مؤرخ فرنسي يتوقع أن تفقد "النهضة" السلطة فترة طويلة

مؤرخ فرنسي يتوقع أن تفقد "النهضة" السلطة فترة طويلة


كاتب ومترجم جزائري
23/08/2021

ترجمة: مدني قصري

في 25 تموز (يوليو)؛ علّق الرئيس التونسي، قيس سعيّد، أنشطة البرلمان. كما أقال رئيس الحكومة هشام المشيشي، ومنح نفسَه صلاحيات كاملة، وألقى بالبلاد في حالة طوارئ. في هذا السياق يُلقي المؤرخ الفرنسي بيير فيرمرين نظرة على هذه الأحداث، وعلى تطوّر الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في تونس.

 فيرمرين مؤرخ متخصّص في المنطقة المغاربية، وهو أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة باريس 1 بانتيون سوربون.

هنا تفاصيل الحوار:

كيف نفسّر إجراءات الرئيس سعيّد؛ هل هي، كما يؤكّد البعض، طريقة لإعادة تأطير بلدٍ يعاني من عدم الاستقرار السياسي، ويُدمّره فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية؟ وهل هناك خطر انجراف استبدادي؟ وهل يمكننا الحديث عن انقلاب، كما تزعم المعارضة؟

في رأيي؛ تونس كانت منذ فترة طويلة تعيش في وضع لا يطاق، عندما أعلن الرئيس حالة الطوارئ. إنّ الأزمة التي يمرّ بها البلد متعدّدة الجوانب؛ إنّها مرتبطة بجميع قطاعات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؛ فمنذ عامٍ والمؤسسات السياسية معطلة، وغير قادرة على العمل بعضها مع البعض الأخرى، لدرجة أنّها لم تتمكن من تعيين محكمة التحكيم التي كان من المقرر إنشاؤها منذ عام 2015، فسواء تعلّق الأمر برئيس الحكومة، أو رئيس الجمعية الوطنية، أو رئيس الجمهورية، فقد ظلّت كلّ مؤسّسة سياسية تُنفّذ من جانبها وبمفردها إجراءاتها الخاصة دون استشارة، في نشازٍ شامل وفي حالة من الشلل في كثير من الأحيان؛ لهذا ظلّت عاجزة عن اتخاذ قرارات سياسية عاجلة، رغم ما يعانيه الوضع الاقتصادي والصحي من تردٍّ متزايد، ناهيك عن أنّ البلاد على وشك الإفلاس، ومستشفياتها عاجزة عن مواجهة جائحة فيروس كورونا (وهذا من بين العديد من المشاكل الأخرى).

 لقد أظهر التونسيون صبراً كبيراً خلال العام الماضي، ومنذ أشهر عديدة والعديد من المعلّقين (الصحفيين والباحثين والسياسيين) يدقّون ناقوس الخطر؛ ففي رأيهم لا يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه، لكن في الوقت نفسه، حاول حزب النهضة المهيمن، الحصولَ على تعويض مالي عن الأحداث القمعية التي وقعت قبل عقود، على الرغم من أنّ الدولة على وشك الإفلاس.

من أكبر المشاكل التي تواجهها تونس هناك مسألة القضاء أيضاً؛ ففي السنوات الأخيرة، تلقى القضاءُ تعليماتٍ من حزب النهضة بِعدم محاكمة المسؤولين عن الهجمات الإرهابية والاغتيالات التي حدثت بين عامَي 2013-2015، فالآن لم يتم إحياء هذه القضايا من جديد فحسب، بل رفع الرئيس سعيّد الحصانةَ عن البرلمانيين، في 25 تموز (يوليو)، وعلى هذا النحو يمكن في النهاية فتحُ تحقيقات، واعتقال بعض الشخصيات المشهورة بالفساد، وهذا ما تراه غالبية التونسيين أمراً جيّداً.

موقف الرئيس التحكيمي ليس انتصاراً لِمعسكر على الآخر، لقد تولى قيس سعيَد على نحوٍ ما دور الحَكم، واضعاً نفسه فوق الانقسامات، حتى يُكسِر الجمود

عدم الاستقرار المعمّم هذا يفسِّر القرارَ الرئاسي الصادر في 25 تموز (يوليو)، لا شكّ في أنّ الصعوبات المالية لم تختفِ منذ ذلك الحين، لكنّ قرار قيس سعيّد، في رأيي، ساعد في حلحلة الموقف؛ ففي سياق عدم الاستقرار هذا، أعاد الرئيسُ تنظيم الصلاحيات بموجب الفصل 80 من الدستور التونسي الذي يمنحه سلطة مؤقتة، وفي رأيي؛ هذا القرار يفي ويتفاعل مع توقعات جزء كبير من السكان، لا شكّ في أنّه من الصعب تحديد حجم هذا التأييد الشعبي، لكنّ التعبئة في الشارع كانت واسعة، وهي في ظاهرها أقوى بكثير من مسيرات مُعارضي قيس سعيّد.

هل تشهد هذه التجمّعات على الانقسامات العميقة التي يمرّ بها المجتمع التونسي بين مؤيدي الخطّ الرئاسيّ وبقية السكان، الذين ينتسبون أكثر إلى الإسلام السياسي الذي تدافع عنه بعض الجماعات، مثل النهضة؟

في الواقع، هناك انقسام سياسي وأيديولوجي قوي للغاية في المجتمع التونسي.

في الأغلبية القديمة، تشكّلت كتلةٌ صلبة حول حزب النهضة، لقد خسر هذا التشكيل العديدَ من الناخبين، لكنّه ما يزال القوة السياسية الرئيسة في البرلمان، ومع ذلك، يبدو أنّ غالبية التونسيين يؤيدون القرار الرئاسي الصادر في 25 تموز (يوليو)؛ لأنّ هناك رغبة عميقة في التغيير داخل المجتمع التونسي، من قِبل جميع الطبقات الاجتماعية مجتمعة؛ لذلك فإذا كانت هذه الحلقة الجديدة من عدم اليقين تثير في آنٍ الآمالَ والمخاوف، فإنّ السكان على ما يبدو راضون بشكل عام عن خروجهم من المأزق الذي ظلّ سائداً حتى الآن في البلاد.

اكتسب راشد الغنوشي، صورةَ رجل سياسيٍّ يُغذي التوترات في البرلمان، ويحافظ على علاقة غامضة مع القضاء، من أجل الحفاظ على نفسه في السلطة بأيّ ثمن

علاوة على ذلك، فإنّ موقف الرئيس التحكيمي ليس انتصاراً لِمعسكر على الآخر، لقد تولى قيس سعيَد على نحوٍ ما دور الحَكم، واضعاً نفسه فوق الانقسامات، حتى يُكسِر الجمود، موقف الحَكم هذا أسهل بكثير بالنظر إلى أنّ الرئيس التونسي لا يمتلك قوة منظَّمة من خلفه، إنّه وحيد نسبياً، لقد اُنتخِب عام 2019، بناءً على نزاهته ومسيرته المهنية كأستاذ قانون دستوري (تجب معرفة أنّ تاريخ الدستور التونسي مهمٌّ جداً بالتسبة للتونسيين)، لكن لا يملك حقاً حزباً من خلفه.

أمّا بالنسبة إلى بقية الطبقة السياسية، فلم تعد الأحزابُ اليسارية تمثل قوّةً سياسية مهمّة، بل هي متشرذمة، لكنْ هناك تشكيل غير إسلامي قوي اليوم، وهو "الحزب الدستوري الحر" لِـ عبير مُوسِي، وفق استطلاعات الرأي، يمكن لهذا التشكيل أن يتصدّر المشهد السياسي إذا تمّ تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة في الأسابيع المقبلة.

إذاً، القوى السياسية المهيكلة في تونس إمّا معادية جداً للرئيس ولقراره الصادر في 25 تموز (يوليو)، على سبيل المثال حزب النهضة، وإمّا في في شكلٍ من أشكال سياسة الانتظار والترقب، مثل حزب الدستور الحر، وقد استند الرئيس سعيّد بشكل خاص على الجيش، في الأسابيع الأخيرة؛ هل لهذه المؤسسة مكانة مهمّة في تونس؟

لا. تونس من الدول العربية القليلة، وربما مع لبنان، التي يحتلّ الجيش فيها دوراً ثانوياً، وزارة الداخلية هي التي كانت تحتلّ مكانة مركزية في عهد بن علي، من المؤكد أنّ قوات الأمن التي تكافح الإرهاب، مثل الحرس الوطني والجيش، قد تعزّزت خلال السنوات الأخيرة، كانت الخسائر في الأرواح البشرية باهظة لهذه القوات. كما يشارك الجيش في تأمين الحدود، ثم لطالما حرص الرؤساء التونسيون المتعاقبون على عدم وجود الجيش في قلب السلطة؛ لذلك بقي الجيش على الهامش، لكن بما أنّه ليس لديه حزب خلفه، ولأنّ الدستور ليس رئاسياً بل برلمانياً، فقد حرص رئيس الدولة منذ 25 تموز ( يوليو) على دعم الهيئات المهيكلة، مثل الجيش، ووزارة الداخلية والعدل؛ فهو، باختصار، يرغب في ضمان الحياد الخير للجيش، الذي كان قادتُه أنفسُهم، مثل المجتمع التونسي بأسره، يدركون أنّ الوضع لا يمكن أن يستمر.

حتى لو كان قرار 25 تموز (يوليو) بالنسبة إلى تونسيين كثيرين ضرورياً في سياق الأزمة الحالية؛ فإنّ أفعال الرئيس تتعرض لمزيد من الانتقادات على مدار الأيام، لقد تمّ القبض على بعض نواب المعارضة مع ما أثاره هذا من جدل، ولذا يدعو المجتمع الدولي الآن لتشكيل سريع للحكومة؟

من المؤكد أنّه، مع مرور كلّ يوم، يزداد عدمُ اليقين بشأن مستقبل البلاد، ينصّ الدستور على أنّ مدة حالة الطوارئ 30 يوماً، بمجرد انقضاء الموعد النهائي، في 25 آب (أغسطس)، لن تكون حالة الطوارئ قانونية، وما دام ليس من الواضح مَن الذي يحيط بالرئيس، وعلى من يتّكئ في اتخاذ قراراته، تبقى أسئلة كثيرة معلقة بلا إجابة: لماذا لم يعيّن بعدُ رئيسَ وزراء جديد؟ يبدو أنّ القرار الوشيك ينبئ بأولوية اقتصادية، وهو تحدٍّ فوري حاسم للهروب من الإفلاس، إلى جانب ذلك، هل سيجتمع البرلمان؟ إذا استمر هذا الوضع على حاله، فقد يصبح إشكالية كبيرة.

 الرئيس سعيّد في حاجة ماسّة إلى تعيين رئيس وزراء لتشكيل الحكومة، لكنّ تراكم الأزمات المتعدّدة يُعقّد المعادلة، وأخيراً يلوح في الأفق تنظيمُ انتخابات برلمانية مبكرة. في رأيي، هذا ما يريده الرئيس، لكن هذا لا يمكن القيام به في غضون أسابيع.

قلتَ إنّ النهضة هي القوة السياسية الأولى في البرلمان. في أعقاب القرار الرئاسي الصادر في 25 تموز (يوليو)، ندّد الحزب الإسلامي بانقلاب، داعياً في الوقت نفسه إلى الحوار؛ ما رأيك في إستراتيجية هذا التشكيل؟

بالفعل، أرسل حزب النهضة إشارات متناقضة للغاية. من ناحية؛ ندّد أعضاء الحزب السياسي بحدوث انقلاب، لكنّهم من ناحية أخرى، دعوا إلى الهدوء، بل وطلبوا من التونسيين العفوَ عن الوضع الكارثي في ​​البلاد والضائقة الاجتماعية، تُظهر هذه الرسائل المتناقضة أنّ الحزب في مأزق، ويبدو أنّه منهَكٌ بعد ما يقرب من 10 سنوات من السلطة، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا التشكيل لم يحصل على الأغلبية المطلقة، لقد تمكّن دائماً من البقاء في السلطة بفضل التحالفات المعقّدة مع الرؤساء التونسيين المتعاقبين؛ لذلك احتفظ حزب النهضة بالسلطة من خلال التوفيقات والتراضي، والمكر والتهديد، وهكذا، فقد تمكّن دائماً من الاحتفاظ إمّا بالسيطرة على البرلمان، أو السيطرة على الحكومة، أو على كليهما معاً.

لكنّه أصبح ضعيفاً جداً اليوم؛ فهو منقسمٌ داخلياً، وقد اضطر إلى التحالف مع حزب سلفي استفزازي، حزب الكرامة، لتشكيل كتلة أغلبية في البرلمان. من ناحية أخرى، يعتمد حزب النهضة بشكل كبير على زعيمه، راشد الغنوشي، لقد اكتسب هذا الرئيس السابق للبرلمان، والمهندس الرئيسي للحزب الإسلامي، صورةَ رجل سياسيٍّ يُغذي التوترات في البرلمان، ويحافظ على علاقة غامضة مع القضاء، من أجل الحفاظ على نفسه في السلطة بأيّ ثمن كان؛ لذلك، على الرغم من أنّ حزب النهضة ما يزال يُحظَى بدعمٍ كبير في الخارج، إلا أنّه ما انفكّ يفقدُ مصداقيته عند التونسيين؛ فهو الآن في أدنى مستوى في استطلاعات الرأي، يرغب العديد من التونسيين في أن يدفع الحزبُ ثمنَ الوضع الاقتصادي والاجتماعي الكارثي في ​​البلاد. السكان اليوم لديهم فرص محدودة للحصول على الغذاء، والمستشفيات تعيش في أزمة، والبطالة متفجرة، والفساد متفشّ بشكل لافت، بالتالي، فإنّ الحزب يتخبّط اليوم في وضعٍ حرج وكارثي من حيث سجله، وهو ما يفسّر الرسائل المتناقضة التي يُرسلها، النهضة على وشك فقدان السلطة لفترة زمنية طويلة المدى.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

lesclesdumoyenorient.com



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية