لماذا يعاقب الاتحاد الأوروبي روسيا ويغمض عينيه عن تركيا؟

لماذا يعاقب الاتحاد الأوروبي روسيا ويغمض عينيه عن تركيا؟


19/10/2020

فتح إعلان الاتّحاد الأوروبيّ حول فرض عقوبات على روسيا، بتهمة تسميم المعارض الروسي المشهور، أليكسي نافالني، البابَ على مصراعيه للحديث عن ازدواجية معايير الاتحاد، الذي يحاول الثأر لأجل تسميم شخص واحد، بينما ظلّ يهدّد تركيا بعقوبات، دون اتخاذ أيّة إجراءات جادّة، بعد تعدياتها السافرة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وما تفعله في ليبيا وسوريا، ومؤخراً العراق وأذربيجان.

 هذه الازدواجية دفعت بعض وسائل الإعلام إلى توجيه الاتّهام إلى الاتّحاد بأنّه يمارس الضغط على روسيا، لأجل دورها الذي يتنامى في أوروبا، ليس من أجل قيّم الديمقراطية التي يزعم حفاظه عليها. 

قال مسؤولون أوروبيون، إنّ الأدلة على أنّ نافالني قد تسمّم بغاز نوفيتشوك، تشير إلى أنّ الهجوم قد تمّ تنفيذه، على الأرجح، من قبل جهات حكومية روسية

أدوار روسيا تؤرق الغرب 

خلال لقائهما، على هامش قمّة العشرين، العام الماضي، حذّرت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تيريزا ماي، الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قائلة: "كفّ عن أعمالك التي تزعزع الاستقرار حول العالم"، كان هذا الحديث رداً على تسميم الجاسوس الروسي، سيرغي سكريبال، وابنته، عام 2018، الذي تمّ تسميمه داخل الأراضي البريطانية، على أيدي ضابط من المخابرات الروسية، حسبما نشرت وسائل الإعلام العالمية، لكنّ موسكو نفت هذه الاتهامات، التي وجهتها لندن. 

وفي مقال له عبر صحيفة "سفوبودنايا بريسا" الروسية، كتب نائب وزير السياسة الاقتصادية السابق للخزانة الأمريكية في إدارة رونالد ريغان، "بول روبرتس"، عن التلفيق الذي تمارسه حكومات الغرب لتشويه صورة الرئيس الروسي، وتساءل عن غياب الإنسانية وقيّم الحرية، التي يدّعيها الغرب، أين كانت من موت الملايين في المنطقة بسبب تدخلاتهم؟ واستكمل تساؤلاته قائلاً: "أين استياء الغرب وشعبه على موت السوريين؟ والموت في ليبيا والصومال وباكستان وأفغانستان وأوكرانيا؟ أين هو استياء الغرب من التدخّل الغربي المستمر في الشؤون الداخلية للدول الأخرى؟ كم مرّة أطاحت واشنطن الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في هندوراس ونصّبت دمى واشنطن هناك؟

المعارض الروسي أليكسي نافالني

وبإعلان ألمانيا، في آب (أغسطس) الماضي، تسميم المعارض الروسي المشهور، أليكسي نافالني، الذي تمّ نقله من سيبيريا إلى برلين، حيث اكتشف تسمّمه، على متن طائرة إلى المستشفى وإنقاذ حياته، كشّرت الديمقراطيات الأجنبية عن أنيابها، وبدأ حلف شمال الأطلسي "الناتو"، في دعوة روسيا إلى الكشف عن برنامج إنتاج مادة "نوفيتشوك" السامّة، التي تمّ استخدامها ضدّ نافالني، باعتبار أّنّها مادة سامّة، طوّرها الاتحاد السوفييتي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لصعوبة اكتشافها.

 وبحسب الباحث في الدراسات الأمنية والإستراتيجية وشؤون الشرق الأوسط، يوسف بدر؛ فإنّ الخطر الذي تمثله روسيا على أوروبا حالياً، هو ما يزعج الاتحاد، أكثر مما تسبّبه تركيا من مشكلات، حيث إنّ المصالح التي تربط الاتّحاد بتركيا تجعل من الصعوبة فرض عقوبات سريعة قبل أن تدرس دول الاتّحاد آثار هذه العقوبات عليها. 

ويتابع بدر، في تصريح لـ "حفريات": "ما تزال روسيا تمثّل الخطر الأول بالنسبة إلى دول الاتّحاد الأوروبي، بفعل الجوار والترسانة التسليحية الضخمة لروسيا، وكذلك بسبب الأدوار التي باتت تلعبها روسيا في دول الاتّحاد، التي ظهرت بشكل جليّ منذ الأزمة الاقتصادية في اليونان، والأزمة السياسية في أوكرانيا، إلى جانب أزمات إمدادات الطاقة القادمة من روسيا وبلاد القوقاز، غير أنّ توقيت فرض العقوبات على روسيا، هو ما يثير الحفيظة؛ إذ يتعلق بالأدوار التي تلعبها روسيا حالياً، لا سيما مع تصاعد أزمة الصِراع بين أرمينيا وأذربيجان، على أقليم ناغورني كاراباخ المتنازع عليه، والدور الروسي في هذه الأزمة، والتي تؤثر على السوق الأوروبية بشكل مباشر؛ خاصة بعد استهداف أرمينيا لأنابيب تصدير النفط نحو تركيا ومن هناك إلى أوروبا، لا سيما أنّ روسيا لها دور فاعل في مجموعة "مينسك"، التي أنشأتها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، للبحث عن حلّ سلميّ للنزاع بين الجارَتين؛ وهو ما يعني إمكانية أن تمارس روسيا ضغطاً مباشراً على أرمينيا لتفعيل مبادرات الحلّ". 

اقرأ أيضاً: كيف تجنبت روسيا الانجرار إلى الفخ التركي بصراع أرمينيا وأذربيجان؟

سرعة في اتّخاذ القرار

وكان وافق الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات، تستهدف المسؤولين والكيانات الروسية التي يُزعم تورطها في تسميم نافالني، لكنّ المسؤولين أصروا على أنّ هذه الخطوة لا ينبغي أن تقوّض الاتصالات الأوروبية المستمرة رفيعة المستوى مع الرئيس فلاديمير بوتين.

 ودون تقديم أدلة، أو تحقيقات تذكر في الواقعة، قرّر الاتحاد فرض هذه العقوبات بعد شهرين تقريباً من الحادث، إذ أيّد وزراء الخارجية المجتمعون في لوكسمبورغ اقتراحاً فرنسياً ألمانياً بفرض حظر السفر وتجميد الأصول، على الرغم من أنّه ما يزال يتعيّن الموافقة على القائمة النهائية، الخاصة بالمسؤولين المعاقبين؛ حيث قال مسؤولون أوروبيون، إنّ الأدلة على أنّ نافالني قد تسمّم بغاز نوفيتشوك، تشير إلى أنّ الهجوم قد تمّ تنفيذه، على الأرجح، من قبل جهات حكومية روسية، لكنّ التفكير في المصالح الاقتصادية، يجب أن يأخذ حيزاً من قرارات المسؤولين، وهو ما ألمح إليه وزير خارجية الاتّحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي خضع للحجر الصحي بسبب إصابته بفيروس كورونا، حين قال: "قرار الاتّحاد الأوروبي بفرض عقوبات على فعل محدّد، يجب ألّا يمنعنا ذلك من مناقشة موضوعات أخرى"، ويقصد هنا القضايا المعلقة مع روسيا، والتي تشغل أوروبا في الوقت الحالي.

لكن أكثر ما آثار حفيظة المحللين، كان سرعة اتخاذ الاتّحاد لقرار فرض العقوبات على روسيا، على العكس مما فعل ويفعل مع تركيا، التي تعبث لسنوات بكلّ بنود القانون الدولي، وتنتهك دولاً كاملة، وهو ما يعلّق عليه بدر قائلاً: "بالنسبة إلى موقف الاتّحاد الأوروبي من معاقبة تركيا، فهو ليس عاجزاً عن معاقبتها، لكنّ الأمور تدار بشكل سياسي، وليس بشكل التهديدات والتعامل الحادّ؛ فالهدف هو الضغط وليس الحظر، خاصة أنّه رغم الأصوات المعارضة لتركيا داخل الاتّحاد الأوروبي، لكنّها بوابة مهمّة بالنسبة إلى أوروبا نحو آسيا وبلاد البلقان والقوقاز، وتركيا معبر مهم للطاقة نحو أوروبا، ولا يمكن معاقبتها بالشكل الذي يؤدي إلى الإضرار بالمصالح الأوروبية، إنّما ما تفعله أوروبا معها هو التوبيخ والترويض للشرطي المتمرّد".

نافالني.. غطاء لحقيقة العقوبات 

رغم أنّ السبب الظاهر للجميع وجود عقوبات في إطار الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلّا أنّ الباحث في الدراسات الأمنية وشؤون الشرق الأوسط، بمركز "الأهرام" للدراسات السياسية والإستراتيجية، مصطفى كمال، يرى الأمر أكبر من ذلك، وأنّ نافالني يتمّ استخدامه من قِبل زعماء الاتحاد الأوروبي؛ لكونه يتزعم المعارضة الروسية، ويعدّ مناضلاً من أجل الديمقراطية؛ لذلك يعلو هذا الصوت، خاصةً في الدول التي ترعى الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنّ هذا ليس السبب الحقيقي للعقوبات، حيث تعدّ قضية نافالني أداة لهجوم آخر على روسيا، وفرض عقوبات صارمة جديدة، بهدف إيقاف مشروع "السيل الشمالي-2"، وإيقاف التدخل الروسي في بيلاروسا، ودعمها للرئيس ألكسندر لوكاشينكو. 

الباحث في مركز "الأهرام" مصطفى كمال لـ"حفريات": نافالني يتمّ استخدامه من قِبل زعماء الاتحاد الأوروبي؛ لكونه يتزعم المعارضة الروسية، ويعدّ مناضلاً من أجل الديمقراطية

وفي تصريح لـ "حفريات" يوضح كمال: "يهتمّ مشروع "السيل الشمالي-2" ببناء خطَّي أنابيب بطول 1220كم لنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا مباشرة، عبر بحر البلطيق دون المرور بأراضي دول الاتحاد الأوروبي (ترانزيت)، والمفترض أن يعمل العام القادم، بعد نجاح الخطّ الأول، الذي تمّ تشغيله عام 2011، وتعدّ قضية نافالني حلقة في صراع حروب الهيمنة بين أمريكا وروسيا، ومشروع "السيل الشمالي 2" يواجه اعتراضاً أمريكياً إلاّ أنّه يحصل أيضاً على دعم من دول أوروبية، على رأسها ألمانيا، وقد انشقّ الاتحاد الأوروبي إلى داعم ومعارض، حيث هناك اعتراضات من الدنمارك التي سنّت قانوناً لمنع مروره بمياهها في بحر البلطيق، لكنّ المشروع إذا تمّ ونجح فستكون روسيا قد عرقلت مشروع "نابكو"، وأنجزت مشروعاً يقوّي موقفها في العالم لسنين قادمة".

اقرأ أيضاً: هل تستغل روسيا الانتخابات الأمريكية وتفرض حلولها في سوريا؟

وماذا عن بيلاروسيا؟ يجيب كمال "هي حليف عسكري لموسكو، وعضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وتوجد منشآت عسكرية روسية على أراضيها، وإذا دعم الاتحاد الأوروبي البولنديين والبلطيقيين في نزوعهم إلى فصل مينسك عن موسكو، فإنّ روسيا ستعمل ضدّ ذلك، كما حدث في القرم".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية