لبنان المصفح بالطائفية

لبنان المصفح بالطائفية


07/03/2021

خرج اللبنانيون مجدداً إلى الشوارع، وهتفوا ضد طغمة الفساد وزعماء الأحزاب والطوائف، وقطعوا الطرقات، وأحرقوا الإطارات احتجاجاً على انهيار العملة الوطنية، بعدما وصل سعر الدولار إلى أكثر من عشرة آلاف ليرة، بما يذكّر بانتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 عندما خرج آلاف اللبنانيين إلى كل الشوارع والساحات يهتفون ضد الطغمة الحاكمة التي سرقت البلد، ويطالبون بمحاسبتها، ثم تم إجهاضها بعدما تسللت إليها الأحزاب الطائفية التي تشارك في منظومة الفساد.

الحقيقة أن لبنان بات رهينة بيد أهل السلطة وأرباب الطوائف، وهؤلاء يُدركون أن كل هذه الانتفاضات والهبّات والتحركات الشعبية، هي مجرد فورة غضب آنية ثم تهمد، ولن تستطيع تحقيق أي من الأهداف التي تطالب بها: لا تحقيق في الفساد، ولا محاسبة فاسدين، ولا اعتقال لصوص المال العام، ولا تغيير النظام، ولا الكشف عن جريمة كبرى مثل انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/ آب الماضي، الذي أودى بحياة المئات ودمر آلاف المنازل، ولا الوصول إلى مرتكب عملية اغتيال.

هؤلاء يُدركون تماماً أنهم أقوى من الجميع، وأن سطوتهم تُلجم أي محاولة تغيير جدية، وأن بمقدورهم سحب البساط من تحت أقدام أي تحرك جماهيري؛ بل وتحجيمه وتشويهه؛ ذلك أن كل مفاصل السلطة والقوة رهن أيديهم، ثم إنهم يمسكون بخيوط طائفية متينة مشدودة على رقاب المواطنين، يمكنهم من خلالها تقييد أي حركة يشعرون بأنها تهدد مصالحهم ونفوذهم.

هؤلاء أنفسهم يتصارعون على السلطة، لكن صراعهم محكوم بسقف طائفي لإيهام الناس أنه صراع من أجلهم، ومن أجل حماية حقوقهم؛ لذا لا نستغرب أن يكون لبنان بلا حكومة منذ أشهر، وقد كان من قبل بلا رئيس لعدة أشهر. 

اللبنانيون إذا جاعوا، أو نهبت أموالهم، أو سرقت مدخراتهم، أو تعرضوا للكوارث باتوا أسرى طغمة من أرباب السياسة الذين حوّلوا الطائفية والمذهبية إلى سلاح يحمون به أنفسهم، ولا بأس أن يتركوا الناس الجياع ينزلون إلى الشوارع يهتفون ويشتمون ويحرقون الإطارات للتنفيس عن غضبهم، طالما أن أحداً لن يستمع إلى صراخهم أو يشعر بمأساتهم.

مأساة لبنان تكمن هنا، في هذا النظام الطائفي البليد، الذي يعطي حفنة من السياسيين وقادة الطوائف، القدرة على التحكم في مصير الشعب اللبناني، واللعب بمقدرات البلاد والتصرف في حقوق الناس، والعبث بالمال العام، وافتعال الأزمات السياسية، وممارسة الكيدية، وإثارة النعرات الطائفية كلما ارتفع صوت يطالب بالإصلاح أو التغيير.والأنكى والأخطر أن هذه الطغمة مرتهنة للخارج وتنفذ أجندات لا علاقة لها بمصلحة الوطن.

بدلاً من أن يكون هذا التنوع الطائفي والديني مصدر غنى، تعبيراً عن تمازج حضاري وإنساني وأخلاقي، وعنصر إلفة وتسامح وتوحد في مشرقنا العربي، تم تحويله إلى عنصر تفرقة وتباعد وصراعات مفتوحة، على أيدي هذه الطغمة نفسها.

اللبنانيون أمام حائط مصفح من الطائفية، تشكل صلب نظامه العفن الذي يحتاج إلى عملية استئصال من الجذور كي يتمكن من عودة الحياة إليه، ويعود هو واحة الشرق.

عن "الخليج" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية