ينتسب المفكر المصري د. سيد القمني إلى طائفة من الباحثين في علوم الدين واجتماعيات الشريعة الإسلامية، ممن يفكرون خارج مناطق الصندوق التقليدي للفهم الديني، وهو ما جرّ عليه مصاعب حياتية قصوى جعلته في مرمى التكفير والتهديد بالقتل، كما فعلت في العام 2005 "جماعة الجهاد"، التي اتهمته بالخروج عن نواميس الشريعة، وبأنّه "مارق" و"ملحد" و"مرتد". لذا يمضي القمني أكثر وقته في منزله المحروس من قبل الشرطة، ولا يتحرك، خارجه، إلا نادراً مصحوباً بقوة أمنية.
القمني: قالوا إني غيرت ديني. وأنا والله لا غيّرت ولا بدّلت، الحب إيماني، والبشر في أي مكان أهلي
ولد القمني في 13 مارس (آذار) 1947 بمدينة الواسطي في محافظة بني سويف بمصر، ونشأ، كما يقول، في بيت كبير متيسر الحال وإلى الثراء أقرب، تضم الأسرة عدداً كبيراً من الأفراد وكثيراً من الخدم والضيوف بشكل يومي، مما جعلني رغم هذه الكثرة أشعر بالوحدة، لأنني لم أكن محل اهتمام مع مشاغل الجميع بهذا البيت المفتوح للجميع. الأب أزهري اشتغل بالتجارة وحقق نجاحاً وضعه في الصف الأمامي بالبلدة، وحقق تعويضه عن الأزهر بجلسات كبيرة في بيته للاستماع إلى القرآن الكريم وطرح التفاسير والاختلاف حولها، فكان البيت نادياً دينياً خاصة في شهر رمضان حيث يستمر السهر حتى الفجر. لذلك اصطبغت النشأة بالإسلام في بيت شديد التدين، لكنه أيضاً شديد التسامح لاعتناق الأب آراء الشيخ محمد عبده وفكره مع التزامه القوي بالإسلام وإثبات أزهريته بارتداء الزي المشيخي التقليدي. لكنّ الطفولة عموماً لم تكن سعيدة لملازمتي المرض مبكراً، ولوعي أصابني بما يمكن تسميته (الاكتئاب الوطني).
وراح القمني، منذ حصوله على الدكتوراة في تأريخ علم الاجتماع الديني، يبحث في مناطق إشكالية في التاريخ الإسلامي، وفي النصوص الدينية، أسفرت عن عدد من الكتب جرى مصادرة أغلبها من قبل الأزهر، وتعرض بسببها إلى المحاكمة باعتباره "مرتداً".
بيْد أنّ ذلك كله لم يمنع القمني الذي يعرّف عن نفسه بأنّه "من أتباع فكر المعتزلة"، من مواصلة دق جدران خزّان المسكوت عنه في الإسلامي، مواصلاً مسيرة مفكرين عرب وإسلاميين بعضهم قضى نحبه في هذه الطريق الوعرة.
وينشط القمني على مواقع التواصل الاجتماعي، فهو دائم التغريد على موقع "تويتر" الذي ينتقد من خلاله منتسبي التيار المتشدد أو ما يصفه بـ"الإرهابي"، فهو بحسب إحدى التغريدات لا يفرّق "بين أحدٍ من التيارات الإسلامية، لأنّ الأيديولوجية التي يعتمدون عليها واحدة، وهي (نحن الصواب والآخر كافر وباطل يجيب إزالته)".
في ردّه على شعار "الإسلام هو الحل" يتساءل د. سيد القمني: كيف يكون الإسلام هو الحل لتخلفنا المزري؟
وفي تغريدة أخرى يكتب: ثم قالوا إني غيرت ديني. وأنا والله لا غيّرت ولا بدّلت، الحب إيماني، والإنسان المصري أسمى اهتماماتي، والبشر في أي مكان، ومن أي دين هم أهلي وعشيرتي".
وغرد أيضاً "في الوقت الذي تصبح فيه أعظم نظريات العلم الحديث من الماضي باكتشاف جديد، فإنّ مشايخنا يرون أنّ فهمهم للإسلام صالح لكل مكان وزمان"، وبالتالي "لا شك أنّ الغربي المشغول بعلوم الزمن الآتي ليس لديه الوقت، وربما الرغبة، ليطلع على تراثنا ويعرف أنّ كراهيته فرض علينا"، مشدّداً في تغريدة أخرى على أنه "منذ أن دخل العلم الحديث بلادنا وتراجع دور الشيخ المهيمن على كل شؤون البشر، عرف الشيخ أنّ العلم هو ألد أعدائه".
اقرأ أيضاً: نصر حامد أبو زيد غرّد خارج السرب فأزهرت كلماته ومات غريباً
وفي ردّه على منتقديه، يقرّ القمني بأنّه لا يهاجم الشريعة الإسلامية "لأنّها عندي ليست محل هجوم، بل محل درس وفهم وتحليل، وأيضاً محل نقد إذا حاولوا استدعاءها اليوم". وهو في هذا السياق يرى أنّ للقرآن الكريم بعدين: الأول حقائق، تتعامل مع أحداث تاريخية حدثت في التاريخ الإسلامي مثل غزوة بدر ومعركة أحد وصراع اليهود مع المسلمين في يثرب، وغيرها من الأحداث. والثاني روحي وميثولوجي أسطوري لم يحدث بصورة عملية فيزيائية وإنما يمكن إعتباره رموزاً وليس حقائق تاريخية.
ودأب القمني، الذي منحته القاهرة جائزة الدولة التقديرية، وهو ما عرّض الحكومة المصرية لانتقادات الإسلاميين، على تفجير الجدل في مناطق تتصل بالدين والعقائد والتاريخ الإسلامي.
وفي ردّه على شعار "الإسلام هو الحل" الذي رفعته حركات إسلامية في مقدمها "الإخوان المسلمون" يتساءل صاحب كتاب "حروب دولة الرسول": كيف يكون الإسلام هو الحل لتخلفنا المزري وواقعنا المبكي وتفكيرنا المضحك؟ هل ثمة برنامج واضح للحل لدى أية فرقة ممن ينادون بالإسلام حلاً؟
ويرى أنّه ليس ثمة برنامج يتوافق مع زماننا على الإطلاق، اعتماداً على فكرة مبدئية هي أنّ الإسلام كيان كامل غير منقوص صالح لكل مكان وزمان. لكنه إذا كان من الممكن فهم صلاحيته الدائمة لترتيب شؤون المجتمع القيمية والأخلاقية وإقامة الأمة الصالحة وتكوين الفرد الشاكر التقي، فغير المفهوم هو كيف نرتب به شؤوناً لم تكن معلومة بالمطلق زمن الدعوة؟
القمني: يجري تقديم المرأة باعتبارها ناقصة دين في العبادة، وناقصة عقل عن الولاية، ورفيق الشيطان من فجر الخليقة
وتسببت آراء القمني بغضب شديد من كل حدب وصوب، لا سيما الجماعات الإرهابية، ومن بينها "جماعة الجهاد" في مصر التي أرسلت للقمني عام 2005 رسالة تهديد، قالت فيها:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده"
اعلم أيها الشقي الكفور المدعو سيد محمود القمني، أن خمسة من أخوة التوحيد وأسود الجهاد قد انتدبوا لقتلك، ونذروا لله تعالى أن يتقربوا إليه بالإطاحة برأسك، وعزموا أن يتطهروا من ذنوبهم بسفك دمك، وذلك امتثالاً لأمر جناب النبي الأعظم صلوات ربي وتسليماته عليه، إذ يقول "من بدل دينه فاقتلوه".
اقرأ أيضاً: سدنة الهيكل يغمدون سيفاً آخر في قلب فرج فودة
أيها الدعي الأحمق :
نحن لا نمزح.. صدق ذلك أو لا تصدقه، ولكننا لن نكرر تهديدنا مرة أخرى .
لن ينفعك إبلاغ المباحث بأمر هذا التهديد، فلن يفلحوا في حمايتك إلا بصورة وقتية، وبعدها سيتركونك فريسة لليوث الإسلام، هذا إن حموك أصلاً.
ولن تنفعك أي حراسة خاصة أو إجراءات أمن، فالحارس لن يمسك الرصاصة التي تنطلق من سيارة مسرعة أو سطح منزل مجاور، وإجراءات الأمان لن توقف انفجار القنبلة في سيارتك… أو أي وسيلة اغتيال أخرى.. فاعتبر بمن سبقوك ممن أرسلناهم إلى القبور مع أنهم كانوا أصعب منك منالاً، والسعيد من وعظ بغيره .
وإبراءً للذمة وإمعاناً في اقامة الحجة عليك، فإننا نمهلك أسبوعاً واحداً لتعلن توبتك وبراءتك من كل الكفريات التي كتبتها براءة صريحة لا مواربة فيها، وتنشر ذلك في مجلة "روز اليوسف" كما نشرت فيها كفرك .
فإن أصررت أيها الجاهل المغرور على ركوب مركب العناد، وأبيت إلا الاستمرار فيما أنت فيه من الردة والإلحاد، ووسوس لك الشيطان اللعين بأنك ستعجز أهل الجهاد، فاعلم حينئذ أنّ سيوف الموحدين ستنال منك المراد، وأنك ميت يمشي على قدميه بين العباد، فابحث لنفسك عن جحر، فإنّ المؤمنين لك بالمرصاد.
هذا بلاغ لكم، والبعث موعدنا، وعند ذي العرش يدري الناس ما الخبر
التوقيع
جماعة الجهاد
بيْد أنّ هذا التهديد لم يمنع القمني من مواصلة ما يعتبرة رسالة تنويرية من أجل إعمال العقل، والتفكير بمنأى عن الخرافات. والدفاع عن حقوق الإنسان في المجتمعات الإسلامية، وبخاصة حقوق النساء.
اقرأ أيضاً: محاكمة الأزهر للشيخ علي عبدالرازق.. كيف تمّت؟
وفي رده على سؤال أثناء حوار أجراه معه أشرف عبد الفتاح عبد القادر، عن حقوق المرأة في الإسلام، قال القمني: لدينا مشكلة مستعصية فيما يتعلق بوضع المرأة في الإسلام ووضعها الحقوقي اليوم، ففي التعاليم الدينية هي ناقصة دين في العبادة، وناقصة عقل عن الولاية، وهي نصف الذكر في الميراث وفي الشهادة، وهي رفيق الشيطان من فجر الخليقة، وهي فتنة تسير على قدمين، لذلك يجب تغطيتها لحجب شرها عن المجتمع. ومع ذلك مطلوب منها أن تعطي المجتمع حقوقه كاملة، وإلا وقع عليها عقاب هو في بعض الحالات أشد من العقوبة التي تقع على الرجل إزاء الفعل نفسه.