ما يزال وهم إحياء الدولة العثمانية يسيطر على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فبعد أن ساهم في تدمير سوريا وليبيا عبر حلفائه وقواته ومرتزقته، يسعى أردوغان لتكرار السيناريو نفسه في اليمن.
وتواصل تركيا العبث في اليمن، وذلك في محاولتها لإنقاذ جماعة الإخوان هناك، وتأمين موطئ قدم لها على الضفة الشرقية للبحر الأحمر وفي خليج عدن.
اقرأ أيضاً: حزب الإصلاح الإخواني في اليمن يجند إرهابيين في تنظيم القاعدة... ما أهدافه؟
ويُعتبر حزب الإصلاح، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان العالمي في اليمن، حصان طروادة الذي يستخدمه أردوغان أداة تركية للتغلغل داخل المجتمع اليمني والسيطرة على مقدراته، تماماً كما حدث مع حكومة الوفاق الليبية.
النظام التركي كعادته دائماً قبل التدخل العسكري يحاول اختراق البلاد عبر بوابة المساعدات، كما فعل قبل تدخله في الشأن الليبي والسوري والعراقي، وهذا ما فعله في اليمن عبر جمعية الهلال الأحمر التركي، حيث قام بتوزيع المساعدات على سكان مناطق متعددة، وفق ما ذكرت وكالة الأناضول نهاية شهر حزيران (يوليو) 2020.
وبحجّة هذه المساعدات أرسلت تركيا العشرات من ضباط الاستخبارات تحت لافتة "هيئة الإغاثة الإنسانية" التركية، ووصل بعضهم إلى مأرب وشبوة عن طريق منفذ الشحن الحدودي في محافظة المهرة، بعد أن حصلوا على تسهيلات من وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري ومحافظ المهرة السابق راجح باكريت.
وتشير المعلومات التي تناقلتها مواقع أخبار محلية، كموقع "المشهد" الإخباري وموقع "سبتمبر نت" منتصف العام الماضي، إلى الزيارات التي يقوم بها الضباط الأتراك لبعض المحافظات التي يسيطر عليها إخوان اليمن، لتحويلها إلى منطقة للتدخل التركي، في سيناريو شبيه بالتدخل التركي في ليبيا عن طريق العاصمة طرابلس.
حزب الإصلاح الإخواني يُعتبر حصان طروادة الذي يستخدمه أردوغان أداة تركية للتغلغل داخل المجتمع اليمني
على مدى الأعوام الماضية نفّذ "الهلال التركي" و"تيكا" أنشطة مشبوهة في محافظات عدن والضالع وتعز، بوساطة شركاء محليين وهميين بهدف عدم لفت الأنظار إليها، كما قامت المنظمات التركية باستئجار مقرّات لها في العاصمة المؤقتة عدن وفي عدد من المحافظات، بهدف إدارة تلك الأنشطة المشبوهة، والتغلغل في المجتمع اليمني.
وكلّف أردوغان أجهزة الاستخبارات التركية، ورئيس شركة "صادات" التركية للاستشارات الدفاعية الدولية، عدنان تانريفردي، بتجهيز مقاتلين مرتزقة بغية إرسالهم إلى اليمن للقتال مع الجماعات المُتشددة هناك، وذلك مقابل مبالغ مالية ضخمة ومغريات كثيرة.
وتُعتبر المعسكرات التي يؤسسها الإخوان في اليمن، كمعسكرات تعز التي يقودها الإخواني حمود المخلافي، امتداداً لتأثير تركيا المتنامي في البلاد من خلال أدواتها الإخوانية وعملائها المحليين الذين يسعون للسيطرة على السواحل اليمنية وباب المندب.
اقرأ أيضاً: ضباط مخابرات أتراك في اليمن تحت غطاء بعثة إغاثة
وفي السياق المرتبط بتوظيف شركة "صادات" في اليمن، كشف تحقيق أجراه موقع "نورديك مونيتور" السويدي استثمار أردوغان في شبكة جماعة الإخوان باليمن، وإرساله كبير مستشاريه العسكريين للقاء أحد الإرهابيين في صنعاء.
وطبقاً للسجلات الداخلية الخاصة بشركة "صادات" العسكرية الخاصة، الموالية للرئيس التركي، اجتمع مع عبد المجيد الزنداني، المصنف لدى الولايات المتحدة "إرهابياً"، في اليمن لإجراء محادثات بشأن الشؤون العربية والإسلامية.
وأشار الموقع السويدي إلى أنّ الشركة تواصلت مع شبكة الزنداني عام 2014 عندما أرسلت وفداً خاصاً إلى صنعاء تحت ستار برنامج تعاون لمنظمة أهلية.
والتقى كبار النواب بـ"صادات"، وهم: نجم الدين كيليش، وعلي كورت، وإرسان إرجور، مع القيادي الإخواني بمكان غير محدد بصنعاء في الفترة ما بين 19 و20 شباط (فبراير) عام 2014
تركيا أرسلت العشرات من ضباط الاستخبارات تحت لافتة "هيئة الإغاثة الإنسانية" التركية بحجة توزيع المساعدات
.
ولفت "نورديك مونيتور" إلى أنّ كيليش هو نائب رئيس مجلس إدارة منظمة تُسمّى "جمعية المدافعين عن العدالة"، وهي جماعة تابعة لـ"صادات" لكن تحت اسم آخر، أمّا إرجور، فهو عضو بمجلس إدارة مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجمعية، وبالنسبة إلى كورت، فلقبه الرسمي هو الأمين العام لاتحاد المنظمات الأهلية في العالم الإسلامي، التي تعتبر منظمة صورية لـ"صادات".
وحضر الاجتماع الخاص 10 أشخاص من الجانبين، وطبقاً لمحضر الاجتماع، الذي غطّى جزءاً من النقاش وحصل عليه "نورديك مونيتور"، أخبر الزنداني أعضاء شركة "صادات" بأنّ "تركيا تحت قيادة أردوغان ستقود العالم الإسلامي قريباً".
طالب الشرفي: مهمة شركة صادات الإشراف على تدريب قوات إخوانية وإدارة المعركة مع الجنوب
لم يشمل محضر الاجتماع جميع التفاصيل، لكنه أشار إلى أنّ بعض المعلومات التي جمعها فريق "صادات" لم تكتب ولكن نقلها الوفد شفوياً إلى تانريفردي لدى عودتهم إلى تركيا، ورجّح أنه جرى استبعاد المسائل بالغة الحساسية خوفاً من تسريبها إلى الإعلام.
وخلال مقابلة بعد استقالته من منصب كبير المستشارين العسكريين لأردوغان في كانون الثاني (يناير) عام 2020، اعترف تانريفردي بأنه التقى شخصياً مع الزنداني، وتناقشا بشأن "المهدي المنتظر".
وقال تانريفردي: "سألته (عبد المجيد) هل سيكون هناك اتحاد إسلامي؟ فقال سيكون. سألته: متى سيحدث ذلك؟ فأجاب: عندما يأتي المهدي".
وعزّز الزنداني العلاقات مع الإسلاميين في تركيا، خاصة نجم الدين أربكان، معلم أردوغان والأب المؤسس للإسلام السياسي في تركيا، حتى أنّ أربكان ساعده مادياً عندما أسس الزنداني جامعة الإيمان في صنعاء.
وفي وقت سابق، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن الصلات المالية للزنداني مع الإسلاميين الأتراك، ووصفت الجامعة بـ"مصنع لإنتاج التطرّف"، التي استقطبت مئات الطلاب غير اليمنيين لدروسها.
السجلات الداخلية الخاصة بشركة "صادات" العسكرية تكشف اجتماعات عقدت بين رؤسائها وعبد المجيد الزنداني
وكانت وسائل الإعلام الموالية لأردوغان في تركيا تتحدث دائماً عن الزنداني، حتى أنه قال خلال مقابلة مع صحيفة إسلامية في أيار (مايو) عام 2013: إنه يدعو لأردوغان.
وقد انتقل الزنداني إلى تركيا في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2020، وكانت عائلته وأتباعه المخلصون يقيمون هناك، وعملوا عن كثب مع حكومة أردوغان لدعم جماعة الإخوان وغيرها من الشبكات الإرهابية، بحسب "نورديك مونيتور".
وتداول عدد من النشطاء معلومات تفید بوصول الزنداني إلى تركیا، بعد أیام من وصول رئیس حزب التجمع الیمني للإصلاح محمد الیدومي، ممّا يُعتبر مؤشراً واضحاً على أنّ هناك ما يُحاك في الخفاء بين النظام التركي وجماعة الإخوان اليمنية، وفق صحيفة "المشهد اليمني".
اقرأ أيضاً: إخوان اليمن يمهدون لتصعيد قادم مع السعودية من تركيا
وفي سياق متصل، صرّح مسؤولون يمنيون في حزيران (يونيو) الماضي بأنّ هناك عناصر تركية في محافظة شبوة تتبع لشركة "صادات" الأمنية المسلحة التركية التي تشبه شركة "فاغنر" الروسية و"بلاك ووتر" الأمريكية.
وقال مستشار وزير الإعلام ورئيس رابطة الإعلاميين اليمنيين فهد طالب الشرفي: إنّ هناك معلومات عن وجود فريق في شبوة يتبع شركة "صادات "التركية الخاصة، وهي شركة استشارات وتدريب أمنية وعسكرية، يشرف عليها الجنرال السابق عدنان تانريفردي، المستشار الأمني لأردوغان، وفق ما أورد موقع "عدن 24".
"نيويورك تايمز" تكشف الصلات المالية للزنداني مع الإسلاميين الأتراك، وتصف جامعة الإيمان بـ"مصنع لإنتاج التطرف"
وأضاف: إنّ مهمّة هذه الشركة هي الإشراف على تدريب قوّات إخوانية وإدارة المعركة مع الجنوب.
وتابع الشرفي في تغريدة له على تويتر: إنّ من أهمّ شروط شركة صادات التركية للاستشارات والتدريب تحويل المعركة باتجاه عدن والساحل الغربي.
وقال: ويلتزم طرف إخوان اليمن بعدم استخدام أيّ تقنيات أو أفراد يتمّ تدريبهم من قبل الشركة في أيّ معركة مع الحوثيين.
واختتم الشرفي بالقول: هذا يفسّر دفع الإخوان بأهمّ شبابهم باتجاه شبوة، وإفراغ مأرب.