ليس فقط في شهر رمضان

ليس فقط في شهر رمضان


05/04/2022

علي بن سالم الكعبي

مع شهر رمضان تعود لمة الأسرة إلى أصلها. الكل ممن يصومون الشهر تجمعهم العبادات اليومية قبل بقية الطقوس التي تزينها مائدة الإفطار. لكن ثمة من لا أسرة له، ولا يمتلك حتى فرصة الحصول على وجبة طعام صغيرة، ولا حبة تمر يكسر بها صيامه الطويل.
ثمة من يصومون الشهر ابتغاء مرضاة الله وهم في العراء يسكنون أو في مخيمات اللجوء التي تملأ الأرض، يفطرون على شربة ماء ومما قد يتيسر لهم، وهم مؤمنون بأن ما قسمه الله لهم – حتى وإن كان قليلاً – هو فضل ومنّة من عنده.
مثل هؤلاء يخجلوني وأنا الذي عرفت الشيخ زايد عن قرب، وشهدت كيف كان - إن صام بضعة أيام خارج الإمارات – يطلب ممن حوله توزيع الطعام على المارة في المنطقة أو سكانها، وأحياناً كان يشرف شخصياً على هذا العمل.
لا أدّعي أنني مثله في فعل الخير، لكني تعلمت منه الكثير، ومن كل من يقتسم طعامه مع مسكين أو يتيم أو مع من ضاقت بهم بلادهم وجمع شتاتهم مخيم، ولبوا النداء للصلاة إيماناً واحتساباً. كلٌّ يفعل ما بوسعه ليس فقط في شهر رمضان، إنما في كل شهر، فيقدم ما باستطاعته من خير ومن نعم الله، وهي كثيرة.
الآمنون في بلادهم والمطمئنون، المؤمنون بالخير كفعل وسلوك، والعابدون ابتغاء وجه الله، يفكرون بغيرهم، إن تهيأت لهم شربة ماء عذبة، وإن تحلقوا مع أسرهم حول مائدة، وإن اجتمعوا بعد أداء الصلوات، وإن عملوا وكسبوا، فهم يفكرون بغيرهم. ولا أعتقد أن هناك شعوراً بالسكينة والرضى أعظم من ذاك الذي يغمر قلب المرء حينما يفكر بغيره ويسعى إلى إسعاده بما تيسر من خير.
من المؤكد أن الحكمة الإلهية لا تقتضي أن يمتنع المسلم عن الأكل والشرب خلال نهار شهر رمضان فحسب، لكن الأهم أن يصوم عن الأفعال التي تتنافى مع القيم والأخلاق. فثمة فرص ثمينة في حياتنا، إن استثمرناها نجونا.
بهذا المعنى يأتي شهر رمضان ليكون بمثابة فرصة ليعيد المرء التفكّر في حياته وفيما صنعت يداه. كل عام يكون شهر رمضان فرصة لمن لم يختبر تعميم الخير لكن ليس في رمضان وحسب، إنما لكل بقية الشهور، فالله لا يأمر المرء أن يكون صالحاً لشهر واحد فقط وكفى، إنما يأمره أن يكون الصلاح ديدنه في دنياه لكي يعيش والسلام يستحوذ على روحه.
كل عام يكون شهر رمضان فرصة للمسلم كي يفكر أكثر في جوهر ومعنى حياته، وبأن كل ما نهاها الله عن فعله ليس مرتبطاً فقط بشهر رمضان، إنما بكل الأيام، وذلك من أجل تعميم مفهوم الصلاح بما يشتمل على معاني كف أذى اليدين واللسان والنظر كذلك، والالتزام بطريق واحدة لا ثاني لها، أساسها وعمادها الخير والرحمة والتسامح لتكون تلك المفردات هي اللغة المشتركة فيما بيننا نحن البشر.
«صوموا تصحوا» ليس معنى العبارة – كما يفهمه كثيرون وأنا أحدهم – مرتبط بالناحية المرتبطة بالتوقف عن الطعام والشراب خلال وقت محدد من اليوم، إنما معناه باطني وعظيم، وهو الصوم عن كل ما من شأنه أن يتسبب بالأذى سواء لبشر أو شجر أو أي كائن حي، أو حتى لمال عام. أي أن يصوم المرء دائماً عن كل فعل أو تفكير يوقع السوء على الآخرين. ومن معاني الإيمان أن يرفق المرء بنفسه وبمن حوله، روحه نظيفة، قلبه مُحِب ومشرع على المحبة، يداه ممدودتان للخير، ومن معاني الإيمان أيضاً أن يرتقي بإنسانيته فيتغلب على الشر الذي يحاول أن يغلبه. شهر رمضان نافذة يطل بها المسلم على مساحة من نور وسكينة، فإن التحق بتلك المساحة سكنته الرحمة.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية