ليبيا: هل إخراج مرتزقة أردوغان مرهون بنتائج الانتخابات الأمريكية؟

ليبيا: هل إخراج مرتزقة أردوغان مرهون بنتائج الانتخابات الأمريكية؟


28/10/2020

رغم التوصّل إلى وقف شامل لإطلاق النار في ليبيا، في 23 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، والترحيب الدولي الواسع بالاتفاق، وحتى الترحيب الأمريكي الحارّ، إلا أنّ الاتفاق يظلّ مرهوناً بقدرة الأطراف الممثلة في اللجنة العسكرية لحكومة الوفاق على الإيفاء بالتزاماتها، بإخراج المرتزقة والوجود الأجنبي.

ولا يمكن لأيّ فصيل عسكري في ليبيا إخراج مرتزقة أردوغان، أو إعلان انتهاء الاتفاقيات العسكرية والحدودية الموقّعة مع تركيا؛ نظراً إلى ما تتمتع به تركيا من وجود عسكري كبير، وارتباط وثيق بأقوى الميليشيات في الغرب الليبي.

اقرأ أيضاً: كيف وصف الجيش الليبي محادثات جنيف؟ وما علاقة المرتزقة؟

هذا الأمر  يطرح تساؤلاً حول هوية المشاركين في اللجنة العسكرية الخماسية عن الغرب، ومدى تمثيلهم للميليشيات، وقدرتهم على إنفاذ الاتفاق، في ظلّ الإشارات السلبية تجاه الاتفاق من حكومة الوفاق، والمجلس الأعلى للدولة.

جانب من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار

ولم يصدر بيان رسمي من حكومة الوفاق، أو المجلس الأعلى للدولة، حول اتفاق وقف إطلاق النار، وجاء ذكره ضمن بيان الاحتفال بذكرى انتصار ثورة 17 فبراير، في اليوم نفسه لإعلان الاتفاق، ولم يصدر بيان رسمي سوى من نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، أحمد معيتيق، الذي رعى اتفاق استئناف إنتاج وتصدير النفط، وانخرط بفعالية في المفاوضات الأممية في الغردقة وجنيف، وهو ما يؤكّد وجود انقسام حادّ داخل حكومة الوفاق والغرب؛ بين الطرف الجهوي (غير المؤدلج)، والمؤدلجين من الإخوان والجماعة المقاتلة، الأشدّ التصاقاً بتركيا.

إخراج المرتزقة

وليس بجديد الإعلان عن قرار وقف إطلاق النار، فلم تشهد الجبهات اشتباكات بين الطرفين منذ شهور، خاصةً بعد إعلان وقف إطلاق النار بين السراج والمستشار عقيلة صالح، في 21 آب (أغسطس) الماضي، لكنّ الجديد في القرار، هو إعلان الوقف بشكل شامل، والاتفاق على إخراج المرتزقة الأجانب في غضون ثلاثة أشهر، وإلغاء اتفاقيات التدريب العسكري مع دول أجنبية في الداخل الليبي.

تركيا تجاوزت المجال المسموح لها بالحركة فيه، من قبل واشنطن، بل وتمادت في معاداتها بتجريب منظومة "إس – 400"، وهو أمر سيزيد من العقاب الأمريكي عليها

وسبقت الاتفاق اجتماعات تمهيدية بين مسؤولين عسكريين عن الشرق والغرب في الغردقة المصرية، حول فتح المعابر، وتبادل الأسرى، ووقف خطاب التحريض، وتأمين المنشآت النفطية، والتمهيد لاستئناف المحادثات العسكرية.

ولم يشر الاتفاق، وفق المسودة التي نشرتها الأمم المتحدة، إلى شيء بخصوص مدينتي سرت والجفرة، أو نزع السلاح منهما، وذكر سحب القوات العسكرية من خطوط التماس.

ميليشيات في طرابلس

وتضمّن الاتفاق تشكيل وحدة عسكرية مشتركة لمراقبة وقف إطلاق النار، والبدء الفوري في تصنيف الميليشيات، وإعداد موقف عنها، من حيث (قادتها، وأفرادها، وتسليحها، وأماكن تواجدها)، ووضع آلية لتسوية أوضاعها؛ سواء بالدمج الفردي، لمن تنطبق عليه الشروط، بعد التأهيل، أو التعويض لمن لا يرغب في الدمج.

وتمّ الاتفاق على تشكيل وحدة مشتركة من الشرطة لتأمين المعابر والطرق الرئيسة، ومراقبة حرية التنقل، وكذلك وقف خطابات التحريض الإعلامية، وتشكيل لجنة مشتركة من حرس المنشآت النفطية في الشرق والغرب، لوضع مقترحات لتوحيد هيئة الحرس، وتطويرها.

المحلل السياسي الليبي عبد الله بن صالح لـ"حفريات: وقف إطلاق النار  برعاية أممية هو ردع لتركيا، خصوصاً بنصّه على إخراج جميع المرتزقة، وإيقاف عمليات التدريب

وأكّد الاتفاق على وقف الاعتقال التعسفي على أساس الهويّة، وتسليم المطلوبين للقانون، ولا يسري وقف إطلاق النار على الكيانات المصنفة إرهابية، وفق الأمم المتحدة.

وفي تحدّي للاتفاق، أعلنت وزارة الدفاع التركية استمرار تدريب عناصر موالية لحكومة الوفاق، في طرابلس، في اليوم التالي للإعلان عن الاتفاق، في مخالفة صريحة للفقرة الثانية، التي تقضي بخروج أطقم التدريب العسكرية الأجنبية، لحين تشكيل الحكومة الجديدة، ما يؤكّد على نيّة تركيا وحلفائها إفشال اتفاق جنيف.

ولم تكن اجتماعات اللجنة العسكرية من أولويات الإخوان في ليبيا، الذين كانوا يفضّلون حلاً سياسياً يشرعن الانقسام، ويحفظ الوجود العسكري التركي، والاتفاقيات الموقَّعة مع تركيا، لكن جاءت اجتماعات الغردقة العسكرية كضربة قاصمة لأحلام الإخوان، وتبعها إعلان الأمم المتحدة أسماء المشاركين في المسار السياسي، ليمثّل الشعب الليبي، بعد أن كان الإخوان يهيمنون على المشاركين عن الغرب.

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة تنقل تركيا مرتزقة أردوغان للقتال في قره باغ

وأعلنت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة، في ليبيا، ستيفاني ويليامز، انطلاق الحوار السياسي، يوم 25 تشرين الأول (أكتوبر)، على أن يبدأ لقاءه الأول عبر الفيديو "كونفرانس"، في 26 تشرين الأول (أكتوبر)، ويكون اللقاء المباشر في تونس، في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

جانب من لقاء جنيف

وحول هوية المشاركين عن الوفاق في اللجنة العسكرية؛ يقول المحلل السياسي الليبي، عبد الله بن صالح: "أحمد أبو شحمة يمثّل مصراتة، ويمثّل المختار النقاصة الزنتان - الجويلي، ويمثّل الفيتوري غريبيل طرابلس (سوق الجمعة)، وربما يمثّل واحداً من الاثنين الباقيين الزاوية، ووراء كلّ عسكري منهم مجموعة من الميليشيات، كما جرت العادة، بتقديم العسكريين النظاميين ممثلين لهم".

ويردف بن صالح: "لكن، كما يحدث دائماً، ربما تختلف الميليشيات مع ممثليها، إن لم يوافق الاتفاق هواها".

معضلة الوجود التركي

وتعليقاً على الاتفاق؛ شكّك الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في مصداقيته، مشيراً إلى أنّه لا يتمتع بمستوى تمثّيل عالٍ، كما شكّك في التزام الفرقاء الليبيين بوقف إطلاق النار.

وكشف التزام حكومة الوفاق، والمجلس الأعلى للدولة، الصمت حيال الاتفاق، وذكره عرضاً في إطار بيان بمناسبة انتصار ثورة 17 فبراير، مع المطالبة بإبعاد المشير حفتر، بشكل غير مباشر، عن حكومة الوفاق، التي يهيمن عليها الإخوان، بالوجود العسكري التركي، ما يعدّ أول العراقيل أمام الاتفاق على تفكيك الميليشيات، ورحيل المرتزقة والوجود العسكري الأجنبي.

وردّد كلّ من أردوغان، وحكومة الوفاق، والمجلس الأعلى نغمة المرتزقة الأجانب في صفوف الجيش الوطني، ورغم نفي الأخير لذلك، إلا أنّ بيانات أممية وأمريكية أشارت إلى وجود مرتزقة فاجنر الروسية مع الجيش الوطني.

اقرأ أيضاً: لماذا فر المرتزقة السوريون من جبهة أذربيجان؟ وما موقف تركيا؟

وفي اعتراف غير مباشر من الجيش الوطني، بوجود مرتزقة في مناطق نفطية، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط رفع حالة القوة القاهرة، عن مينائَي السدرة ورأس لانوف، ومباشرة ترتيبات الإنتاج، والصادرات، عقب التأكّد من مغادرة القوات الأجنبية منطقة الميناء، وهي خطوة تدلّ على التزام الجيش الوطني بإخراج مرتزقة فاجنر، لقطع الطريق على اتهام الوفاق الدائم بوجود مرتزقة في صفوفه.

وحول إخراج المرتزقة والوجود العسكري التركي، يقول بن صالح: "وقف إطلاق النار الذي جاء برعاية أممية هو ردع لتركيا، خصوصاً بنصّه على إخراج جميع المرتزقة، وإيقاف عمليات التدريب، وهذا يمسّ اتفاقية تركيا والسراج في المجال الأمني. والكرة الآن في ملعب ميليشيات الوفاق، فهي أمام تحدٍّ صعب، فممثليهم العسكريون النظاميون لن يرضوا بتقلّد أشخاص مدنيين مناصب عسكرية، وهذا ما اتفقوا عليه مع لجنة القيادة العامة."

ستيفاني ويليامز مع أحمد معيتيق، نائب رئيس حكومة الوفاق

ويردف بن صالح، لـ "حفريات": "الصراع الآن سينتقل إلى داخل طرابلس بين المليشيات، وسنرى الفرز بين التحالفات الأيديولوجية، والجهوية، والأخيرة أقرب إلى الالتزام بوقف إطلاق النار".

ويشكّك المحلل السياسي الليبي، عمر بو أسعيدة، في قبول الأطراف العسكرية المتعددة داخل الوفاق بالاتفاق، ويقول: "هناك أصوات مع وقف إطلاق النار، وأخرى تريد الخلاص بأيّ شكل، وأصوات رافضة لأيّ اتفاق، وهذا الانقسام في صالح الجيش الوطني".

ويتابع بو أسعيدة، لـ "حفريات": "الأتراك لن يقاتلوا، فهم لا يريدون التورّط أكثر، خوفاً من التبعات، ويبحثون عن أيّ مكاسب، خصوصاً لدعم الاقتصاد التركي، ولن يتحقق ذلك إلا بعد الاستقرار، لكنّ الجيش الوطني حريص على طرد الأتراك، وكذلك مصر، ولن ينالوا شيئاً حال توحيد ليبيا؛ لذلك هم حريصون على استمرار الفوضى".

الحسم الأمريكي

ويرى بو أسعيدة؛ أنّ الولايات المتحدة وحدها هي القادرة على ممارسة ضغوط على تركيا، لإجبارها على الانسحاب من ليبيا، وهو ما يتوقف على نتيجة الانتخابات الأمريكية.

ويقول: "تركيا تجاوزت المجال المسموح لها بالحركة فيه، من قبل واشنطن، بل وتمادت في معاداتها بتجريب منظومة "إس – 400"، وهو أمر سيزيد من العقاب الأمريكي عليها".

اقرأ أيضاً: كيف أصبح المتمردون في سوريا مرتزقة لتركيا؟

فضلاً عن ذلك؛ فإنّه في حال فوز الرئيس ترامب، سيمضي قدماً في خطته للشرق الأوسط، القائمة على تشكيل حلف عربي - إسرائيلي في مواجهة النفوذ الإيراني، وذلك بديلاً لخطة إدارة أوباما بتمكين الإخوان المسلمين في المنطقة، وستتأثر ليبيا بذلك.

وفي ذلك، يقول المحلل السياسي، عبد الله بن صالح: "الشرق الأوسط يشهد تغيرات كبيرة، واتفاقية السلام بين الإمارات وإسرائيل قطعت الطريق على مناورة قطر والإخوان بعلاقاتهم مع إسرائيل، لدعم سياستهم في المنطقة، والآن فقدت قطر والإخوان هذه الورقة، التي كانت تكسب بها كثيراً من المساومة مع الولايات المتحدة".

ومن غير المرجّح انخراط واشنطن بقوة في الملف الليبي، قبيل انتهاء الانتخابات الرئاسية. ويبقى الرهان على قدرة المجتمع الدولي، الداعم للاتفاق، على إجبار تركيا بسحب المرتزقة، وإنهاء وجودها العسكري.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية