ما التداعيات السلبية لتحركات تركيا في لبنان؟... مركز كارنيغي يجيب

ما التداعيات السلبية لتحركات تركيا في لبنان؟... مركز كارنيغي يجيب


26/08/2020


في 4 تموز (يوليو) 2020، أعلن وزير الداخلية اللبناني محمد فهمي اعتقال 4 أشخاص، وهما؛ سوريان وتركيان، أثناء محاولتهم تهريب 4 ملايين دولار إلى لبنان على متن رحلة جوية من تركيا. اعترف المعتقلون الأربعة أنّ الأموال كانت مخصصة لتمويل "احتجاجات عنيفة" في الشارع اللبناني، وأنّ "تعليمات" قد تم إرسالها من تركيا عبر تطبيق WhatsApp  إلى أعضاء حركة الاحتجاج المناهضة للحكومة في لبنان. هذا ما أورده تقرير مطوّل نشره مركز كارنيغي في الرابع والعشرين من الشهر الجاري تحت عنوان "سلطان جديد في الساحة".

 

عمل الأتراك ببطء ولكن باستمرار على بناء شبكات وإقامة علاقات مع المجتمعات السنّية في جميع أنحاء لبنان على مستويات مختلفة

 

لم يكن الوزير فهمي، بحسب مركز كارنيغي، السياسي الوحيد الذي أشار إلى الدور التركي المتنامي في لبنان. نشر موقع إلكتروني تابع لوزير الداخلية الأسبق، نهاد المشنوق، قائمة كاملة بالمنظمات غير الحكومية والمساجد التي يُزعم أنها موالية لتركيا. وقد تمّت الإشارة في هذا كله إلى أنّ تركيا تخطط "للهيمنة على طرابلس"، ثاني أكبر مدينة في لبنان وهي معقل للمسلمين السنة في البلاد.

اقرأ أيضاً: وزير العدل اللبناني الأسبق لــ "حفريات": إيران وسوريا اغتالتا الحريري بأدوات حزب الله

ويقول تقرير مركز كارنيغي: على عكس إيران والمملكة العربية السعودية، فإنّ أنقرة لم تُعرف بحضور سياسي في البلاد. كما أنّه ليس لديها حلفاء سياسيون في البرلمان أو الحكومة. إيران لديها حزب الله، بنفوذه السياسي وميليشياته، بينما تدعم السعودية بعضاً من أكبر الكتل في البرلمان، من تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري إلى القوات اللبنانية المسيحية. لا تحضر تركيا في أي مكان في المؤسسات السياسية اللبنانية.

اختراق تركي

ومع ذلك، فقد عمل الأتراك ببطء ولكن باستمرار على بناء شبكات وإقامة علاقات مع المجتمعات السنّية في جميع أنحاء لبنان على مستويات مختلفة. أولاً، تواصل أنقرة العمل على تعزيز الروابط الثقافية والعرقية مع لبنان من خلال تقديم المنح الدراسية والمشاركة في الأنشطة الثقافية ومنح الجنسية لآلاف اللبنانيين. منذ زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى بيروت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، استثمرت تركيا في إعادة تأهيل رموز العهد العثماني، من بينها محطة قطار طرابلس لسكة حديد الحجاز التاريخية. كما افتتحت مراكز ثقافية حيث يتعلم آلاف الأشخاص اللغة التركية.

من الأولويات التركية أيضاً إحياء الهوية التركمانية في لبنان. لقد أبدت تركيا اهتماماً بالمجتمع التركماني قبل أكثر من عقد من الزمان، بعد أنْ كانت الأقلية التركمانية المكونة من عدة آلاف من الناس، والمنتشرة بين شمال وشرق لبنان، قد فقدت الكثير من ارتباطها بتركيا. اليوم، يقول سكان البلدات التركمانية المهمشة إنهم يشعرون بوجود الدولة التركية بينهم أكثر بكثير من شعورهم بوجود الدولة اللبنانية. تنظم تركيا زيارات دبلوماسية منتظمة وتمول المشاريع من خلال وكالة التعاون والتنسيق التركية، كما يقيم في لبنان عدة آلاف من التركمان السوريين.

 

أصبح منح الجنسية مسعى تركياً كبيراً. وحصل آلاف اللبنانيين، وكثير منهم تركمان أو من أصول تركية، على الجنسية التركية

 

بالإضافة إلى مشاريع التنمية، يتابع تقرير "مركز كارنيغي"، أصبح منح الجنسية مسعى تركياً كبيراً. وحصل آلاف اللبنانيين، وكثير منهم تركمان أو من أصول تركية، على الجنسية التركية. وقد أعلن وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو مؤخراً، في أثناء زيارته لبيروت في أعقاب الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت في بدايات الشهر الجاري، أنّ أردوغان أوعز إليه بمنح الجنسية التركية لأي تركماني أو من أصل تركي.

اقرأ أيضاً: شيعة يهتفون في جنوب لبنان: (نصر الله عدو الله)... هذه هي القصة

وفقًا للأرقام شبه الرسمية، حتى عام 2019 ، تقدم ما يقرب من 18000 لبناني بطلب للحصول على الجنسية التركية، وحصل عليها ما يزيد قليلاً عن 9600. لم يكن جميع المتقدمين من أصل تركي أو تركماني.

تداعيات سلبية للتحركات التركية

ومع ذلك، فإنّ النفوذ التركي المتزايد في المجتمع السنّي كان له تداعيات سلبية على العلاقات بين الطوائف اللبنانية، بحسب "كارنيغي"، الذي يضيف بأنّ أنقرة سعت إلى تبييض وتمجيد التاريخ العثماني من خلال محاضرات ممولة، على الرغم من أنّ هذا كان مثيراً للجدل في لبنان. على سبيل المثال، سعت شبكة مؤيدي تركيا لتخويف الأرمن الذين يحيون ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن على يد الأتراك في عام 1915. منذ رحلة أردوغان إلى بيروت، تعرض الأرمن لضغوط متزايدة حيث ظهر الآلاف من المتظاهرين المؤيدين لتركيا في مسيراتهم وهم يلوحون بالأعلام التركية ويرددون شعارات تهديدية للأرمن، ويدعون في كثير من الأحيان إلى إبادة جماعية أخرى، وفقاً لـ "كارنيغي".

اقرأ أيضاً: أكثر من مجرد وكيل… تطور الاستراتيجية العسكرية لحزب الله اللبناني

لا تقتصر مثل هذه الإجراءات على التجمعات. قام مؤيدو تركيا مؤخراً بترهيب صحفي تلفزيوني أرمني مشهور (هو نيشان ديرهاروتيونيان) انتقد أردوغان في حديث مباشر على الهواء. كانت الهجمات التي تلت ذلك صادمة، مع مقاطع فيديو وتهديدات وإهانات موجهة ضد الجالية الأرمنية، بحسب تقرير المركز الأمريكي.

يتضاءل عدد الأرمن في لبنان حيث يختار الكثيرون الهجرة إلى الخارج، بالنظر إلى انحسار التأييد لهم في بلد يتعاطف عادة مع قضيتهم. ويسلط المثال الأرمني الضوء على جانب مقلق من نفوذ تركيا المتنامي: تشترك العديد من الأقليات اللبنانية في وجهة نظر مؤلمة وغير مواتية في الغالب للعصر العثماني.

جانب آخر من النفوذ التركي في لبنان هو كيفية دمج تركيا للقضايا المحلية في أعمالها في البلاد. في الآونة الأخيرة، ذكر المسؤولون الأتراك إرين بولبول، وهو صبي يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً قُتل على يد حزب العمال الكردستاني في عام 2017، كمصدر إلهام لجهود الإغاثة بعد انفجار كبير في ميناء بيروت في 4 آب (أغسطس) الجاري. هذه الإشارات موجهة أساساً للجمهور التركي، بحسب "كارنيغي".

اقرأ أيضاً: 15 عاما على اغتيال الحريري.. سنوات عجاف في لبنان

يُنظر إلى زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أسابيع إلى لبنان على أنها محاولة لمنع تركيا من إقامة موطئ قدم آخر على البحر المتوسط. ربط ماكرون لبنان وليبيا في تغريدة عن مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في إشارة مباشرة إلى الإجراءات التركية في كلا البلدين، بحسب "كارنيغي". وقد حذرت وسائل الإعلام التركية من دور فرنسي جديد في لبنان.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية