لماذا يطالب الإسلاميون في الجزائر بتعديل قانون الانتخابات؟

لماذا يطالب الإسلاميون في الجزائر بتعديل قانون الانتخابات؟

لماذا يطالب الإسلاميون في الجزائر بتعديل قانون الانتخابات؟


26/02/2024

عاد قادة عدة أحزاب إسلامية جزائرية، وبشكل خاص تشكيلات الإخوان، للمطالبة بتعديل قانون الانتخابات على أهبة رئاسيات 2024 ومحليات 2026، فماذا تعني هذه المطالبة   قبل أهمّ موعد سياسي ستشهده الجزائر هذا العام؟

في تصريحات خاصة بـ (حفريات) يشير الباحث الجزائري د. محمد بغداد إلى أنّ الإسلاميين يطالبون بالتعديل لأنّهم "يرون قانون الانتخابات بشكله الحالي يخدم السلطة ومؤيديها دون غيرها".

ويضيف أنّ القراءة المتأنية للمشهد السياسي الكلي منذ الحراك الشعبي في 22 شباط (فبراير) 2019، وما أفرزه من تحولات، تعطي انطباعاً أنّ الكثير من المعطيات أغفلتها غالبية مكوّنات النُخب السياسية الحزبية التي أصيبت بحالة من الارتباك لما أحدثه الحراك، ولم تستوعب بطريقة واعية المخرجات التي نتجت عنه.

ويوضح د. بغداد: "عند الحديث عن خطاب النخب السياسية ذات التوجهات الإسلامية نجده يتميز خلال هذه المرحلة بمجموعة من المميزات لا تخطئها العين، وهي المميزات التي تكون من دواعي مجموعة من المطالب، مثل تعديل قانون الانتخابات وما ينتظر من مطالب قادمة سيتم الإعلان عنها من خلال تصريحات إعلامية، ومن هذه المميزات يحيل محدثنا إلى تعرّض النخب السياسية الحزبية ذات التوجهات الإسلامية منذ 2019 إلى مجموعة من الهزّات تكبّدت خلالها خسائر كبيرة، لم تقلّص فقط حجمها في التمثيل السياسي في المؤسسات المنتخبة، بل عرفت حالات من المنافسة من داخل التيار الإسلامي خاصةً التيار الإسلامي المحافظ غير المنظم مثل التيار الجديد الذي هو في طور التشكل، والمتمثل في الجيل الجديد من فئة الأئمة وبعض أتباع الزوايا، وهو التيار الذي تمكّن من فرض مستوى من المنافسة غير المتوقعة من طرف النخب السياسية الحزبية الإسلامية.

ارتباك إسلامي

يلاحظ د. بغداد أنّ الديناميكية التي تعرفها حركة السلطة والأجندة التي تشتغل عليها  أربكت كثيراً التيار الإسلامي، ممّا جعله غير قادر على فهم الخارطة القائمة، وظهر مرتبكاً في التعامل معها، كونه تعوّد على منهجية معينة في العمل السياسي التي أصبحت في المرحلة الجديدة غير مستوعبة لمنهجية مرحلة الجزائر الجديدة.

وممّا زاد من الأزمة حالة التشرذم والانقسامات العميقة وحالات التناسل والنزيف الداخلي الذي تعرفه النخب السياسية الإسلامية، وهو ما أثقل كاهلها وزاد من تخوفها من فقدان قدرتها على الإقناع الشعبي والتعبئة القادرة على حماية المكتسبات السابقة.

ويتقاطع د. بغداد مع طروحات الكثير من خبراء الشأن السياسي المحلي بشأن تكبّد النخب السياسية الإسلامية خسائر باهظة منذ 2019؛ نتيجة قرارات خاطئة ومرتجلة عندما اتجهت نحو فتح الانخراط أمام تيارات وفئات وشخصيات لا تمتلك أدنى مستويات الاقتناع بأفكارها رغبة منها في الحصول على تأييد شعبي من خلال هذا الانفتاح، إلا أنّ النتيجة كانت عكسية تماماً، ممّا جعلها تعيش حالات التناقض الداخلي، والتخبّط في الخطاب عبر فرض هذه الفئات الجديدة منطقها عليها، وهو ما ستكون خسائره فادحة في المستقبل.

وهناك عامل آخر ـ يقحمه د. بغداد ـ  زاد من حدة أزمة الإسلاميين، والمتمثل خاصة في عجز النخب السياسية الإسلامية عن امتلاك مهارات إدارة الصراع من خلال الوسائل الجديدة، وبالذات الثورة الاتصالية الافتراضية الجديدة، وهي المهارات التي استخدمها خصومها في منافستها حتى في معاقلها التقليدية، دون أن تظهر ملامح الانتباه لهذه الأدوات الجديدة، وهو ما جعل الكثير من قياداتها التاريخية التي تراهن عليها تفقد قدراتها الإقناعية وفعاليتها التعبوية. 

فصل المال والسياسة

منذ انتخابه ثامن رئيس للجزائر، إثر تنظيم سادس اقتراع رئاسي تعددي في 12 كانون الأول (ديسمبر) 2019، التزم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ببناء ما سمّاها "الجزائر الجديدة"، وافتتح ولايته بإطلاق تعهّدٍ نصّ على جعل "تعديل الدستور" أول ورشة في برنامج الإصلاح السياسي الشامل.

وتضمّن الدستور الخامس في تاريخ الجزائر، الذي حظي بتزكية واسعة يوم الأحد 1 تشرين الأول (أكتوبر) 2020، إقرار تعديل قانون الانتخابات الذي تضمّن نمطاً جديداً أتاح شفافية ونزاهة الاستحقاقات، من خلال دسترة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، و"أخلقة الحياة السياسية"، عبر منع المحاصصة في توزيع المقاعد وشراء الذمم والفصل بين المال والسياسة، كشروط لا بدّ منها لضمان ممارسة انتخابية معبّرة حقاً، ودون منازع، عن الإرادة الشعبية، على نحو أحدث قطيعة نهائية مع الممارسات السابقة.

وأتت تعديلات تبون، بعدما شهدت مرحلة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1937 ـ 2021)، جدلاً عارماً إثر تعديلات طالت قانون الانتخابات عام 2008، ورآها الإسلاميون "ضرباً للحريات السياسية وتهديداً للتعددية الحزبية"، وذهبت حركات (السلم) و(الإصلاح) و(النهضة) إلى حدّ تحذير دوائر القرار ممّا سمّوها "الانزلاقات الخطيرة والعواقب الوخيمة" التي ستفضي، مثلما قالوا، إلى "تعطيل المسار الديمقراطي"، جرّاء ما يعتبرونه   "تقليصاً للحريات السياسية واختزالاً للإرادة الشعبية في القوى الموالية".

ورفعت حركة (السلم)، أهمّ واجهات الإخوان، مطلب التجنّد ضدّ تمرير هذه التعديلات، بما أنّها اعتمدت، بمنظور قادتها، أثراً رجعياً، رغم أنّ المبدأ العام يأخذ بعدم رجعية القانون، وهو ما اعتبرته "اعتداءً على الديمقراطية"، و"عودة بالجزائر إلى زمن الأحادية".

تراكمات الخيبة 

تجرّع إسلاميو الجزائر خيبات عديدة في العقود الـ (3) الأخيرة التي شهدت تراجعات كبيرة لحَمَلة لواء المشروع الإسلامي، بحكم تكبدّهم هزائم بلغت مستوى الاكتفاء بـ 2% من أصوات الناخبين، ليؤكّد كل ذلك السقوط الحرّ لأطروحة الإسلام السياسي في الجزائر.

وتاريخياً، فشل الزعيم السابق لإخوان الجزائر، الراحل محفوظ نحناح، في الوصول إلى كرسي الرئاسة في انتخابات 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1995، ولم يكن حظّ الزعيم الآخر عبد الله جاب الله أفضل في رئاسيات 8 نيسان (أبريل) 2004، وعلى المنوال ذاته فشل كل من جهيد يونسي وعبد القادر بن قرينة توالياً في رئاسيات 9 نيسان (أبريل) 2009 و12 كانون الأول (ديسمبر) 2019.

وجاء ذلك بعدما شهدت انتخابات مجالس البلديات والمحافظات في 12 حزيران (يونيو) 1990 اكتساح الإسلاميين المتشددين تحت مظلّة الحزب المحظور (جبهة الإنقاذ)، وفازوا بالدور الأول لتشريعيات 26 كانون الأول (ديسمبر) 1991 "المُلغاة"، بيد أنّ جميع مشاركات الإسلاميين في المواعيد اللاحقة مُنيت بالفشل الذريع، وحفلت بالتراجعات منذ الانتخابات التشريعية في 5 حزيران (يونيو) 1997، وصولاً إلى محليات 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021. 

الدكتور محمد بغداد

في المحصلة، يجزم مغرّدون أنّ الإسلام السياسي في الجزائر فقد الكثير من بريقه، والأمر يشمل فصيل الإخوان الذي تخبّط كثيراً جرّاء عزفه تارة على وتر التحالف مع السلطة، وارتضائه التخندق مع المعارضين في أحايين أخرى، وتنسحب حالة الإخوان على تيارات الإسلام السياسي الأخرى الآخذة في التراجع. 

ويقول الخبير السياسي هيثم رباني: "الشعب الجزائري مسلم، وليس بحاجة إلى من يذكّره بأنّ مرتكزات إدارة الدولة تقوم على الإسلام، كما نصّ عليه بيان 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 1954 التأسيسي للدولة الجزائرية الحديثة".

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية