قمة المناخ: الغلاف الجوي وكأنّه تعرّض لتعاطي منشطات

قمة المناخ: الغلاف الجوي وكأنّه تعرّض لتعاطي منشطات


03/11/2021

تحديات عديدة ومتفاوتة تواجه قمة المناخ التي بدأت فعالياتها، مطلع الشهر الجاري، في مدينة غلاسكو الأسكتلندية بالمملكة المتحدة، بمشاركة نحو مائتي دولة؛ حيث من المتوقع بحث ومناقشة الأستراتيجيات والبرامج التي من شأنها مواجهة التغيرات المناخية، والتي تهدد كوكب الأرض وسكانه، خاصة مع تفاقم الأوضاع المناخية العالمية بفعل عدة ظواهر مباغتة وكارثية، من بينها الفيضانات، وحرائق الغابات، وارتفاع درجة حرارة الأرض، والأعاصير المدمرة، والتصحر، والجفاف، ونضوب الموارد الطبيعية.

التغيرات المناخية.. نحو اتفاقيات ملزمة

وكشفت وكالة الأنباء الألمانية، أنّ الدول المشاركة في مجموعة العشرين أعادت إلزام نفسها بالحد من الانبعاثات الغازية، بحسب المعايير التي اتفقت عليها الدول في باريس، عام 2015، وجاء في نسخة الاتفاق: "نحن مستمرون في الالتزام بأهداف اتفاقية باريس بالإبقاء على معدل درجة الحرارة عالمياً أقل من 2 درجة مئوية، ومواصلة الجهود الساعية لخفضها إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية".

الدول المشاركة في مجموعة العشرين أعادت إلزام نفسها بالحد من الانبعاثات الغازية

التهديدات التي تبعثها التغيرات المناخية العالمية غير المسبوقة، تضع عدة مهام أمام الدول النامية، بوجه خاص، والتي تحتاج إلى متطلبات مالية تقدر بنحو مائة مليار دولار لجهة مواجهة المخاطر المناخية، وقد أشار البيان الرسمي لقمة المناخ إلى أنّه "لتحقيق أهدافنا المناخية، سوف تحتاج كل شركة وكل شركة مالية وكل بنك وشركة تأمين ومستثمر إلى التغيير، كما تحتاج البلدان إلى إدارة التأثيرات المتزايدة لتغير المناخ على حياة مواطنيها وهم بحاجة إلى التمويل للقيام بذلك".

الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بيتيري تالاس: باستخدام المصطلحات الرياضية، يمكن للمرء أن يصف الغلاف الجوي بأنّه تعرض لتعاطي منشطات، إذ نشهد حدوث ظواهر مناخية متطرفة

وطالبت قمة المناخ بضررة تطوير البنية التحتية للدول، كما شددت على أهمية "الانتقال إلى اقتصاد أكثر اخضراراً، وأكثر قدرة على التكيف مع تغير المناخ، وتابع البيان: "يجب أن يشمل ذلك بناء أسواق جديدة للتكيف والتخفيف، وتحسين الكمية والنوعية، والوصول إلى التمويل لدعم المجتمعات في جميع أنحاء العالم لاتخاذ إجراءات بشأن المناخ المتغير".

 

اقرأ أيضاً: الشرق الأوسط من بين أكثر مناطق العالم عرضة للتهديدات البيئية بسبب التغيرات المناخية

كما قالت المجموعة الممثلة للدول النامية في بيان سبق قمة المناخ إنّ "رفع سقف الطموح العالمي، وزيادة الاعتمادات المالية لمحاربة تغير المناخ، شيء أساسي لبقائنا"، ولفت رئيس المجموعة، سونام وانغدي، إلى أنّ "الأزمة لم يتم التعامل معها كأزمة، ويجب أن يتغير هذا الوضع هنا في غلاسكو".

تحديات أمام الدول النامية

ومن بين المقترحات التي وضعتها مجموعة الدول الأقل نمواً في قمة أولوياتها، "الوفاء بتعهدها بتقديم 100 مليار دولار  سنوياً لمساعدتها في التأقلم مع التغير المناخي، والموافقة على وقف تام للانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري قبل عام 2050، على أن تكون هناك أهداف محددة للدول المسؤولة عن النسبة الأكثر من الانبعاثات، كالولايات المتحدة وأستراليا وبعض بلدان الاتحاد الأوروبي، ثم الاعتراف بالأضرار والخسائر التي تعرضت لها، كالآثار المترتبة على ارتفاع منسوب مياه البحر أو الفيضانات المتكررة، ووضع صيغة نهائية للقواعد التي تنظم كيفية تطبيق الدول للاتفاقات الموقعة في السابق".

 

اقرأ أيضاً: إطلاق النسخة الأولى من "السعودية الخضراء" وهذه أهدافها حول "التغير المناخي"

ومن جهته، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنّ "تقرير مجموعة العمل 1 للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ اليوم بمثابة إنذار أحمر للبشرية"، وأردف: "إذا حشدنا القوى الآن، سنتمكن من تفادي وقوع كارثة مناخية. ولكن، كما يوضح تقرير اليوم، لا يوجد وقت للتأخير ولا مجال للأعذار. أعول على قادة الحكومات وجميع أصحاب المصلحة لضمان نجاح مؤتمر الأطراف السادس والعشرين".

ووفقاً للأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بيتيري تالاس: "باستخدام المصطلحات الرياضية، يمكن للمرء أن يصف الغلاف الجوي بأنّه تعرض لتعاطي منشطات، مما يعني أنّنا بدأنا نشهد حدوث ظواهر متطرفة على نحو أكثر مقارنة بالماضي".

مصير إنساني مشترك وترقب عالمي

إذاً؛ يشكل التغير المناخي تهديداً مستمراً لدول العالم أجمع، دون تمييز، وفقاً للباحث المصري محمد ربيع الديهي، غير أنّ "الخطر الأكبر هو ذلك الخطر الذي سوف يواجه الدول النامية، والتي تحتاج إلى مواجهة عنيفة لعملية التغير المناخي، وكذا الآثار الجانبية التي سوف تلحق بها في كافه المجالات، سواء كنا نتحدث عن ارتفاع في درجات الحرارة، مما يجعلها في حاجة لتغيير البنية التحتيه لمواجهة تلك التغيرات والتكيف معها، أو ارتفاع منسوب المياه نتيجه انهيار القطب الجليدي".

الباحث المصري محمد ربيع الديهي: الأمر ليس متعلقاً بهذه الكوارث فقط؛ بل إنّ التغيرات المناخية قد تمثل تهديدات وجودية لدول كاملة

ويتابع الديهي لـ"حفريات": "الأمر ليس متعلقاً بهذه الكوارث فقط؛ بل إنّ التغيرات المناخية قد تمثل تهديدات وجودية لدول كاملة، كما ستؤدي هذه التغيرات الكارثية إلى ارتفاع في معدلات الفقر والجوع حول العالم، وبخاصة في الدول النامية، وبالتالي، سوف يعيق ذلك عمليات التنمية في تلك الدول".

كما أنّ القضية الأكثر خطورة هنا، وفقاً للباحث المصري، تتمثل في استمرار الدول الغنية، والتي تمثل 1% من سكان العالم، باستخدام واتباع سياسات لا تخدم قضية المناخ؛ إذ تضع مصالحها الاقتصادية على حساب المصلحة العالمية والإنسانية المشتركة، وبالتالي؛ تتضاعف معدلات الانبعاثات الحرارية بما يعيق عملية مواجهة التغيرات المناخية، وتأثيراتها على التوازن البيئي والحيوي لكوكب الأرض.

الباحث في العلاقات الدولية د. مصطفى صلاح لـ"حفريات" : الدول النامية أكثر من يتأثر بالتغيرات المناخية، فهي بمثابة بيئة حاضنة لاستيراد المخلفات بمختلف أشكالها والتصحر والفيضانات

يتفق والرأي ذاته، الباحث في العلاقات الدولية الدكتور مصطفى صلاح، والذي يرى أنّ قضية التغيرات المناخية من القضايا المهمة والملحة لكافة دول العالم، وتزداد أهميتها بالنسبة للدول الصاعدة والناشئة والنامية، على حد سواء. ويردف لـ"حفريات": "بالنسبة للدول النامية؛ فإنّها أكثر الدول التي تتأثر بالتغيرات المناخية، إذ تعد هذه الدول بمثابة بيئة حاضنة لاستيراد المخلفات بمختلف أشكالها، بالإضافة إلى معاناتها من تراجع مستويات التنمية، وانتشار الجماعات المتطرفة التي تجد في الظواهر الطبيعية، مثل التصحر والفيضانات والكوارث الطبيعية، فرصة كبيرة للانتشار والتواجد، وهو ما يعني تهديد لأمن هذه الدول.

 

اقرأ أيضاً: كوارث البيئة تستبق قمة المناخ الــ 26 .. فهل تدفع نحو التزام جديد؟

ويضاف لذلك "عدم وصول التمويلات اللازمة الخاصة بالتحول نحو ما يعرف بـ"الاقتصاد الأخضر"، واستمرار اعتماد الدول الغنية على المواد المسببة للتلوث"، يقول صلاح.

كما أنّ تبعية الدول النامية للدول الكبرى يفرض عليها كثيراً من القيود، وتحديداً فيما يتعلق باستقبال الأوعية الاستثمارية في المجالات الاقتصادية، والتي تكون موجهة، بصورة محددة، لمجالات دون أخرى، حسبما يوضح الباحث في العلاقات الدولية، وذلك في ظل التنافس الاقتصادي المحتدم بين الدول الغنية والكبرى، الأمر الذي يعرقل بالنهاية جهود التنمية في الدول الأقل نمواً.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية