قواعد الفكر الإخواني (9): تكفير يوجب الوصاية على المجتمعات

الإخوان المسلمون

قواعد الفكر الإخواني (9): تكفير يوجب الوصاية على المجتمعات


25/01/2018

يظلّ تكفير المجتمعات أُولى جرائم الإخوان التي فتحت الباب أمام غيرها، ليس آخرها ولادة كيانات متطرفة اليوم تستقي من هذا المنبع الفكري المنحرف كالقاعدة وداعش، وإن أخذ هذا الخطاب صيغة مواربة، كعهد الإخوان دوماً، يحوم حول هذا المعنى بطريقة أو بأخرى كما فعل حسن البنّا في مؤلفاته وسيد قطب في كتابه "معالم في الطريق"، ما يترتب عليه فرض الوصاية على هذه الأمة باسم هدايتها من الضلال.

الاستعلاء على الناس

حرص الإسلام على تزكية أتباعه بكل ألوان العبادة والذكر، لكنه حذّرهم في الوقت نفسه من أن يقعوا ضحية لتزكية النفس أو الاستعلاء على الخلق بعبادة أو ذكر، وقد حفظت لنا كنوز الأثر قول العارف بالله ابن عطاء الله السكندري "رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً، خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً".

حرص الإسلام على تزكية أتباعه بالعبادات والذكر لكنه حذّرهم من أن يقعوا ضحية لتزكية النفس والاستعلاء

لكن بعض الجماعات التي ادعت طويلاً الانتصار لحقائق هذا الدين تورطت في هذا السلوك البغيض، الذي قادها في النهاية لتكفير المجتمعات والوصاية عليها، وهو ما فعلته جماعة الإخوان؛ حيث استعلت على المجتمعات وزكّت أتباعها، معتقدة أنّها وحدها من تمثل بفعلها وسلوكها حقيقة الدين، ما جعل الإخوان يتحلون في مواجهة الجميع بنرجسية لا تخطئها عين، فهم وحدهم من يرون سنن هذا الكون، وهم من يعرفون واقع المجتمعات، وهم الأعرف بحقيقة الدين ومقاصده، وهم الأقدر والأجدر بعلاج المجتمع من أدوائه، وهم الذين يتطابق في وعيهم الدين والتنظيم، يبقى هذا أثراً لأفكار حسن البنّا الذي يخاطبهم في رسائله قائلاً "واذكروا جيداً أيها الإخوان أنّ الله قد منّ عليكم، ففهمتم الإسلام فهماً نقياً صافياً سهلاً شاملاً كافياً وافياً، يساير العصور، ويفي بحاجات الأمم ويجلب السعادة للناس، بعيداً عن جمود الجامدين وتحلل الإباحيين وتعقيد المتفلسفين، لا غلوّ فيه ولا تفريط مستمداً من كتاب الله وسنة رسوله وسيرة السلف الصالحين، استمداداً منطقياً منصفاً بقلب المؤمن الصادق وعقل الرياضي الدقيق".

عضو الإخوان هنا يصبح وحده من أدرك حقائق الإسلام ففهمها بقلب المؤمن الصادق وعقل الرياضي الدقيق، عبارات مُراوِغة تتفادى الحكم السافر على المجتمع؛ بل تلجأ إلى المناورة بالألفاظ بالتمييز بين الإخوان والمجتمع، في تزكية صريحة للإخوان مقابل تكفير ضمني لغيرهم ممن لا يشاركهم هذا التصور.

 الإخوان المسلمون يتحلون في مواجهة الجميع بنرجسية لا تخطئها عين

مصادرة إيمان المجتمعات

البنّا في فقرة أخرى يؤكد على محاكمة إيمان المجتمعات مقابل تزكية إيمان الإخوان، الذي لا يمنعهم الشماتة في أي ضرر يصيب تلك المجتمعات، فيرون العدوان الثلاثي انتقاماً إلهياً من هذا المجتمع الكافر الذي صمت على قمعهم، ووضعهم في السجون العام 1954 بعد محاولتهم اغتيال عبدالناصر، كما يرون نكسة حزيران (يونيو) 1967 جزاءً وفاقاً لما أصابهم من دولة عبد الناصر الكافرة في 1965، لقد بذر تلك البذرة حسن البنّا فأثمرت في قلوبهم الحقد على هذا المجتمع واحتقاره، عندما زكّى إيمانهم، بينما ذمّ إيمان هذا المجتمع واحتقره، يقول في رسالة "دعوتنا" تحت عنوان (إيمانان) "والفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في الإيمان بهذا المبدأ، أنه عندهم إيمان مخدر نائم في نفوسهم لا يريدون أن ينزلوا على حكمه ولا أن يعملوا بمقتضاه، على حين أنه إيمان ملتهب مشتعل قوي يقظ في نفوس الإخوان المسلمين".

لم يبق شيء من مشاهد الحياة لم يكفره قطب ضمناً فكان حاسماً سافراً في طرح ما يراه حلاً

إيمان نائم أو ميت هو إيمان المجتمع، مقابل إيمان حي مشتعل في نفوس الإخوان وحدهم؛ حين يترسخ هذا المعنى في نفوس الإخوان يشعرون بلون من ألوان الاستعلاء على هذا المجتمع، ويعتقدون بضرورة الوصاية عليه وصاية العالم على الجاهل أو العاقل على المجنون، أو من استكمل الأهلية تجاه فاقد الأهلية، والمجتمع لديهم فاقد لأهلية القيادة يحتاج إلى من يقوده باسم الله، وهم يلجأون في خطاب البنا إلى التقية والمخاتلة، خصوصاً أنّ الصف لم يكن قد استكمل عدده وعدته بعد، في نهاية الأربعينيات قدّرت سيتون وليامز في كتابها "بريطانيا والدول العربية" أعداد الإخوان ما بين 300 ألف إلى 600 ألف عضو، بينما أشار غيرها إلى أعداد تصل إلى مليون عضو، وهو ما أغرى سيد قطب بإعلان موقف الجماعة بوضوح أكثر تجاه المجتمعات عندما شعر بقوة التنظيم ليقول في كتابه "معالم في الطريق": "نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية، تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية وفلسفة إسلامية وتفكيراً إسلامياً هو كذلك من صنع هذه الجاهلية"، هل بقى شيء من مشاهد الحياة لم يكفره قطب، وقد كان حاسماً سافراً في طرح ما يراه حلاً لتلك المجتمعات الجاهلية الكافرة، بأن تنشأ أو تقوم طليعة مسلمة ملتزمة بمنهج الحركة الإسلامية، تتجرد من كل مؤثرات الجاهلية وضغط المجتمع الجاهلي وتصوراته وتقاليده!

كان تكفير الإخوان للمجتمع هو الفكرة التي سادت أوساط التنظيم، وسكنت أدبياته متشحة كالعادة بتقية حرصت عليها الجماعة

تكفير متشح بالتقية

كان تكفير الإخوان للمجتمع هو الفكرة التي سادت أوساط التنظيم، وسكنت أدبياته متشحة كالعادة بتقية حرصت عليها الجماعة، وكرسها حسن البنا بخطاب مخاتل، تغير ذلك مع سيد قطب الذي كان سافراً وصريحاً في الحكم على المجتمعات، لذا بعدما تغلغلت أفكار التكفير لدى الإخوان عندما تمكنت أفكار سيد قطب من الصف الإخواني، أدرك بعض قيادات الإخوان هذا الخطر، فحذفوا أكثر من سبعين صفحة من كتاب لمحمد الصروي أحد المتهمين في تنظيم 65 لأنه كان يوثق أفكار التكفير، ولم يستبقوا من تلك الصفحات سوى سبع تم تنقيحها لتخفي أفكار التكفير الصريح، حتى كتاب حسن الهضيبي "دعاة لا قضاة" ظل عنوانه يشي بحقيقة اعتقاد الجماعة تجاه المجتمع، الذي رغم تكفيره يرون أن تحول إلى ساحة للدعوة للإسلام؛ حيث أراد الإخوان أن يقولوا دعنا من تكفير المجتمع؛ لأن الأمر يحتاج إلى قضاة يحكمون بكفر هذا أو ذاك، ولكننا دعاة إلى الإسلام؛ فهل يتصور أن يدعو أحد للإسلام في مجتمع مسلم.

الإخوان يدركون أنّ التمكن من الحكم أمر يصطدم بعوامل معقدة لذا تدرّجوا في الكشف عن نواياهم وخطواتهم

لقد أفصح الإخوان عن نواياهم تجاه هذا المجتمع في رسالة لحسن البنا، خاطب فيها رئيس الوزراء مصطفى النحاس لما قدمه باعتباره إصلاحاً لحال الدولة والمجتمعات؛ حيث كان يرى القضاء على الحزبية ليكون نظام الحزب الواحد الشمولي، كما اتّجه إلى الوصاية على النظام الاجتماعي عبر مراقبة كل الشرائح في المجتمع، طارحاً صيغة أقرب لمحاكم التفتيش، تراقب سلوك الموظفين ولا تفصل بين الناحية الشخصية والناحية العملية، فضلاً عن بنود أخرى كمراقبة دور التمثيل وأفلام السينما، والتشديد في اختيار الروايات والأشرطة، وتهذيب الأغاني واختيارها ومراقبتها والتشديد في ذلك، ومصادرة الروايات المثيرة والكتب المشككة المفسدة، والصحف التي تعمل على إشاعة الفجور وتستغل الشهوات استغلالاً فاحشاً.

كل تلك المطالب كانت مقدمة للون بغيض من ألوان السيطرة على المجتمع، وممارسة أقصى درجات السيطرة على عقله ووجدانه، ليبقى خاضعاً لتنظيم اعتقد أنّ بإمكانه أن يصادر قيم التنوع والتطور البشري، ليعيد الناس إلى العصور الوسطى وظلاميتها متصوراً أنّ هذا هو الإسلام الصحيح.

إنّ التأمل في واقع دولة داعش يقرب للأذهان ملامح دولة الإخوان، غير أنّ الإخوان كانوا يدركون دوماً أنّ التمكن من حكم دولة أو بناء خلافة أمر يصطدم بعوامل معقدة؛ لذا تدرّجوا في الكشف عن خطواتهم، ولم يصرحوا بكل أفكارهم وتصوراتهم تجاه هذا المجتمع الذي مارسوا بحقه تلك الوصاية على مقدراته وحكمه بالصورة التي شهدتها مصر عبر عام من حكمهم قبل السقوط.

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية