ماذا ارتكبت الإيرانية نسرين ستودة لتُسجن 38 عاماً مع 148 جلدة؟

إيران

ماذا ارتكبت الإيرانية نسرين ستودة لتُسجن 38 عاماً مع 148 جلدة؟


24/03/2019

"عزيزي نيما، لا أعرف ما أخبرك عن السجن والاعتقال، إنه صعب على طفل بريء مثلك أن يستوعب معنى المحاكمة والظلم والرقابة والقمع ونقيضها الحرية والعدالة والمساواة، وكيف أشرح أنّ العودة إلى المنزل ليست مسألة اختيارية، وإنني لست حرة، وليس لي الحق برؤيتك ولو لساعة واحدة". كانت تلك هي الرسالة التي كتبتها المحامية الحقوقية الإيرانية، نسرين ستودة (55 عاماً)، إلى طفلها من سجن "أوفين"، وسربتها مكتوبة على أوراق مناديل، حتى توثق بإمكانيات متواضعة، تلك اللحظة القاسية والمريرة التي تعانيها، على إثر مواقفها في الدفاع عن الحريات، وحقوق المعتقلين السياسيين، بينما تختلط في كلماتها الجسارة بالحنين والفقد.

نذر غضب مستمر في الأفق
منذ نهايات العام قبل الماضي، ثمة حراك سياسي تشهده مدن ومحافظات طهران، تقوده عدة عناصر من مختلف الفئات والقوميات، والتي تعبئها مواقف متباينة ومرجعيات متفاوتة؛ من بينها الفساد السياسي، وتدني الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وواقع الأقليات القومية والدينية المتدهور، بالإضافة إلى المطالبة بالانفتاح على بعض القضايا الحقوقية ومسألة الحريات؛ كمثل فرض الحجاب الإلزامي على الفتيات، والذي يعاقب عليه القانون في حال عدم الالتزام به.

عاودت إيران القبض على نسرين ستودة، وحكمت بالسجن 38 عاماً، و148 جلدة بـتهم التجسس والإضرار بالأمن وإهانة مرشد الثورة

إبان الثورة الإسلامية، شهد واقع المرأة في طهران تغييرات جمة، على أكثر من مستوى، في ظل تأثيرات سياسة الملالي، ومرجعيتها الفقهية، التي فرضت تأويلاتها المباشرة على الاجتماع السياسي؛ حيث لم يعد يسمح للنساء الظهور بدون الحجاب، أو بالأحرى التشادور، وذلك بعدما أصدر الإمام الخميني، بعد شهر من عودته إلى إيران، مرسوماً يفرض على النساء ارتداء التشادور، في السابع من آذار (مارس) 1979.
بيْد أنّ الحملة التي قادتها الصحافية الإيرانية "ماسية آلينجاد"، التي تعيش بالولايات المتحدة، ضد الحجاب الإلزامي، ودشنتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وجدت استجابة قوية ومؤثرة، لدى كثير من الإيرانيات، اللواتي خرجن في ما عرف بـ"الأربعاء الأبيض"، كيوم احتجاجي، يتظاهرن فيه، بشكل رمزي، من خلال ارتداء حجاب أبيض، يخالفن فيه الرداء الأسود، المفروض بصورة قسرية، وإجبارية ضدهن، أو من خلال نشر صور من دون حجاب، حيث تقوم الفكرة على تحرير المرأة من الإلزامية، وبالتالي، تمنحها حرية الارتداء من عدمه، بشكل اختياري، لا تفوض سلطة أو مرجعية نفسها لتحديده.

رمزية الصمت وكل الغضب المسكوت عنه
كانت الفتيات اللواتي قبض عليهن في هذه القضية، بعدما نشروا صورهن، وخرجن في المظاهرات الصامتة، ضد الحجاب الإلزامي، كل أربعاء، من بين أبرز القضايا التي دافعت عنها، المحامية الحقوقية من أصول كردية، نسرين ستودة، وتصدت لها بقوة، حيث دأبت دوريات الشرطة على أن تطوف الشوارع والأحياء التي يتظاهرن فيها، بغية مطاردة هؤلاء الفتيات لملاحقتهن والقبض عليهن.

باحث: النظام الإيراني الحالي يعمد إلى تضييق الخناق على أغلب النشاطات المدنية والحقوقية لأنه ينبذ النقد السياسي

سبق اعتقال ستودة في العام 2010، حيث وجهت ضدها عدة تهم؛ مثل إهانة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، والدعاية ضد النظام، والتآمر للإضرار بأمن الدولة، وذلك بعدما تولت الدفاع عن المتظاهرين المعارضين في الحراك الجماهيري، الذي حدث إبان الانتخابات الرئاسية الإيرانية، العام 2009 وإعلان فوز المرشح محمود أحمدي نجاد، بولاية ثانية.
أطلق سراحها بعد ضغوط دولية، وقضاء نحو ست سنوات في السجن، إلا أنّ قرار الإفراج عنها رافقه استثناء متسعف، يقيد نشاطها، ويعطلها عن مباشرة عملها الحقوقي، حيث حظر عليها مغادرة إيران، حتى العام 2022، فلم تتمكن من حضور وقائع حفل استلام جائزة ساخاروف لحرية الفكر والتعبير، من قبل البرلمان الأوروبي، التي منحتها إياها، بسبب ذلك القرار الجائر.

اقرأ أيضاً: هل تستبدل إيران مرشدها؟
تبنت السيدة الخمسينية قضايا مجموعة كبيرة من الموقوفين والمعتقلين، على خلفية قضايا سياسية وحقوقية، تتصل بمعارضة النظام، ومن بينها، قضية الصحفي عيسى سرخيز، وحشمت تبرزادي، وبروين أردلان، وجميعهم من المعارضين السياسيين والناشطين في المجال الحقوقي، والمطالبين بالإصلاح السياسي والاقتصادي، والمساواة داخل المجتمع الإيراني.

لماذا اعتقلوا ستودة ثانية؟
مؤخراً، عاودت السلطات الإيرانية القبض على ستودة، حيث تواجه حكماً قاسياً، يقضي بسجنها لمدة 38 عاماً، و148 جلدة. وبحسب محاميها، فإنّ التهم الموجهة لها لم تتغير، وتتعلق بـ"التجسس والإضرار بالأمن القومي وإهانة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية".
ويترافق هذا الحكم مع صعود إبراهيم رئيسي، إلى السلطة القضائية في إيران، والذي تولى رئاستها بتفويض من المرشد الأعلى للثورة، والمعروف عنه ميوله الراديكالية، وانتماؤه إلى الجناح المتشدد، بينما يحفل سجله بانتهاكات شتى في مجال حقوق الإنسان، فقد كان أحد أعضاء ما عرف بـ"لجنة الموت"، التي أصدرت أحكاماً بالإعدام، ضد  خمسة آلاف شخص، من المعارضين، في أعقاب الثورة الإيرانية، وتحديداً، في العام 1988، في حملات التصفية واستئصال المعارضين والخصوم السياسيين.

اقرأ أيضاً: صورة شغلت الإيرانيين
لذا، اعتبرت "الحملة الدولية لحقوق الإنسان"، أنّ تعيين إبراهيم رئيسي، رئيساً للسلطة القضائية، يعني أنّه لا مكان لمفهوم سيادة القانون في البلاد، ويعكس "مدى تجاهل سيادة القانون وهو مكافأة لمن يشاركون في جرائم حقوق الإنسان".
ومن جهتها، قالت منظمة العفو الدولية الحكم ضد المحامية الكردية: "لأمر مروع للغاية أن تواجه نسرين ستوده ما يقرب من أربعة عقود في السجن، و148 جلدة بسبب عملها السلمي في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك دفاعها عن نساء بسبب احتجاجهن على قوانين الحجاب الإلزامي المهينة في إيران".
ودعت المنظمة إلى "إطلاق سراح نسرين ستوده فوراً ودون قيد أو شرط وقيد وإلغاء هذا الحكم المروع دون تأخير".

"عام العار" في إيران
وكشفت المنظمة الدولية عن أعداد المعتقلين، خلال العام 2018، حيث تجاوز عددهم 7000 شخص، ومن بين المحتجين طلاب، وصحفيون، وعمال، ونشطاء في حقوق الأقليات والمرأة، بالإضافة إلى أحكام على المئات بالسجن أو الجلد.
وإلى ذلك، وصف فيليب لوثر، مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد في برنامج الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا بالمنظمة الدولية، أنّ العام 2018: "سوف يسجل باعتباره (عام العار) بالنسبة لإيران في التاريخ؛ حيث سعت السلطات الإيرانية، طوال السنة، إلى قمع أي مظهر من مظاهر المعارضة، عن طريق تصعيد حملة القمع، التي شنتها على الحق في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات والانضمام إليها، والتجمع السلمي، والقيام بعمليات اعتقال جماعية للمحتجين.

اقرأ أيضاً: إيران تريد العراق لبناناً آخر!
وفي حديثه لـ "حفريات"، يقول الباحث العراقي المتخصص في الشأن الإيراني، أحمد عقيل، أنّ النظام الإيراني الحالي يعمد إلى تضييق الخناق على أغلب النشاطات المدنية والحقوقية؛ لأنه ينبذ النقد السياسي، ومن ثم، يخشى شيوعه خلال التجمعات واللقاءات التي يقوم بتدشينها البعض، وهو ما قد يسفر عنها احتجاجات أو نشاطات معارضة ضد النظام، بينما يعمل الأخير على محاولة تجميدها، ووقف عواملها ومصادرها، عبر مواجهتها الميدانية، من خلال الأذرع الأمنية التي تطوق أدوارها.

اقرأ أيضاً: دول أوروبية تطلب من إيران هذه الأمور لاستمرار الحوار
ويضيف: "النظام الإيراني يراقب ويعاقب بقسوة في حال وجود تظاهرات ثقافية داعية إلى العدالة الاجتماعية، وعدم التمييز الطبقي والطائفي والإثني بين شرائح المجتمع الإيراني. قبل أيام قليلة، عمل النظام على خنق الحريات الحقوقية في أكثر من مجال من خلال إصدار قضائي، أسفر عنه أوامر بالقبض على ناشطين حقوقيين، كانت نسرين ستوده أحدهم، حيث تم الحكم عليها بـ ٣٥ عاماً بتهمة التجاوز في سمعة نظام ولاية الفقيه ونقده. كما هناك ناشط آخر اسمه (علي رضا رجائي)، تم سجنه وهو مريض، ومازالت معاناته تتفاقم يوماً بعد يوم، دون أن تعنى السلطات الإيرانية بوضعه الصحي وتوفير معلومات عن حالته وهو ما يجعله في وضع شديد الخطورة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية