لا تمُت إخوانياً

لا تمُت إخوانياً

لا تمُت إخوانياً


24/09/2024

بهذا العنوان المثير، كتب الإخواني السعودي المنشق خالد السبيعي خطاباً توعوياً في العام 2015، محذراً الشباب الموشك على الانضمام لتنظيم الإخوان المسلمين، أو من أصبح من ضمن كوادرهم التنظيمية من مغبة الاستمرار بالانقياد لفكر هذه الجماعة السياسية التي تغلّف نشاطاتها بغلاف ديني بَرّاق ومزركش، للوصول إلى المناصب والمراكز المهمة بالدولة، وللتحكم بمفاصل الحياة العامة للناس تمهيداً لإقامة دولة خلافة إخوانية، وزعيم مستبد من تنظيمهم.

وتعود قصة السبيعي مع الإخوان إلى أيامه الأولى في دراسة الجيولوجيا في جامعة البترول والمعادن في الظهران بالمملكة العربية السعودية في بداية الثمانينيات، وتوثق دهشته كشاب مسلم معتدل لأول مرة يرى رجال دين (مطاوعة كما يُسمون بالسعودية) يدعونه لحفلات ضمن مخيمات كشفية وجوالة، وجلسات سمر، وأناشيد، وألعاب ترفيهية ومسابقات، ورحلات مجانية، وأمسيات تسودها أجواء من حفلات الشواء والمشروبات، والأكل المجاني.

وثّق السبيعي دهشته كشاب مسلم معتدل وهو يرى لأول مرة رجال دين يدعونه لحفلات كشفية وجلسات سمر

ولكن الأيام والسنوات الدراسية التالية، أماطت اللثام عن تنظيم سري كان يستخدم هذه المغريات لجذب الشباب الذين يقع عليهم الاختيار إلى سلسلة من المراحل، والنشاطات، والقراءات والمناقشات التي تفضي لجذب، واستقطاب هذا العضو الجديد لتنظيم سري، ألا وهو "الإخوان المسلمون".

وبعد أن اصطادته خيوط العنكبوت المغرية هذه، وأصبح مكبّلاً بسلاسل لا فكاك منها، تفتّحت عينا السبيعي خلف الكواليس على عوالم، وأفكار، واكتشف أسراراً كثيرة جعلت فرائصه ترتعد خوفاً على وطنه مما يحاك له، ومن أخطر ما توصل إليه، أنّ هناك تحريضاً دائماً، وتثقيفاً مستمراً، داخل جماعة الإخوان المسلمين ضد الدولة العربية بشكل عام، ونظامها السياسي، بل وتنفير، واستهتار، ورفض لأي نشاط أو قرارات تتخذها تلك الدول، حتى لو كانت تصبّ في مصلحة الشعب والوطن والمواطن.

أماطت الأيام التالية اللثام عن تنظيم سري للإخوان بالسعودية كان يستخدم المغريات لجذب الشباب

وخلُص السبيعي إلى أن هذه السياسة التثقيفية المتواصلة لأعضاء تنظيم الإخوان المسلمين في بلاده، قادت إلى ظهور تيار تكفيري متزمّت في تسعينيات القرن العشرين يطالب باستخدام العنف، والإرهاب للسيطرة على المسجد، والتربية والتعليم وكل مفاصل الحياة والمجتمع.

وقبل أن يترك الجماعة في العام 1999، تدرّج  السبيعي في المناصب الإخوانية خلال 13 عاماً وصولاً إلى مواقع قيادية في التنظيم الإخواني في بلاده. وحصيلة خبرته الطويلة هذه، أوردها في مقابلات تلفزيونية قال فيها واصفاً خصائص عضو تنظيم الإخوان المسلمين، الذي يختارونه على التفضيل من طلاب الجامعات؛ لأنّهم سيكونون قادة المجتمع بعد التخرج. ولكن يريدون منهم بعد الانضمام، أن يعطلوا تفكيرهم، ويكونوا "إمّعات"، وأشخاصاً ينفذون أوامر من غير نقاش، أو تذمّر، أو تساؤل.

اقرأ أيضاً: ماذا خسر العرب بظهور الإخوان المسلمين؟

ثم يكشف خالد السبيعي عن نزعة الغدر في تاريخ الإخوان المسلمين؛ حيث يقول إنّهم لجأوا مذعورين من مصر الناصرية، ومن سوريا البعثية إلى المملكة العربية السعودية؛ حيث أحسن استقبالهم الملك فيصل بن عبدالعزيز، وأكرمهم، وسمح لهم بالعمل والسكن في المملكة، ولكن الإخوان لم يقابلوا الإحسان بالإحسان، وبدأوا بعد وصولهم بالسعي للسيطرة على التعليم والمساجد والدعوة، وعملوا على غرس أفكار سيد قطب من تكفير للمجتمع، وأشاعوا أنّ العرب حديثاً أمسوا أمة جاهلية غير مسلمة، وأنّ على الشباب تغيير هذه المجتمعات بالقوة، والعنف، وإجبارها على اعتناق الفكر الإخواني المتشدد، وكذلك رفض حركات النهضة، والتجديد، والتطوير التي سادت الدول العربية في العصر الحديث.

خَلُصَ السبيعي إلى أنّ السياسة التثقيفية المتواصلة لأعضاء الإخوان في بلاده قادت لظهور تيار تكفيري متزمّت

ويصل السبيعي إلى أنّ سبب ظهور ما يعرف بالصحوة الإسلامية في منتصف السبعينيات، وعقد الثمانينيات وصعود نموذج إسلامي متزمّت لا يطيق أي اقتباس حضاري، أو إنساني من الآخر، كان بوحي من زعماء الإخوان الذين أطلق الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات سراحهم في تلك الفترة، وأنّ هذه الصحوة كانت حركة سياسية تشبه حركة الخميني في إيران، وأنّها كانت تركّز على مواضيع تثير مشاعر المجتمع مثل سلوك المرأة، وإطلاق اللحية، والغناء والموسيقى، والحجاب، ومشروعية زيارة القبور.

ويستطرد السبيعي قائلاً؛ إنّ التنظيم الدولي للإخوان في تلك الفترة التي شهدت فورة أسعار النفط، كان ينظر للإخوان المسلمين الخليجيين على أنّهم أنبوب من المال المتدفق، الذي يغذّي كل نشاطات، وعمليات التنظيم حول العالم، ويقول أنّ كل عضو كان ملزماً بدفع 15% من دخله لحساب حركة الإخوان المسلمين، ومن يتذمر أو يتأخر عن دفع مساهماته المالية، يتعرض للتقريع، والإحراج، والتأنيب، وإن لم يمتثل يتعرض للعقوبة.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون ونصيحة الألباني

ويورد خالد السبيعي معلومة خطيرة في حديثه التلفزيوني؛ ومفادها أنّه كان للإخوان المسلمين بالسعودية في نهاية القرن العشرين مرشد عام، هو رجل الدين المصري منّاع القطّان، وأنّ هذا الأخير اختلف مع أخ مسلم آخر وهو السوري محمد سرور زين العابدين، الذي انشق عن حركة الإخوان المسلمين، وأسّس المذهب السروري أو الحركة السرورية.

الإخوان لم يقابلوا الإحسان بالإحسان وبدأوا بعد وصولهم للخليج بالسعي للسيطرة والتحريض ضد الدولة

يصف السبيعي محمد سرور بأنه لبس زوراً عباءة السلفية ولكن أبقى تحتها ربطة سيد قطب، وأنّ أعضاء كلا التنظيمين الإخوانيين كانوا يتمتعون بالخيرات، والأمن الذي وفّرته لهم المملكة العربية السعودية، ولكنهم كانوا يحرّضون على الدولة في اجتماعاتهم السرية والتنظيمية.

تعد شهادة السبيعي، وهو العضو السابق في تنظيم الإخوان السري بالسعودية، في غاية الأهمية في تسليط الضوء على الجانب الموحش من هذا التنظيم الذي خدع الكثيرين بشعاراته البراقة، والآليات المتبعة في استمالة، واستقطاب أعضائه الجدد، وأساليب إيصال الأتباع للمناصب العامة، وكذلك كيفية إدارة قنوات تدفق الأموال، من العقارات التي كان يوقفها أصحابها لدعم التنظيم، أو من جيوب أعضائه في الدول الخليجية إلى ميادين الإنفاق على نشاطات التنظيم السري حول العالم.

 

 

الصفحة الرئيسية