للمحاولة الانقلابية.

تدين فرق عسكرية بالولاء لفرماجو

وتشكّلت هذه اللجنة إلى جانب لجنة الانتخابات الفيدرالية في عهد الرئيس السابق فرماجو، وكانت محطة كبرى للخلافات مع رئيسي ولايتي جوبالاند وبونتلاند، واتحاد المرشحين الرئاسيين، وذلك بسبب تعيين الموالين لفرماجو في اللجنتين، خصوصاً من عناصر المخابرات، ولاحقاً قام روبلي بتغييرات في لجنة الانتخابات الفيدرالية، وتبعها بلجنة تسوية المنازعات.

وبهذه التغييرات فقد فرماجو أهم أدوات سيطرته المباشرة على مجريات انتخابات مجلس الشعب، وباتت حظوظه الانتخابية مهددة، ولهذا أقدم على محاولته الانقلابية.

 

اقرأ أيضاً: الصومال تعلن حالة الطوارئ الإنسانية العاجلة... ما القصة؟

وتعليقاً على ذلك، قال الصحفي موسى: "يخشى فرماجو من الهزيمة في الانتخابات الرئاسية؛ لذا يسعى بشتى الوسائل، غير القانونية، للبقاء في هرم السلطة، وكلما اقتربت الانتخابات الرئاسية يبادر بافتعال الأزمات، تارةً مع حكام الأقاليم، وأخرى مع رئيس الحكومة".

وأكّد موسى أنّ "تجميد صلاحية رئيس الوزراء تعني تجميد عملية الإعداد للانتخابات الرئاسية، ونسف العملية السياسية، وإبقاء الصومال تحت دائرة الصراعات اللامنتهية".

جوهر الأزمة

وتتمحور الأزمة السياسية في الصومال حول الوصول إلى مرحلة الانتخابات الرئاسية، والتي تُجرى داخل البرلمان بغرفتيه، ولهذا تعتبر محطة انتخابات مجلس الشعب هي أهم المراحل في العبور من الأزمة.

وإلى جانب دور فرماجو السلبي في الانتخابات، سواء المباشر عبر اللجان الفيدرالية، وغير المباشر عبر رؤساء الولايات الموالين له، وهم رؤساء ولايات؛ جنوب الغرب، وهيرشبيلي، وغلمدغ، والذين يلعبون دوراً كبيراً في الانتخابات، يتحمّل القائم بعمل رئيس الوزراء، محمد حسين روبلي، مسؤولية كبيرة عن تأخر الانتهاء من الانتخابات، بسبب ما صدر عنه من ممالأة لرئيسَي ولايتي؛ جوبالاند وبونتلاند.

المجلس الاستشاري الوطني

وكان المجلس الاستشاري الوطني، وهو أعلى هيئة تشرف على الانتخابات في البلاد، ويضمّ رؤساء الولايات الخمس، والقائم بأعمال رئيس الوزراء، أجرى تعديلات على القوانين الانتخابية، جعلت لرؤساء الولايات سلطة واسعة على حساب شيوخ العشائر، رغم أنّ نظام 4.5 الانتخابي يقوم على العشائر في الأساس.

 

اقرأ أيضاً: من هم أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية في الصومال؟

وبناءً على ذلك، يتحمّل روبلي ورؤساء الولايات إلى جانب فرماجو، المسؤولية عن تعطيل إنجاز انتخابات مجلس الشعب، والوصول بالبلاد إلى الانتخابات الرئاسية. ويعدّ الاستقلال الواسع الذي تحظى به الولايات أحد أسباب الأزمة السياسية الحالية، ويبدو أنّ تجربة وجود رئيس يتمتع بطموحات سياسية مثل فرماجو، جعلت رؤساء الولايات الكبرى؛ بونتلاند وجوبالاند، يخشون من تكرار التجربة، ولهذا عمدوا إلى التدخل في الانتخابات، لضمان فوز مرشح موالٍ لهم، وهو الدور الذي لا يختلف عن دور فرماجو وحلفائه.

سيناريوهات الأزمة

وقبيل المحاولة الانقلابية، دعا القائم بأعمال رئيس الوزراء إلى عقد مؤتمر للمجلس الاستشاري الوطني، للبحث في التلاعب الذي تشهده الانتخابات، وهي خطوة رحّب بها شركاء الصومال الدوليون، وحثوا المجلس على ضمان نزاهة الانتخابات.

ويرجّح أنّ تدخلات فرماجو لن تقف، حتى مع إخفاق محاولته الانقلابية؛ فما يزال لديه الولاء الكامل من رئيس ولاية جنوب الغرب، والتأييد النسبي من رئيسي ولايتي غلمدغ وهرشبيلي، وإذا ما عطلت هذه الولايات إجراء انتخابات مجلس الشعب في أراضيها، ستظل الأزمة قائمة.

 

اقرأ أيضاً: لماذا لا ترغب "أميصوم" في الانسحاب من الصومال؟

وما لم يخرج فرماجو نهائياً من الساحة السياسية، ستظلّ الأزمة تتجدّد، ويبدو أنّ هذا ما أدركه القائم بأعمال رئيس الوزراء؛ لذلك شكّل لجنة من عدد من الوزراء للتحقيق في المحاولة الانقلابية، وربما يكون تقرير اللجنة بدايةً لإبعاد فرماجو، وهي خطوة ليست يسيرة، في ظلّ ولاء فرق عسكرية له.

بانر يجمع معظم شركاء الصومال الدوليين

وفي سياق ذلك، دعت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" الجيش الصومالي إلى الابتعاد عن الصراعات السياسية، والتركيز على محاربة الإرهاب والجريمة، وبسط الأمن.

وثمة سيناريو للخروج من الأزمة، يحظى بدعم قوى من المجتمع الدولي، وهو عقد اجتماع المجلس الاستشاري الوطني من أجل ضبط أداء الانتخابات، وتسريع إجراءاتها، للوصول للانتخابات الرئاسية. ويواجه تطبيق ذلك عقبة رفض رئيس ولاية جنوب الغرب حضور الاجتماع، وتأييده للمؤتمر الذي دعا إليه فرماجو.

 

اقرأ أيضاً: تحذيرات من تكرار سيناريو أفغانستان.. هذه مخاطر انسحاب "أمصيوم" من الصومال

وأمام تلويح واشنطن مطلع الشهر الجاري بفرض عقوبات على المُعطلين للانتخابات، فضلاً عن الضغوط التي يمارسها شركاء الصومال الدوليين، وما كشفته المحاولة الانقلابية الفاشلة من تناقص نفوذ فرماجو، تميل الكفة نحو عقد اجتماع المجلس الاستشاري الوطني، والدفع نحو إنجاز الانتخابات، للوصول إلى الانتقال السلمي للسلطة، وإسدال الستار على حقبة فرماجو.

 

اقرأ أيضاً: قتلى في هجوم إرهابي لحركة الشباب بالصومال

ولا تُجرى الانتخابات في الصومال وفق نظام الاقتراع السرّي المباشر، كما هو معمول به في النظم الديمقراطية، بل تسير وفق نظام انتخاب عشائري، باسم نظام الـ "4.5"، وهو نظام يُقسم المقاعد الانتخابية لأربع حصص ونصف الحصة، وتذهب الحصص الأربع الكاملة لأكبر أربع عشائر في البلاد، والنصف الأخير لمجموعة عشائر تمثّل الأقلية.

وتُجرى الانتخابات عبر مندوبين محددين، تكون مهمتهم اختيار النواب عن كلّ كتلة عشائرية، في المناطق الانتخابية في عموم البلاد، ويختار البرلمان بغرفتيه؛ الشعب والشيوخ، رئيس الجمهورية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية