كرة القدم.. هل هي ديانة القرن الواحد والعشرين؟

كرة القدم.. هل هي ديانة القرن الواحد والعشرين؟


كاتب ومترجم جزائري
04/11/2018

ترجمة وإعداد: مدني قصري


أصل الألعاب أسطوريّ؛ حيث كانت الألعاب الأولمبية تقام في مكان مقدّس؛ (غابات ألتيس (Altis)، موقع معبد زيوس)، وفي فترة مقدّسة، كانت هذه الألعاب تقام كلّ أربعة أعوام، وأخذت هذه الفترة اسم "الأولمبياد"، واستعمِلت كنظام تقويم (روزنامة)، والزمن لم يكن يحسَب بالأعوام، لكن بالألعاب الأولمبية، وبمناسبة الألعاب كانت تُعقد الهدنة المقدّسة، تكريماً للآلهة؛ (زيوس، أولمبيا ونيما، وأبولو لألعاب دلفيك، وبوسيدون، إله البحر، للألعاب الاستثمانية)، وبمناسبة الألعاب كانت تقدَّم الأضحيات (هيكاتومب)، وكان الرياضيون يُعدَّون آلهة شيطانية (اعتقد الإغريق أنّ الآلهة هم الذين يقرّرون منح النصر للرياضي). 

طقوس متشابهة

في الدين، كما في الرياضة؛ هناك مفهوم الطقوس، كلاهما منظَّم بشكل مماثل، الرياضات تتمّ استعارتها، أحياناً، من الرموز والإيماءات من مختلف الأديان؛ فقد استوحى بيير دي كوبرتان، بشدة، من الديانات اليونانية لإقامة الألعاب الأولمبية، علاوة على ذلك؛ فإننا -في غالب الأحيان- نقارن الألعاب الأولمبية، من حيث طقوسها، بقدّاس عظيم، هناك مستوى رسمي؛ حيث توجد أوجه تشابه مع العالم الديني.

بعض الرياضيين يركعون، أو يرسمون إشارة الصليب

حركة الركوع في الملاعب

بعض الرياضيين يركعون، أو يرسمون إشارة الصليب، وهي ظاهرة حديثة نسبياً في المجالات الرياضية، مع أنّهم يعلمون جيداً أنّ آلاف، وحتى ملايين الناس سيشاهدونهم؛ ومع ذلك لا يتردّدون في القيام بهذه الحركات؛ لقد كان الرياضيون البروتستانت، على سبيل المثال، حائرين؛ إذ لا توجد أيّة إشارة خاصة في المذهب البروتستانتي؛ لذا لم يكن الرياضي البروتستانتي يستطيع التعبير عن إيمانه بالطريقة البروتستانتية، وهذا هو السبب الذي جعل حركة وضع الرياضي إحدى ركبتيه على الأرض، مع إمالة الرأس، تصبح بادرة ناجحة للغاية؛ لأنها تسمح للرياضي البروتستانتي بأن يقول إنّه مدين بفوزه إلى الربّ.

اقرأ أيضاً: البغدادي: من الانطوائية وعشق كرة القدم إلى قطع الرؤوس!

لا يقتصر الأمر على الرياضيين، الذين ينتهزون الفرصة لإظهار إيمانهم الديني في الملاعب؛ فالمتفرجون ينتهزون الفرصة أيضاً، فليس من النادر أن نرى أحد المتفرجين وهو يحمل يافطة كتب عليها عبارة دينية، لقد أصبحت الرياضة، اليوم، ناقلاً يتيح الشهادة على الإيمان بفعالية كبيرة.

معبد أم ملعب؟

أهو معبد؟ لا، إنّه ملعب! أمام تموّج المشجعين والأنصار في المدرجات المكتظة، تحت الأضواء البيضاء الكاشفة، يدخل 22 لاعباً إلى الأرضية، في نسخة حديثة من أنصاف الآلهة الأسطورية العتيقة، في الاندفاع الأول تتوّجه الأصابع نحو السماء، لجذب وتوسل النعم والخير، وتُرسَم إشاراتُ الصليب، لدعوة الربّ للاستجابة.

وإذا سُجِّل هدف؟

وإذا سُجِّل هدف؟ انظروا إلى الأيادي وهي تتشابك وتتلاصق، والرُّكبَ وهي تنثني وترتخي، وإلى الأذرع الممدودة في شكل صليب، وكأنها قرابين إلى النصر، مَن يستطيع أن يجادل، بعد كلّ ذلك، في أنّ كرة القدم والدين ليس لهما، رمزيّاً على الأقل، صلةً وثيقة تربط بينهما.

قال رئيس أساقفة روان، ومؤيد حزب "الخضر"، المطران دومينيك ليبرون، وهو حَكَمٌ من الهواة: "إذا كان اللاعبون مؤمنين، دخلوا أرضية الملعب مع الربّ".

رونالدو كان يزور ضريح السيدة العذراء ليشكرها على اختياراته في المنتخب

إيمان أم فيتشية؟ (1)

هل هو الإيمان؟ هل هي الفيتشية؟ "إنه مزيج من الاثنين"، يقول المعلّقون أصحاب الخبرة.

ويضيف الصحافي يوجين ساكومانو "يجب أن نذكر أيضاً التفاني الخاص للاعبين البرازيليين أو الأفارقة، هل يجب أن نأخذ كل هذا على محمل الجدّ؟ لنقل إنّه حىّ، وإنّهم بذلك يكونون مؤمنين أو ممارسين مواظبين للدين، فإن بعض اللاعبين يأملون في أن يساعدهم الله في تسجيل هدف".

اللجوء إلى المقدس

يؤكد المدير الرياضي لجماعة راديو فرنسا، جاك فيندرو، الذي يتابع كرة القدم منذ أكثر من أربعين عاماً، "الصدقَ الديني للعديد من أبطاله"، يقول: "الإيمان يساعدني، أنا أيضاً، الصحافي البسيط، في أداء عملي، من أجل النجاة من سوء الحظ، ومشاركة الآخرين سعادتي، يحتاج لاعبو كرة القدم إلى التفوّق جسديًا، إنه شيء جميل، هذا اللجوء إلى المقدس، ومن الجيد أن يعرضه اللاعبون والمناصرون في الملاعب".

رونالدو والسيدة العذراء

حتى خارج الملاعب، أحياناً؛ فقد كان المهاجم البرازيلي رونالدو، في زمن مجده، يقوم بشكل منتظم، بِحجّة إلى ضريح السيدة العذراء في أباريسيدا، بولاية ساو باولو، ليشكّر العذراء على اختياراته المتعددة في المنتخب الوطني.

اقرأ أيضاً: أردوغان وكرة القدم.. كيف يستغل المستبدون الرياضة؟

اللاعبون، هؤلاء المعشوقون المدلّلون، الذين يتقاضون رواتب خيالية، حسّاسون مرهفون جداً؛ ذلك -بلا شكّ- لأنّ وجودهم يتّسم بمتطلبات جادة، فهم يوضَعون تحت شعار الأداء والكفاءة العالية، وعليهم أن يبذلوا باستمرار الجهود، ويتحمّلوا الحرمان، مع الإعداد البدني المرهق، واتباع قواعد العناية الصحية الصارمة.

حاجة اللاعب إلى السموّ

المتخصص في علم الاجتماع في المعهد الوطني للرياضة، باتريك ميجنون، يوضح قائلاً: "يمكن تقديم هذه التضحيات بطريقة عقلانية بحتة، لكنّ العديد من الأبطال لا يكتفون بإطاعة مدرّبهم، أو أخصائي التغذية؛ إنّهم يريدون أن يمنحوا معنى إضافياً لتفانيهم وإنجازهم، هذا هو السبب وراء أنّ العديد منهم يشعرون بالحاجة إلى التعالي والسموّ الروحي، حتى يمنحوا لأنفسهم مبرّراً، ووسائل إضافية، لبذل الكثير من الجهد".

مباركة بنديكت السادس عشر

لا يختلف الأمر مع المشجعين؛ فيما يتعلق الأمر بالتعبير عن امتنانهم إلى السماء، مع ما كان يحصل قبل عدة أعوام، فعلى سبيل المثال؛ قام مشجعو أولمبيك مرسيليا، برسم تمثال السيدة لاغارد بألوان ناديهم، الذي تُوّج بطلاً لفرنسا، أما التشكيلات البرتغالية الرائعة لبورتو وبنفيكا؛ فقد تبرّعوا بقمصانهم الحاملة للرقم 16، للبابا بنديكت السادس عشر، خلال زيارته للبرتغال، لمباركة ناديهم المفضل.

كأس العالم... قدّاس مهيب للكرة المستديرة

كرة قدم وإيمان، هذا الترادف يعمل بشكل جيد؛ حيث يقول علماء الاجتماع: "هذه الرياضة أصبحت ديانة القرن الواحد والعشرين! أوّلاً: بسبب طابعها العالمي؛ فهي لعبة تمارس في كل مكان؛ في الشوارع المنحدرة لمدن الصفيح في أمريكا الجنوبية، وفي الأدغال الإفريقية، وفي مروج الأرياف في مدننا الغربية، وعلى خرسانة الأحياء الصعبة، وفي ملاعب المدارس في جميع أنحاء العالم".

صلات حقيقية بالطقوس الدينية

يجتمع المشجّعون، كلّ أربعة أعوام، سواء كانوا يمارسون اللعبة أو لا يمارسونها، في كأس العالم، وهو نوع من قداس مهيب للكرة المستديرة، يقام على صعيدٍ عالمي.

اقرأ أيضاً: كأس العالم 2022 في قطر... الجانب المظلم لكرة القدم الدولية

يقول المتخصص في علم الأعراق بجامعة "إيكس إن بروفنس"، كريستيان برومبرغر: "كرة القدم لها صلات حقيقية مع الطقوس الدينية؛ فالمباريات لها روزنامة شبه طقوسية، والنصب التذكارية على شكل كأس (العالم)، والعناقات التي يتبادلها المشجعون على المدرجات تذكّرنا بحركات السلام المتبادلة خلال القداس الديني".

كرة القدم جزء من طقوس الوثنية القديمة

يرى عضو الفريق المنظم لكأس العالم في فرنسا عام 1998، ومؤلّف كتاب "الإله رياضة" (Le Dieu Football )، فيليب فيليموس، أنّ في كرة القدم بقاءَ وانتعاشَ طقوسٍ قديمة، مرتبطة بأصول هذه الرياضة.

بعض الرياضيين يركعون أو يرسمون إشارة الصليب مع أنّهم يعلمون جيداً أنّ آلاف أو ملايين الناس سيشاهدونهم

يقول فيليب فيليموس: "ألعاب البيلوت (كريات، وهي اليوم كرة اللعب في بلاد الباسك)، ثم لعبة الكرة بالقدم، هي أوّلاً: جزءٌ من الطقوس الوثنية القديمة، خاصةً طقوس الشمس في حضارات المايا، والحضارة الصينية، والأوروبية القديمة، ومع مرور الزمن؛ فقدت كرة القدم هذا الطابع الغامض، لكنّ المباراة تحتفظ بالمُحتِفل بالقداس (الحَكَم)، وهو حاجز يعزل الجمهور واللاعبين عن بقية العالم (الملعب)، وبالموسيقى التي تربط بين البشر(الأغاني). حتى إن أصبحت مدنسة، فقد احتفظت بالمقدس!".

عواطف عابرة

أليس من التسرّع بمكان، أن نخلط بين الطقوس والدين؟ يقول مؤلف كتاب "تاريخ كرة القدم"، بول ديتشي: "إن العواطف التي تثيرها كرة القدم ليست روحية، بل عاطفية، ومهما كانت قوية؛ فهي ليست سوى انفعالات سريعة الزوال".

كرة القدم تكرس القيم والمعتقدات التي تشكل المجتمعات

بين سموّ كرة القدم وسموّ اللاهوت

"كرة القدم لا تملك سموّاً أكثر ممّا للاهوت منه، في الأساس؛ لا يشرح العرض الكروي من أين أتينا، أو أين سنذهب"، يقول كريستيان برومبرجر، ويتابع: "كرة القدم تكرس فقط القيم التي تشكل مجتمعاتنا: الجدارة الفردية، مع لاعبين بدؤوا من لا شيء، وأصبحوا كلّ شيء، والتضامن المرتبط بالرياضات الجماعية، والانتماءات الإقليمية أو الوطنية".

انبهار ووحدة كونية

مع ذلك، يرى أستاذ الأخلاقيات في جامعة لوزان (سويسرا)، دينيس مولر: أنّ "كرة القدم تقترب قليلاً من الدين؛ عندما تصل جودة اللعبة إلى قِممها، تبدو وكأنها مكافأة كاملة، وانبهار يُوحّد المتفرجين في أخوّة كونية".

اقرأ أيضاً: هل يقود حضور مباريات كرة القدم إلى المعصية؟!

إنّه تعبير مناسب تماماً للأسقف دومينيك ليبرون، حيث يقول: "كرة القدم تجعل إلغاء الحواجز بين الأجيال والمثقفين والكتب المدرسية، والناس الطيبون في الأحياء، والضواحي، أمراً ممكناً، فقط برفعهم الوشاح نفسه، إنها لخيمياء لا تصدَّق! فإذا هي غير دينية، فهي من مقام ربانيّ، وإني لأرى فيها قليلاً من نسمة الروح الإلهية".

أموات من دون كرة القدم

هذا ما يردّده ميشيل ميزي، مدرب مونبيلييه السابق، بطريقته الخاصة: "نكتشف في بعض الأحيان أن جنون كرة القدم يمكن أن يقتلنا، لكن من دون كرة القدم، نحن أموات بالفعل".

يجتمع المشجّعون كلّ 4 أعوام في كأس العالم وهو نوع من قداس مهيب للكرة المستديرة يقام على صعيدٍ عالمي

"الرياضة، هذه الديانة الجديدة التي تدرّ الملايين"، هكذا أعلن غلافُ العدد الأخير من مجلة بيلان "Bilan" الاقتصادية (12-25 تشرين الأول (أكتوبر) 2016)، هذا المحتوى لم يعد مجازياً، باستثناء القول: إنّ "النشاط البدني لم يسبق أن كان لديه ما لديه اليوم من أتباع"، على ما يبدو، يشير البُعد الديني إلى أنّ الرياضة تحتل مكاناً مركزياً في حياة العديد من مناصريها، وأنها تُلهِم التزاماً مقدساً: "يستيقظون قبل الفجر لقطع الكيلومترات في الليل، فيما آخرون يرفعون الأثقال لساعات"، كذلك التطلع إلى تجاوز الحالة الإنسانية العادية: "الجميع يريد دفع حدوده إلى أبعد مما هو متاح، قدر الإمكان".

في سياق متصل، في الليلة نفسها؛ علّقت النشرة الإخبارية على مباراة كرة قدم، قائلة إنّ "لاعباً موهوباً صلب الحارس"، (كانت تعني، ببساطة، أنه سجّل هدفاً آخر،". وصباح يوم الإثنين، جاء دورُ صحيفة شعبية لتعنونَ خبرها الرياضي بـ "كرة القدم المقدسة"، مع صورة القديسة مريم العذراء، وهي تتأمل كرة مستديرة (Le Matin )، 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2016).

المَلِك رياضة

"المَلِك رياضة"، كرة القدم يمكن أيضاً أن تشبَّه بالدين، من المؤكد أنّ كرة القدم ليست إيماناً بالحياة الآخرة، لكنها تتميز بممارسة وحماسة وطقوس تجعل منها لحظة تعبير عن تدين إلى درجة أننا نصف كرة القدم أحياناً بأنها "ديانة كوكبية حديثة".

صلاة امتنان للهدف

لا يخلو النص من استعارات (الملعب كـ "معبد اللعبة" أو "كاتدرائية الرياضة")، لكنه يدفع بالمقارنة إلى أبعد من هذا؛ إنه يقدّم اللاعبين كمحتفلين بقداس، يحتلون مساحة "مقدسة"، سيجري فيها "الاحتفال" أمام المتفرجين، "المؤمنون" بهذا الدين.

أمّا قمصان اللاعبين؛ فهي بمثابة "أثواب طقوسية"، المتحمسّون يحتفظون بالبالونات (الكرات) كـ "آثار"، وقد سلّط النصّ الذي وقّعه تييري جاكوب، الضوء أيضاً على الأعمال التي يتحوّل بها اللاعبون نحو البُعد البراني، كتأدية صلاة امتنان بعد تسجيل الهدف.

اقرأ أيضاً: 17 لاعباً من غزة يغيّرون قواعد كرة القدم

دعونا نتمسك هنا بالمسألة المركزية: هل الرياضة نوع من الدين، أم بديل عن الدين؟ هناك آدابٌ جامعية حول الرياضة والدين، مع وجهات نظر مختلفة، على سبيل المثال؛ هناك كتاب جدير بالقراءة هو: "الدين والرياضة" (Charles S. Prebish)، The Meeting of Sacred and Profane Greenwood Press)، 1993).

دين مدني

بعض الباحثين من جامعة لوزان (Nicolas Meylan)، الذين تمت مقابلتهم في المقال، يشيرون بحقّ إلى وجود عدد كبير جداً من تعريفات الدين؛ حيث تناولها بعض الباحثين في ألعابٍ لا نهاية لها!، و"وفق بعض تلك التعريفات؛ يمكن اعتبار كرة القدم كدين حقّاً". فيما عدّ باحثون آخرون كرةَ القدم "ديناً مدنياً".

بول ديتشي: العواطف التي تثيرها كرة القدم ليست روحية، بل عاطفية، ومهما كانت قوية؛ فهي انفعالات سريعة الزوال

قبل عشرة أعوام؛ اقترح اللاهوتي والمطران الكاثوليكي، فرانسوا كزافييه أمهردت، تأمّلات أصلية لا تخلو من روح الدعابة، تستند أيضاً إلى خبرته كحكم لكرة القدم، في كتاب صغير عن الرياضة، تحدث فيه عن "تحوّل (نقل) المقدس"، وكتب يقول:

"إذا كان الدينُ يمكن تعريفُه، اجتماعياً، كنظام يحاول الإنسان من خلاله تفسيرَ الكون، ومواجهة المشكلات الأساسية للوجود، والسيطرة على الاحتمالات، مثل المرض والألم والموت، والدخول في علاقة مع ما هو أبعد من ذلك، فإنه في هذه الحالة يمكن النظر إلى العديد من المفاهيم الأيديولوجية العلمانية، بما في ذلك الرياضة، كأدوات تؤدي أو تدعّي القيام بوظيفة الدين الاجتماعية، في العالم المعاصر".

الرياضة لا تقدّم تفسيراً ميتافيزيقياً

وفي نصّ آخر حول الرياضة والدين؛ أشار فرانسوا كزافييه أمهردت، إلى أنّ "الرياضة التنافسية لا تقدّم أي شكل من أشكال الإجابة النهائية عن أسئلتنا الميتافيزيقية"، "إنّ تعريفي للدين، الذي سيجادله باحثون آخرون، قلّما يُدرِج كرة القدم، فأنا أعرّف الدين على النحو الآتي:

"مجموعة من الطقوس والمعتقدات والممارسات التي ينوي البشر من خلالها التواصل مع أبعاد فوق الإنسانية، وتقديم تفسير لأصول وأهداف الوجود".

الرياضة الرأسمالية، مثل التطرف الديني، تسلب عقول الناس

شبه ديانة

العديد من المؤلفين يقترحون أن نطبق على كرة القدم، وعلى ظواهر علمانية أخرى، مفهوم "شبه الدين"؛ هذا هو حال عالم الأخلاق البروتستانتي، دينيس مولر، الذي يتحدث عن "التقريب الديني"، ويؤكّد أنّ كرة القدم "لا تقدّم إجابة عن سؤال الخلاص، كما يمكن لنظام ديني كامل أن يفعل" (Echo Magazine، May 29، 2008).

كرة القدم ليست ديناً بل مزيجاً من الفرح وخيبة الأمل، والمشاركة والابتذال، والسحر أو الكارثة، والجمال والعنف

"كرة القدم ليست ديناً؛ إنّها فقط شبه ديانة، مزيج من الفرح وخيبة الأمل، والمشاركة والابتذال، والسحر أو الكارثة، والجمال والعنف، إذا أصبحت كرة القدم ديناً، فلن تكون سوى ديانة الدكتاتوريين وتجار الأحلام والأوهام، والمنقهين الدينيين، والديماغوجيين المتلاعبين، والقوميين الماكرين، أو الصحافيين الدنيئين؛ فعندما تصبح كرةُ القدم، وسط الأشكال المتعددة والمعقدة لمجتمع ما بعد الحداثي المعاصر، مجزّأة ومتناقضة، فستظل في حالة شبه ديانة، ناقصة ومتناقضة؛ فهي ليست مطلقة، وليست مبعثاً للاشمئزاز، وليست معبوداً ولا أيقونة. فهي علامة فقط على رغبتنا البشرية في الجمال والفرح" (كرة القدم، آلِهَتُها وشياطينها، تهديدات ومزايا لعبةٍ مجنونة، Labor et Fides ، 2008 ، صفحة 240).

متعة ماسوشية

علماء اجتماع الرياضة، المنبثقون عن التيار النقدي، يتحدثون حالياً عن "أفيون الشعوب"، بالمعنى الماركسي للكلمة، فالرياضة الرأسمالية، مثل التطرف الديني، تسلب عقول الناس، من خلال توجيه مشاعرهم وغضبهم، حتى لا يتمرّدوا، وهو استسلام يتم قبوله، أو استيعابه، أو الحفاظ عليه، باختصار هو متعة ماسوشية!

دين أم خرافة؟

لا أحد يستاء عندما يرسم البطل يوسين بول إشارة الصليب، أمام مئات الملايين من المشاهدين، وينظر إلى السماء قبل الدخول إلى كتل البداية (starting blocks)، كذلك بعد لحظات من فوز البرازيل بكأس العالم 2002، كشف لاعب كرة القدم "كاكا" عن قميصه وقد كتب عليه شعار "أنا أنتمي إلى يسوع"، قبل أن يشرع في الصلاة.


المصدر: orbis.info وpelerin.com


هوامش:

(1) الفيتيشية أو التوثينية أو التقديس الأعمي أو الفَتَشِيَّة أو البُدِّيَّة، بالإنجليزية (Fetishism): أصلها من الكلمة الفرنسية (fétiche)، التي أصلها من الكلمة البرتغالة (feitiço)، التي ترجع أصولها للكلمة اليونانية(facticius) ؛ التي تعني مصتنع، وهي الاعتقاد بأنّ كائناً من صنع شخص له قوة خارقة، أو يمكنه التحكم في الآخرين.

الصفحة الرئيسية