قواعد الفكر الإخواني (28): الوطنية انتماء للتراب

الإخوان المسلمون

قواعد الفكر الإخواني (28): الوطنية انتماء للتراب


28/06/2018
ولست أرى سوى الإسلام لي وطناًالشام فيه وبلاد النيل سيانِ
وكلما ذكر اسم الله في بلدعددت أرجاءه من لبّ أوطاني

يتمثل كثير من أعضاء جماعة الإخوان ورموزها بمثل تلك الأبيات، التي تحدد ولاء العضو بحسب العقيدة، في حرص على وضع العاطفة الوطنية في مواجهة رابطة العقيدة، بعدما كرّست أدبيات الحركة التناقض بين الدين والوطنية.

مفردات مخاتلة تجاه الوطنية

تبدو مفردات حسن البنا مخاتلة في وصف تلك الرابطة، خصوصاً أنه كان يعبّر عن هذا الموقف في ظلّ التهاب العاطفة الوطنية المصرية، وبزوغ العديد من الحركات الوطنية التي انتظمت ولاء الشارع المصري، يقول في رسالة "دعوتنا": "افتتن الناس بدعوة الوطنية تارة والقومية تارة أخرى، خاصة في الشرق؛ حيث تشعر الشعوب الشرقية بإساءة الغرب إليها إساءة نالت من عزتها وكرامتها واستقلالها، وأخذت من مالها ودمها، وحيث تتألم هذه الشعوب من هذا النير الغربي الذي فرض عليها فرضاً، فهي تحاول الخلاص منه بكل ما في وسعها من قوة ومنعة وجهاد وجلاد، فانطلقت ألسن الزعماء وسالت أنهار الصحف، وكتب الكتّاب، وخطب الخطباء، وهتف الهاتفون باسم الوطنية وجلال القومية".

وصف البنا الشعور الوطني بالوهم الخاطئ في محاولة للتفرقة بين العاطفة الدينية والوطنية وتغليب الأولى على الثانية

ثم يردف: "حسن ذلك وجميل، لكن غير الحسن وغير الجميل؛ أنّك حين تحاول إفهام الشعوب الشرقية، وهي مسلمة، أنّ ذلك في الإسلام بأوفى وأزكى وأسمى وأنبل مما هو في أفواه الغربيين وكتابات الأوروبيين، أبوا ذلك عليك، ولجّوا في تقاليدهم يعمهون"، وقد سمّى هذا الشعور الوطني بالوهم الخاطئ، في محاولة للتفرقة بين العاطفة الدينية والوطنية، وتغليب الأولى على الثانية.

 

 

انحراف عمّا أراده الله

وفي هذا السياق يبدو محمود عبدالحليم، مؤلف كتاب "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ"، أوضح في كشف معتقد الإخوان حول الوطنية والجهاد لنصرة الوطن والدفاع عنه؛ حيث يتحدث عن مشاعره قبل أن تترجح لديه الرغبة في الانتماء لجماعة الإخوان، وهو يراجع الهيئات العاملة في الساحة المصرية في الثلاثينيات: "وظهرت في ذلك الوقت جمعية مصر الفتاة التي أنشأها أحمد حسين المحامي، وكانت تصلنا في المدرسة مجلتها الصرخة تفيض بالحماسة الدفاقة، وكنت أميل إليها باعتبارها فكرة ناهضة، إلا أنني لم أتخذها لي مبدأ أو فكرة؛ لأن نفسي كانت تشمئز من الانتماء للتراب، واتخاذ مصر إلهاً تقدم له القرابين؛ إذ كان مبدؤها مصر فوق الجميع، وهو ادعاء على غير أساس، وتمييز عنصري يستطيع كل جنس ادعاءه، وما أنزل الله به من سلطان"، وتأمل هذا الكلام يكشف أنّ البعض لم يغالوا عندما وصفوا شعورهم تجاه الوطن بأنّه مجرد انتماء إلى حفنة من تراب.

يعدّ الجهاد من أجل الوطن انحرافاً عمّا أراده الله لعباده بحسب معتقد الإخوان وتصورهم الراسخ

يبدو عبدالحليم أوضح في التعبير عن مكنون الصدور وحقيقة معتقد الإخوان في الوطن، لكنّ نصاً آخر في الكتاب نفسه يوضح ما هو أخطر، عندما يحكي مشهداً يعدّه المصريون من أمجد اللحظات الوطنية، ويحتل مكانه في وعي المصريين؛ مظاهرات كوبري عباس في مواجهة الإنجليز1946، تلك المظاهرات التي اختارها العالم لتكون ذكرى يوم الطالب العالمي، كاشفاً كيف يراها الإخوان، يقول عبدالحليم: "ودنوت لحظة من بعض الزملاء، ودويّ الرصاص يصمّ آذاننا، وهنا تمثلت صورة لي، وقد أصبت، وتضرجت بدمائي، وقابلت ربي، فماذا أقول له حين يسألني في سبيل ماذا قتلت؟ سأقول له: في سبيل دستور 1923، أهو الدستور الذي أنزله الله ليحكم هذا العالم؟ هل هو الدستور الذي قال الله تعالى في شأنه {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَاْ أَنْزَلَ اَللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ اَلْكَاْفِرُوْن}، هنا وتحت كوبري عباس، وتحت وابل الرصاص، وشبح الموت يطاردنا في كل مكان، في تلك اللحظة قرّرت، إن كتبت لي الحياة، لأصححن اتجاهي، ولتكونن حياتي كلها لله، ولأختطفن لنفسي الخط الذي أراده الله للناس أن يسلكوه، وأن تكون جهودي جميعها في سبيل إقامة الدولة الإسلامية التي لا يرضى الله بغيرها بديلاً".

اقرأ أيضاً: قواعد الفكر الإخواني (11): ضرب الروح الوطنية

لعل تلك الفقرة بالذات، من أصدق الفقرات تعبيراً عن حقيقة شعور الإخوانيّ بالرابطة الوطنية والجهاد من أجل الوطن، الذي يعدّ الجهاد من أجله انحرافاً عمّا أراده الله لعباده، بحسب معتقدهم وتصورهم الراسخ.

 

 

لا مكان للقومية

فبينما حاول حسن البنا أن يوهم القارئ بأنّ عداءه للرابطة الوطنية هو في حقيقته عداء لمفهوم غربي، يهيمن على الساحة المصرية في ذلك الوقت، وأنه يرفض القومية لذلك السبب، يقول في رسالة "دعوتنا": "الإخوان المسلمون لا يؤمنون بالقومية، ولا بأشباهها، ولا يقولون فرعونية وعربية وسورية"، نجد سيد قطب يقول: "إنّ المجتمع الإسلامي وحده هو المجتمع الذي تمثل فيه العقيدة رابطة التجمع الأساسية، والذي تعدّ فيه العقيدة هي الجنسية بين الأسود والأبيض والأصفر والأحمر والعربي والرومي والفارسي والحبشي، وسائر الأرض في أمة واحدة ربها الله".

اقرأ أيضاً: قواعد الفكر الإخواني (21): الأخوّة التنظيمية فوق الإنسانية

كان قطب أكثر تشدداً وتطرفاً في رفضه للدولة العربية القائمة، متبيناً نزعة راديكالية واضحة تقضي بجاهلية المجتمع المسلم، والدعوة إلى الحاكمية، والدعوة إلى القضاء على المجتمع الجاهلي بكل بناه، حتى تكون كلمة الله هي العليا، بحسب ما قال بالتالي تصبح فكرة العالمية الخلافة التي يدعو لها الاثنان، تجاوزاً لحدود الوطن، وبدلاً من أن يكون الولاء للوطن يكون للتنظيم الذي يرفع راية أوسع هي راية الخلافة التي تضم كلّ الدول دون حدود صنعها الاستعمار، كما يزعمون وتحت وهم الرابطة العالمية التي يؤطرها الانتماء لتنظيم دولي للجماعة.

وبسبب هذا الولاء الذي يعلنه أعضاء التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، وإعطاء البيعة المطلقة للمرشد العام للجماعة، يحدث تعارض وتناقض بين مفهومي المواطنة؛ حيث يكون المواطن مخلصاً لوطنه فقط، ومفهوم الإخلاص للتنظيم والمرشد العام، وهو ما يستوجب طعناً أخلاقياً في مفهوم الإخلاص والولاء الوطني.

لم يفوّت الإخوان عقب خروجهم من حكم مصر أي فرصة للتدليل على احتقارهم لرابطة الوطن

ترجم واضعو المناهج التعليمية في السودان كلمات سيد قطب وتصوره إلى مفهوم ينشأ عليه التلاميذ في المدارس، عندما سيطر الإسلاميون على الحكم منذ الثمانينيات، فقد جاء في صفحة (145) من كتاب الدراسات الإسلامية، المقرر على طلاب الصف الأول الثانوي تحت العنوان الرئيس "النظام الاجتماعي في الإسلام"، والعنوان الفرعي "مفهوم الوطن في الإسلام"، الآتي: "الوطن في الإسلام هو الدولة الإسلامية بأطرافها الشاسعة وشعوبها المختلفة".

بمثل تلك الأفكار تشكلت الخلفية الأيديولوجية، والمحرك المنهجي لسياسات حكومة الإنقاذ، منذ انقلب الإسلاميون في السودان على الحكومة في 1989، وهو ما خلّف روحاً عامة تحتقر الوطنية، الأمر الذي سمح في النهاية بانفصال الجنوب السوداني، هذا الإنجاز الكارثي الذي قرب للأذهان مشروع الإسلاميين في حكم بلاد لا يؤمنون بجنسيتها، أو الشعور بالمواطنة نحوها، وما تنجزه أفكارهم ومشروعهم حين يصلون للحكم في الدولة الوطنية، كان التمكن هو ما كشف حقيقة الإخوان في السودان، بينما لم يفلح حتى التمسكن في أن يخفي خطط نظرائهم في مصر؛ لذا كان تصريح محمد مهدي عاكف لصحيفة "روز اليوسف" كاشفاً عن حقيقة الشعور بالوطن والانتماء إليه، عندما بدا مرحباً بأن يحكمه ماليزي مادام ذلك في ظل الخلافة المزعومة، وفي السياق نفسه لم يكن غريباً أن يخاطب يوسف القرضاوي أردوغان، قبل أعوام، بالسلطان "سلطان المسلمين".

اقرأ أيضاً: قواعد الفكر الإخواني (4): المظلومية.. سلاح الجماعة المفضل

لم يترك سلوك الإخوان في أعقاب خروجهم من حكم مصر، بفعل ثورة شعبية العام 2013، مساحة لخطاب أو أدبيات في التدليل على غياب رابطة الوطن واحتقارهم لها، فالحال أبلغ دوماً من المقال، كما يقولون، ولا شيء أصدق تعبيراً عن ذلك من سعيهم بكل سبيل إلى الدفع باتجاه إشعال فوضى في الساحة المصرية بعد 30 يونيو.

 

 

الصفحة الرئيسية