كيف شحنت حركة النهضة الإخوانية العشرية السوداء بالكراهية والتمييز ضد الأديان؟

كيف شحنت حركة النهضة الإخوانية العشرية السوداء بالكراهية والتمييز ضد الأديان؟

كيف شحنت حركة النهضة الإخوانية العشرية السوداء بالكراهية والتمييز ضد الأديان؟


24/05/2023

لم يكد التونسيون يتحررون فترة طويلة نسبياً من نيّر الإرهاب وعصاه الدامية تخيلوا فيها أنّ تلك الصفحة المظلمة قد طويت حتى تفاجؤوا بعملية جربة التي جدت ليل الثلاثاء 9 مايو (أيار) 2023 في محيط معبد الغريبة مخلفة خمس ضحايا.

وعلى خلفية ذلك استقبل الرئيس التونسي يوم الأربعاء 17 أيار (مايو) 2023 بقصر قرطاج، الشيخ هشام بن محمود، مفتي الجمهورية التونسية، وحاييم بيتان، كبير أحبار اليهود بتونس، وإيلاريو أنطونيازي، كبير أساقفة الكنيسة الكاثوليكية بتونس في حركة رمزية رافضة لاستهداف الأديان في تونس.

وقال سعيد خلال حواره بممثلي الأديان: "هذا اللقاء أعتبره من بين أهم اللقاءات التاريخية التي تبرز التسامح والتعايش الثابتين في تونس منذ قرون".

وأضاف سعيد قائلاً: "التقيت بكم اليوم للحديث عن هذه الحادثة الاجرامية التي جدت في الأيام القليلة الماضية بجزيرة جربة وتم القضاء على مرتكبها في ظرف قياسي من طرف قوات الأمن قبل أن يصل إلى معبد الغريبة، وفي الأثناء سقط ضحايا أبرياء".

وباستثناء تفجير الغريبة في 2002 الذي أودى بحياة 21 شخصاً من بينهم 14 سائحاً أجنبياً، فإن المجتمع التونسي كان منسجماً في ظل تعايش فرضه التنوع الذي فرضته عوامل تاريخية وثقافية ودينية واقتصادية وسياسية خلال قرون طويلة. إلا أنّ مسألة كراهية الأديان ورفع شعارات ضدها قد برز إلى السطح بداية من العام 2011 لما تفاجأ التونسيون بشعارات في الشارع تنادي بتصفية اليهود. إذ خرجت جحافل الإخوان معززة بالسلفيين وأنصار حزب التحرير إلى الشوارع حينها مطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية وتضمينها في الدستور التونسي مصدراً للتشريع في الدستور الجديد للبلاد. حينها سمع التونسيون شعار "خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود" يتردد في شوارع تونس.

لما استولت النهضة على الحكم بعد انتخابات 2011 احتد الجدل حول مسائل حسب التونسيون أنها قد حسمت منذ دستور 1959

ولما استولت حركة النهضة على الحكم بعد انتخابات 2011 احتد الجدل حول مسائل حسب التونسيون أنها قد حسمت منذ دستور 1959، وبرز الموقف من غير المسلمين إلى السطح أيضاً، وانتشرت ظاهرة الكراهية ضد الأديان كما برزت الطائفية برفض التصوف والاعتداء على مقامات الأولياء وإحراق العديد منها.

وقد استغلت حركة النهضة هذه التظاهرات لتمرير مشروعها السياسي، واعتمدت في ذلك ضغط الشارع الذي أججته وتسامحت مع التظاهرات المنادية بالكراهية ضد الآخر الديني لتدعم به توجهها وتدّعي به مشروعية مطلبها في تضمين الشريعة في الدستور.

ولم تكتف حركة النهضة في مستوى قياداتها بالمساندة بالصمت على تلك التظاهرات واستغلالها سياسياً فحسب؛ بل إن قياداتها من الصف الأول كانوا يقودون المظاهرات ويلقون المداخلات، مثل ما حصل بتاريخ 16 مارس أذار نقلاً عن موقع "نواة" التونسي الذي يذكر أن عدداً كبيراً من المواطنين والمواطنات قد احتشدوا أمام المجلس التأسيسي بباردو يوم الجمعة 16 أذار (مارس) 2012 قادمين من مختلف محافظات البلاد ضمن تظاهرة ما سُمّي وقتها "جمعة نصرة الشريعة الإسلامية" التي دعت لها جمعيات وأحزاب إسلامية.

وقد حضر هذه التظاهرة عضوان عن حركة النهضة وهما؛ الصحبي عتيق المودع بالسجن حالياً والحبيب اللوز الذي أوقف منذ أيام وتم الإبقاء عليه في حالة سراح لحالته الصحية، وقد ألقى كل منهما مداخلة "أكدا من خلالها على أنّ المواطنين المشاركين ورغم اختلافاتهم وسواء كانوا نهضة أو تحرير أو سلفيين فإن ما يوحدهم في نهاية المطاف هو "نصرة الدين الاسلامي وشريعته".

وقد رفعت خلال المظاهرة شعارات عديدة من بينها "الشعب يريد خلافة إسلامية" و"الشعب يريد تطبيق الشريعة" وشعار "خيبر خيبر يا يهود جيش نحمد سوف يعود" في استعادة واضحة لوقائع تاريخية تُخرج من سياقها وتُستدعى بعد 14 قرناً أو أكثر للتجييش ضد الأديان، وهو شعار لم يرفع إلا بعد الثورة.

والملاحظ من خلال المثال السابق أن استراتيجية حركة النهضة كانت حشد أتباعها وأتباع بقية الأحزاب والتنظيمات المشابهة لها أو القريبة منها أيديولوجياً للضغط على المجلس التأسيسي الذي سيطرت فيه على أغلبية المقاعد ووضعت يدها على السلطات الثلاث بإحكام كي يبدوَ للعامة أنّ تضمين الشريعة في الدستور هو مطلب شعبي واسع وأنّ اعتماد الشريعة مصدراً للتشريع لم يكن سوى استجابة لرغبة شعبية ملحة، والحال أنّ كل ذلك تم بتنظيمها ودعمها بما أنّ مصاريف التنقل من الجهات عادة ما يكون على نفقتها باعتماد تمويلات ضخمة وحملات إشهارية ودعائية عبر الإعلام مكتوباً ومرئياً ومسموعاً تنفق فيها ملايين الدولارات سيتضح في ما بعد أنها أموال مشبوهة، وكثير من القضايا منشورة أمام المحاكم بسبب تبييض الأموال وغيرها من الجرائم المالية التي تورطت فيها حركة النهضة.

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 اعتقلت قوات الأمن التونسية أربعة أشخاص كانوا يخططون لخطف يهود بمدينة جرجيس القريبة من جزيرة جربة التي يقع فيها معبد الغريبة اليهودي جنوب شرق تونس والمطالبة بفدية. ورفعت شعارات عديدة معادية لليهود التونسيين.

وبالتالي فإنّ حملة التجييش التي مارستها حركة النهضة الإخوانية مستعينة بمجموعات متشددة قد أعاد التونسيين إلى أسئلة بديهية وجعل منها قضايا مصيرية في فترة حكم الترويكا وانقسم الشارع التونسي وانتشرت ظاهرة التكفير والهرسلة الإلكترونية التي تمارسها الحركة عبر مئات الحسابات الإلكترونية ضد كل المخالفين بمن فيهم المخالفون في الديانة. وقد أدى ذاك الجو المشحون إلى تحول الشعارات والخطابات إلى ممارسة فعلية عبر اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. ومازالت هذه الصفحات والحسابات المشبوهة ترمي المعارضين بالكفر والإلحاد وتتهجم على الموتى وتسحل كثيرين منهم إلكترونياً كلما توفي مخالف لها في الرأي والتوجه الأيديولوجي. وأبرز دليل على ذلك أن أبو يعرب المرزوقي، الذي يعدّ واحداً من أبرز مفكريهم وقد سبق أن كان نائباً من نوابهم في البرلمان ثم مستشاراً في حكومتهم، يرمي الرئيس الحالي بالتشيع بوصفه مؤامرة بالتنسيق مع إيران، في نبرة طائفية لم تطفُ على السطح إلا في زمن حكم النهضة وإمساكها بكل مفاصل الدولة وسلطاتها الثلاث.

مواضيع ذات صلة:

جدل العلاقة بين حركة النهضة الإخوانية وجبهة الخلاص في تونس

هل تكون جبهة الخلاص بوابة تنازلات النهضة لاسترضاء قيس سعيد؟

تونس... هل ينجح البرلمان الجديد في ما فشل فيه برلمان الإخوان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية