لماذا أعادت الإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق؟

الإمارات وسوريا

لماذا أعادت الإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق؟


30/12/2018

تشير عودة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى مرحلة عربية جديدة، قد تُمهّد لعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية. وتأتي خطوة الإمارات بعد نحو سبعة أعوام من قطع علاقاتها الديبلوماسيّة مع الحكومة السورية على خلفية الاحتجاجات التي قامت العام 2011 وقُمعت بالقوة من قبل النظام، أعقبها نشوب نزاع دموي في عموم المدن والبلدات السورية، قُتل وجُرح فيه ملايين السوريين، ونزح وهُجّر ما يُقارب نصف سكان سوريا.

اقرأ أيضاً: أول رد رسمي: الإمارات تعلن إعادة فتح سفارتها في دمشق
ومع أنّ عودة العمل في سفارة دولة الإمارات في دمشق ابتداءً من الخميس الماضي تأتي في سياق تطورات جيوسياسية غيّرت من التوازنات على الأرض السورية منذ مدة، فإنها تأتي أيضاً في ظلّ دعوات إماراتية متكررة منذ أعوام بضرورة تعميق الحضور العربي في سوريا بهدف منع التغولات الإيرانية والتركية في المسألة السورية، والحيلولة دون استفراد طهران وأنقرة في إعادة رسم المستقبل السياسي في سوريا. وقد أعلنت دولة الإمارات أمس عن نية وفود رسمية من الدولة زيارة إلى العاصمة السورية دمشق خلال الفترة القريبة المقبلة.
ويبدو أنّه بعد قراءة متأنية للتطورات في سوريا قررت الإمارات أنّ تحقيق تلك الأهداف، الآنفة الذكر، لا يتمّ باستمرار مقاطعة دمشق؛ خصوصاً أنّ هذه المقاطعة أثّرتْ بشكل سلبي، في الأعوام الأخيرة، على المصالح العربية، ودفعتْ مسار التطورات الميدانية لصالح التدخل الخارجي في سوريا، وعلى حساب مصالح السوريين ومصالح الدول العربية.

عودة العمل في سفارة دولة الإمارات في دمشق ابتداءً من الخميس الماضي
وبرغم صعوبة ومأساوية ما شهدته سوريا في الأعوام الثمانية الماضية، فإنّ الإمارات جنحت إلى الواقعية السياسية بـ "إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي، بما يعزز ويفعّل الدور العربي في دعم استقلال وسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية، ودرء مخاطر التدخلات الإقليمية في الشأن العربي السوري"، حسب ما جاء في بيان الخارجية الإماراتية، التي أعربت كذلك عن تطلعها لأن "يسود السلام والأمن والاستقرار في ربوع الجمهورية العربية السورية".

اقرأ أيضاً: الإمارات تستضيف مؤتمراً للمصالحة الأفغانية.. والنتائج إيجابية
ويبدو أنّ الدبلوماسية الإماراتية تستشرف بقرارها هذا أنّ المنطقة تمر بإعادة ترتيبات إستراتيجية تتطلب تفعيل العمل الدبلوماسي العربي، وأنه ليس من الحكمة والواقعية السياسية أن تكون إحدى الاستجابات لتلك الترتيبات الغياب العربي عن عاصمة عربية أساسية، وتكرار سيناريو عراق ما بعد صدام حسين.
سياسة إماراتية تتسم بالاعتدال

عودة العمل في سفارة الإمارات بدمشق تأتي في سياق تطورات جيوسياسية غيّرت من التوازنات على الأرض السورية

وفي إطار المراجعة الإماراتية لموقفها من الملف السوري، فإنّ مواقف أبوظبي وسياساتها اتسمت في الأعوام الماضية بـ"الاعتدال" تجاه الأزمة السورية، فهي:
أولاً، لم تدعم أيّاً من الجماعات المتشددة أو الجهادية أو القريبة من "القاعدة" و"داعش" و"الإخوان المسلمين".
ثانياً، أنّ الإمارات ومنذ سبعة أعوام وهي تدعو إلى حلّ سوري-سوري، وحل عربي للنزاع بين الحكومة والمعارضة، حتى لا يتكرر في سوريا ما جرى في العراق بعد 2003؛ حيث صبّ الغياب العربي عن بلاد الرافدين في مصلحة طهران ومليشياتها ووكلائها.
ثالثاً، أنّ الإمارات أكدت في مرات عديدة، على لسان أرفع مسؤوليها، أنّ العالم العربي لن يُقاد بواسطة طهران أو أنقرة، ومن هنا فإنّ خطوة إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق تأتي في إطار مساعي الإمارات "لتفعيل الدور العربي لمواجهة التغوّل الإيراني- التركي"، كما قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش.

رابعاً، أنّ أحد أهم مرتكزات الموقف الإماراتي منذ اندلاع الأزمة السورية كان يقوم على أهمية وحدة الأراضي السورية، وعلى قاعدة أنّ تفكك مؤسسات الدولة السورية دون بديل أفضل يحلّ محلها بتوافق سوري إنما سيؤدي إلى الفوضى وانتشار الجماعات الإرهابية والمليشيات، ما سيجعل الحراك السوري نهباً للتدخلات الخارجية، وبما سيفضي إلى وضع أسوأ مما كان عليه الحال قبل العام 2011.

اقرأ أيضاً: هكذا هزمت السعودية والإمارات المشروع الطائفي في اليمن
خامساً، مع انتشار الجماعات المتشددة والإرهابية في سوريا، اتجهت المقاربة الإماراتية منذ نحو أربعة أعوام إلى أنّ "حل الأزمة السورية هو مفتاح رئيسي لنجاح الحرب على الإرهاب"، وقد جاء تأييد الإمارات في سنوات الحرب الأولى للمعارضة السورية المعتدلة في إطار تقليص الفرص أمام الجماعات الجهادية الداعية لإسقاط النظام وتفكيك الدولة السورية واستلام الحكم في دولة مركزية في المشرق العربي.
وتزامنت خطوة عودة العمل في سفارة دولة الإمارات بدمشق مع مؤشرات لمساعٍ جارية لإعادة تفعيل العلاقات بين سوريا وبعض الدول العربية، قبل ثلاثة أشهر من قمة عربية تعقد في تونس، علماً بأنّ جامعة الدول العربية علّقت عضوية سوريا فيها منذ العام 2011.
وطلبت دول مجلس التعاون الخليجي، ومنها الإمارات، في فبراير (شباط) العام 2012 من سفرائها مغادرة دمشق، متهمة حكومتها بارتكاب "مجزرة جماعية ضد الشعب الأعزل"، في إشارة إلى قمع الاحتجاجات الشعبية بالقوة.
معنى فتح الاتصال مع دمشق
ونقلت قناة "العربية" عن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، قوله إنّ "قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية يحتاج إلى توافق عربي". وأشار قرقاش إلى أنّ الجميع مقتنع بأنه لا بد من مسار سياسي لحل الأزمة السورية. وأوضح أنّ فتح الاتصال مع دمشق لن يترك الساحة مفتوحة للتدخلات الإيرانية.

ظلّت دعوات إماراتية متكررة منذ أعوام بضرورة تعميق الحضور العربي في سوريا بهدف منع التغولات الإيرانية والتركية في المسألة السورية

وقال القائم بأعمال السفير الإماراتي في سوريا، عبدالحكيم النعيمي: "إن سوريا ستعود بقوة إلى الوطن العربي". وزاد أنّ "افتتاح سفارتنا اليوم مقدمة لعودة سفارات عربية أخرى".
وقال ديبلوماسي عربي، طلب عدم ذكر اسمه لوكالة "رويترز" للأنباء الأسبوع الماضي، إنّه يعتقد أنّ الغالبية تريد إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة، مشيراً إلى أنه لا يتوقع معارضة إلّا من ثلاث أو أربع دول. وإثر انتهاء مراسم إعادة فتح السفارة، صرح السفير العراقي في سوريا، سعد محمد رضا، للصحافيين: "هذه دعوة لكل العرب للعودة إلى دمشق الحبيبة"، كما ذكرت صحيفة "النهار" اللبنانية.
وأوضح الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، في مؤتمر صحافي في القاهرة الإثنين الماضي أنه "لا يوجد توافق عربي حول مسألة إعادة النظر في شأن قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية".
وكان رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، علي المملوك، قد أجرى في نهاية الأسبوع الماضي محادثات في العاصمة المصرية، خلال زيارة نادرة لمسؤول أمني بارز لمصر منذ بدء النزاع.  وبعد انقطاع لنحو ثمانية أعوام، تم الخميس الماضي تسيير رحلة سياحية أولى من سوريا إلى تونس على طائرة تابعة لشركة "أجنحة الشام" الخاصة تنقل نحو 160 شخصاً، في إطار احتفالات العام الجديد (2019). وكان الرئيس السوداني، عمر البشير، قام قبل مؤخراً بزيارة سوريا والتقى نظيره السوري، بشار الأسد، في خطوة اعتبرت تمهيداً لمرحلة جديدة باتجاه إنهاء المقاطعة العربية لدمشق، واعترافاً بأنّ الحرب السورية تنتهي باستمرار الأسد في الحكم.

 العالم العربي لن يُقاد بواسطة طهران أو أنقرة

"الغارديان": خطوة لإبعاد الأسد عن دائرة نفوذ طهران

وكانت صحيفة "الغارديان" البريطانية قد نشرت تقريراً في السادس والعشرين من الشهر الجاري أكّدت فيه أنه "بالنسبة للسعودية والإمارات، فإن إعادة سوريا إلى الجامعة العربية تعد إستراتيجية جديدة تهدف إلى إبعاد الرئيس بشار الأسد عن دائرة نفوذ طهران"، وأنّ هذه الإستراتيجية تعززها وعود خليجية بإقامة علاقات تجارية طبيعية، وضخ أموال لإعادة إعمار سوريا، والتي تبلغ وفق تقديرات سورية وأخرى خارجية بنحو 400 مليار دولار.

منذ 7 أعوام والإمارات تدعو إلى حلّ سوري-سوري، وحل عربي للنزاع حتى لا يتكرر بسوريا ما جرى بالعراق بعد 2003

ونقلت الصحيفة البريطانية عن مصادر دبلوماسية قولها إنّ "هناك توافقاً متنامياً بين دول الجامعة الـ22، مفادها بأنه يجب إعادة سوريا إلى تحالف الدول العربية بعد فشل خطوة الإبعاد في وقف الحرب الأهلية".
من جانبها، ذكرت صحيفة "العرب" اللندنية، أمس، أنّ إقدام الدول العربية على إعادة التواصل مع دمشق يأتي في ظل تغيّر موازين القوى بشكل كامل لصالح بشار الأسد، فضلاً عن أنّ هناك خشية واضحة من أن يؤدي الانسحاب الأمريكي من سوريا ومن مناطق شرق سوريا إلى قيام إيران وتركيا بملئه، وهذا لن يهدد فقط وحدة سوريا بل وكامل المنطقة.
وأضافت الصحيفة: سبق وأن انتقدت الإمارات خلال الأعوام الماضية غياب الدور العربي في سوريا، والذي يخدم قوى إقليمية مناهضة تسعى إلى وضع يدها على هذا البلد.
من ناحيته، ثمّن نائب رئيس هيئة التفاوض السورية السابق خالد المحاميد، في تصريحات لصحيفة "البيان" الإماراتية أمس، عودة العمل بسفارة دولة الإمارات في دمشق، متوقعاً، في السياق ذاته، أن تعيد الدول العربية علاقاتها مع دمشق. وأردف المعارض السوري قائلاً: "باعتقادي هناك مبادرة من الدول العربية المؤثرة في الملف السوري لإيجاد الحل السياسي، ذلك أنّ إغلاق السفارات وتجميد عضوية سوريا كان قد قوّض الدور العربي، وأتاح لدول إقليمية أن تفرض أجندتها على الملف السوري".

الصفحة الرئيسية