مأزق الإسلام السياسي في العراق

مأزق الإسلام السياسي في العراق

مأزق الإسلام السياسي في العراق


09/08/2023

محمد حميد رشيد

إذا كان (الإسلامي السياسي) يمر بمأزق كبير وتحديات كبرى وعلى إمتداد العالم الإسلامي فإن (المشروع السياسي الإسلامي في العراق) مظلوم بسبب حجم وكمية الاتهامات التي تكال له (فهو متهم بالعنف والارهاب والفساد والفشل والطائفية)

وهو بريء من كل ذلك لسبب بسيط هو عدم وجود (مشروع سياسي إسلامي بالمعنى الإصطلاحي في العراق) فلقد أبتلعت جميع الاحزاب الدينية العراقية الطعم (الأجنبي) المحلى بالمغريات والمناصب والمليارات من الدولارات و عشرات الوعود الكاذبة والاحلام المزيفة والدعة وكل هذا غريب عليهم ولم يألفوه وهم خريجوا مدارس الفتنة والسجون والمعتقلات وأجيال الخوف!. وتحولت تلك الاحزاب إلى واجهات شكلية للمشروع الإسلامي ولا يحملون من روح الإسلام السياسي وأخلاقياته إلا أسمه

وأتجهوا بقضهم وقضيضهم نحو المشاريع الطائفية (بواقعية براغماتية) شرهة وبائسة ونحو (إمتلاك الدولة) ومنذ ذلك اليوم أختفى المشروع السياسي الإسلامي في العراق ولم يعد له وجود عملي حقيقي له توجه فكري يمكن مناقشته!.

لذا كان التحشيد الطائفي هو السبيل (الوحيد) للحصول على التمثيل الطائفي المزيف وأجج ذلك وزاده تطرفاً السعار الطائفي المحموم الذي أندلع في آوئل 2006م والذي رسخ الطائفية السياسية وبانت عورة الأحزاب الإسلامية الطائفية الفاسدة ومليشياتها المسلحة.

وكان من لوازم هذا التوجه والتحشيد القضاء على المشروع الوطني وعلى الفكر الوطني كونه العقبة الكبرى أمام المشاريع الطائفية؛ بل تحولت (الوطنية) إلى لعبة محطمة لا تصلح للعب لأطفال! حيث عملت على تسقيطها وتسقيط ممثليها وأحتوائها وعرقلت مسيرتها وتلفيق شتى الأتهامات لها.

وكان من لوازم هذا التحشيد التوجه بقوة نحو صناعة عقل جمعي (قطيعي) غير واع لكسب اكبر تمثيل طائفي ممكن لذا كانت كل الانتخابات ومنذ الاحتلال إلى يومنا هذا خالية من فكرة (إختيار الافضل) ولم يكن المواطن حراً بإختيار أفضل من يمثله بل أختياره وإلى حد كبير كان للطائفة أو للعرق وفق خارطة وتقسيم مسبق مدعومة في بعض الأحيان (بفتاوى دينية) لترسيخ الطائفية؛ وهي خالية من أي تحليل سياسي واعي للمصلحة الوطنية العراقية ومبنية على الولاءات للطائفة بدلاً عن (الولاء للوطن) وإن الخطر الذي يجب القضاء عليه هم أعداء الطائفة من داخل الوطن وليس من خارجه. وهذا هو المأزق الكبير الذي وقعت به أحزاب الإسلام السياسي حينما جعلت نفسها العدو الاول للمشاريع الوطنية دون أن تقدم مشروعاً وطنياً يمكنه أن يخدم العراق وينقذه من ما هو فيه ولا حتى مشروعاً إسلامياً عابر للطائفية بل رسخت الطائفية بل هي تدعوا لها من خلال الفكر الطائفي المبني على التناقض والثائر وإيقاض العقد التاريخية والحرب مع الشريك في الوطن!. وكان ذلك غطاء للفساد والتجاوزات القانونية والأعتداء على الحقوق المدنية التي يقرها الدستور والقانون بل كان مشجعاً للتجاوز على مشروعية مؤسسات الدولة القانونية وإضعاف أجهزتها وتنعش بعض الأجهزة التي تحارب توجهات الدولة! طالما كانت الدولة لا تمثل العقيدة التي تستحق الولاء والإنتماء وتسخير الدولة لخدمتها. وعجزت تلك الاحزاب عن الخروج من الأفق الطائفي إلى الأفق الإسلامي الذي يحقق السلم المجتمعي والامن الأهلي والوحدة الوطنية تلك المشتركات التي يدعوا لها المشروع الوطني والتي توفر مناخ سياسي آمن وحقيقي؛ وعجزت عن الأقتراب من المشروع الوطني وعجزت عن مواجهة الفشل والفساد وعجزت عن الارتقاء بمستوى الخدمات وعملت على تدمير المفهوم الحقيقي للديمقراطية عبر إختيار الأفضل وأتجهت نحو الخيار الطائفي الذي يمثل الأكثرية من وجهت نظر تلك الأحزاب وحققته من خلال إنتخابات مشكوك فيها اتسمت بالتزوير ورسخت فكرة الاتغيير مهما حصل!؛ والتي قاطعها الأغلبية من الشعب العراقي.

ورغم إن هذا التوجه أدى إلى كوارث ومآسي وطنية وإنتكاسات كارثية وأصطبغت كل حكومات هذه المرحلة دون إستثناء بالفشل والفساد والدمار والتخلف بمناخ إرهابي متسلط ومتنوع بل أصبح التوجه الوطني جريمة! وفي الجانب الأخر تحولت الوطنية إلى (وثنية)! وأصبح التغيير مستحيل وإن القرار لم يعد وطنياً وأخطر ما في ذلك أن هذه الفكرة أصبحت هي الفكرة الشائعة (لا تغيير من الداخل)!

ومع هذا فأن هذا التوجه لا يمكنه الإستمرار ومواجهة تحديات العصر الحضارية وتحديات العولمة وتحديات (عودة الوعي) إلا بالقوة المفرطة عبر قوة ظلامية هدفها الحفاظ على أسس العملية السياسية الفاشلة الفاسدة مدعومة بالعنف والارهاب والقوى الخفية التي تبرر عنفها بالمحافظة على (مكتسبات العملية السياسية وحمايتها) أو الإتجاه نحو الخيار الآخر بالانتحار أو التسليم...

خصوصاً أن هناك متغيرات دولية وإقليمية بدأت تؤثر على تشكل القوى داخل محيط الصراع السياسي العراقي بدأت بالتدافع مع الطائفية السياسية نحو دولة المواطنة المدنية.

لذا علينا أن نتوقع في المرحلة القادمة تشكيل واقع سياسي جديد يعتمد المدنية والمواطنة وحرية التفكير وحرية الاعتقاد وإلا فإن البديل هو مجازر كبيرة يكون ضحيتها العوام من الناس نتيجة صراع التغيير والتقوقع! إضافة إلى استمرار الفشل المركب والفساد والإرهاب والتمزق ما دامت الاطراف السياسية مصرة على النهج العنصري الطائفي. وذلك هو مصير أي صراع طائفي على إمتداد التاريخ فما هي إلا تجارب مرحلية تبداء بكارثة وتنتهي بكارثة أفضع!

نعم لابد من القفز (ولو متاخر) من المركب المتهريء ولعبة الشيعة والسنة بدأت بالاستهلاك ولن تفلح الطائفية المتوحشة بالوقوف أمام العولمة الناعسة المغرية القوية وقبل هذا والاهم منه سأم الشعب العراقي من الخطاب الطائفي وكشف أبعاده المصلحية المتوحشة والتي لايمكنها الاستمرار إلا عبر العنف المسلح الإجرامي! المفرفوض شرعاً وقانوناً وغير قابل للأستمرار والبقاء انها الأنفاس الأخيرة لعملية كسيحة معوقة!

المستقبل لمن يستطيعون عبور المشاريع الطائفية نحو وحدة الشعب العراقي ومصالحه التي ستكون من أول نتائجها القضاء على الأرهاب والفساد بكل أشكاله وإنتمائاته وتشكيل حكومة وطنية حكومة الشعب العراقي الواحد.

وستشهد التقافزاً من المركب الطائفي المتصدع نحو الوحدة والنجاح والوطنية (مركب العراق) وهذا التوجه لا يمكن أن يكون أحادي الجناح إذ لابد من تعددها وتنوعها للتحليق فوق الهمجية واللوحشية والتخلف الذي تمثله الطائفية والعنصرية فهل سيجد الشعب العراقي الأجنحة التي تساعده على تحقيق هذه الخطوة المحلقة والاكثر من جريئة؟

أعتقد أن الشعب العراقي كله ينتظر بترقب قلق وهو الباحث عن مخلّص...

عن "المدى"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية