في وريقاته عن "كيفية تجنيد الأفراد في التنظيم" حثّ عبدالله العدم، أحد منظّري القاعدة، الجماعات السلفية الجهادية، على الابتعاد عن تجنيد من يثبت لديهم انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أنّ هذه القاعدة يبدو أنّها أسقطت، أو تعرضت لتغيرات، بعد "الربيع العربي"، أو أخذت منحى جديدًا بعد ثورة الـ30 من يونيو (حزيران) في مصر؛ حيث اقتربت أجنحة وشرائح من داخل الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان، من تخوم الأيديولوجية الجهادية، ومارست العنف المسلح، بعد الإطاحة بنظام الرئيس الإخواني، محمد مرسي، وما تبع ذلك من فض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة، ما فتح شهية "داعش"، و"القاعدة" لمحاولة إرث الحالة الإسلاموية المنكوبة، واستثمار فشلها في التوظيف في مسارات العنف المسلح الخالص.
ولم يمضِ سوى يومين، على إطلاق مصر حملة عسكرية شاملة، على بؤر الإرهاب في سيناء والدلتا، والظهير الصحراوي، حتى أفصح تنظيم "ولاية سيناء"، عن فيديو جديد، حمل عنوان "حماة الشرعية" أظهر فيه عدداً من المقاطع تظهر الشاب عمر، نجل القيادي الإخواني إبراهيم الديب، الذي هرب من البلاد في اتجاه تركيا عقب ثورة الــ30 من يوينو، وهو يروي تجربته في الانضمام إلى التكفيريين في سيناء.
وجّه التنظيم في سيناء ضربة للتنظيم الإخواني الذي أصر على نفي رواية الداخلية المصرية المتعلقة بالديب
وجّه التنظيم في سيناء بذلك، ضربة إلى التنظيم الإخواني، الذي أصر على نفي رواية الداخلية المصرية المتعلقة بــ"الديب" والتي جاءت عبر بيان صادر عنها، في أيلول (سبتمبر) 2017؛ إذ قالت إنها قتلت الشاب عمر المولود في 1994م، مع مجموعة من العناصر التكفيرية الهاربة من شمال سيناء، اتخذت شقتين سكنيتين بمنطقة "أرض اللواء" بمحافظة الجيزة وكرين للاختباء، وعقد لقاءاتهم التنظيمية والإعداد لتنفيذ سلسلة من العمليات الإرهابية بنطاق محافظات المنطقة المركزية.
افتضاح كذب الإخوان
تنظيم ولاية سيناء، أكد الرواية الرسمية المصرية، ووضع الإعلام الإخواني الذي قاد حملة في محاولة إثبات كذب تلك الرواية في موقف لا تحسد عليه؛ إذ قال التنظيم الإرهابي في سيناء، في إصداره المرئي أنّ نجل القيادي الإخواني سافر إليهم وانضم إلى صفوفهم من أجل ما وصفه بـ"نصرة الحق"، بعد مشاركة والده وأهله وأقاربه ومساندة "النظام الشركي" لجماعة الإخوان والرئيس المعزول محمد مرسي، على حد وصفهم.
لقد ساق الفيلم عدداً من المشاهد التي أذاعتها قنوات الإخوان في الخارج، منها تصريح على لسان والد الديب نفسه، وهو يتحدث عن ولده الذي كان لديه حلم كبير لمصر، إلا أن الأمن المصري قد اغتاله وحلمه... كما يظهر حمزة زوبع، القيادي الإخواني، معلقاً على قضية مقتل "الديب الابن" بأنّ الأجهزة الأمنية، أوقفته أثناء عودته من الدراسة في الخارج ثم قامت بتصفيته.
داعش: هاجر عمر لجنود الدولة بسيناء ليشفي صدره من جنود السيسي، وبعلن للدنيا أنّ السلمية عار
وبعد عرض تصريحات الإعلام الإخواني الكاذبة، يظهر صوت المعلق في الإصدار قائلاً: "عمر الديب شاب نشأ في أسرة إخوانية، وكان أبوه من رؤوس الإخوان الداعين إلى الديمقراطية، الصنم الذي يعبد من دون الله، كان عمر من المتحمسين لنصرة الدين، لكن دون علم يهدي لطريق الله المستقيم، فرح بالسلمية ودعا للديمقراطية، ظناً منه أن الإخوان يريدون للدين نصراً، ثم علم أن كان عاقبة كفرهم أن أذلهم الله، وأزال حكمهم في الوقت الذي فتح الله فيه الموصل بــ300 مقاتل".
ويتابع : "هاجر عمر لجنود الدولة في سيناء ليشفي صدره من جنود السيسي، ليعلن للدنيا أن السلمية عار وأن القتال طريق الأبرار". يظهر الفيلم "عمر" وهو يتحدث وسط عناصر في سيناء داعياً لإيصال السلام إلى "الخليفة أبو بكر البغدادي".. ثم يختم المعلق بقوله: "أرسل عمر إلى القاهرة في خلية أمنية فقدر الله له القتل بعد القتال"، في إشارة إلى دخوله وخليته اشتباكات مع القوات الأمنية مما أدى إلى مقتله.
ليست المرة الأولى
لم تكن المرة الأولى التي يكشف فيها المبايعون لداعش في سيناء، عن انتماء أحد شباب جماعة الإخوان المسلمين إليها، بعد أن يلقى حتفه، في تنفيذ عملية إرهابية انتحارية أو انغماسية، إلا أن ذلك لا يعني أن التنظيم التكفيري، يصعد هؤلاء الشبان من ذوي الخلفيات الإخوانية؛ إذ إن غالبية تلك الحالات لقيت حتفها مبكراً، ولم يثبت أنها صعدت إلى تراتيب تنظيمية عالية.
ففي قضية خلية مدينة نصر التابعة للقاعدة، والتي ألقي القبض عليها في أواخر العام 2012م، أدلى أحد المتهمين التونسيين في الخلية، ويدعي علي سعيد مارغني، باعترافات كشف فيها أنه ينتمي لحزب النهصة في تونس.
كما كشفت التحقيقات، التي أجريت معه عن عبوره الأراضي الليبية، قبل استهداف السفارة الأمريكية في ليبيا، فضلاً عن اعترافه في تحقيقات سابقة بوجود 4 قطع لحزام ناسف في الشقة محل الضبط، بمدينة نصر، التي داهمتها قوات الأمن قبلها بأيام.
منفذ الهجوم على الكنيسة البطرسية عام 2016 خرج من السجون المصرية على خلفية انتمائه للإخوان
وإذا كان ما سبق لا يقدم إشارة واضحة لاختراق جهادي لجماعة الإخوان إلا أنّ واقعة تخص أحد الأشخاص المنتمين للإخوان تكشف ذلك، ففي فيديو كشف عنه تنظيم " أنصار بيت المقدس"، أوضح نجاحهم في استقدام عناصر إسلامية من داخل الدلتا، التي لم تكن لديها خلفية جهادية لتنفيذ عمليات ضد الدوريات الإسرائيلية على الحدود أحدهم هو أحمد وجيه، الذي اعترف بأنه يتبع جماعة الإخوان المسلمين، والثاني هو بهاء زقزوق، القيادي في حركة "حازمون".
وبعد ثورة الــ3 من يونيو، ألقت أجهزة الأمن المصرية، القبض على، يحيي المنجي سعد حسين، وهو نجل قيادي إخواني في محافظة الدقهلية، شمال مصر، على خلفية تأسيسه وآخرين لفرع جديد لجماعة أنصار بيت المقدس في منطقة الدلتا، حيث اعترف الشاب بشكل مفصل عن كيفية تأسيسهم للفرع الجديد، واستهداف مبنى مديرية أمن الدقهلية عبر سيارة يقودها انتخاري.
كما أنّ الانتحاري منفذ الهجوم على الكنيسة البطرسية، في أواخر العام 2016م، محمود شفيق، كان ما يزال خارجاً من السجون المصرية على خلفية انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أنه كان نجح في التسلل للانضمام لتنظيم ولاية سيناء.
الحرب على الانتخابات الرئاسية
لكن هذا الإصدار حمل رسائل أخرى عديدة، تأتي جميعها في محاولة توجيه ضربات معنوية لخصومه من الجماعات الإسلامية، فذهب في البداية لإبراز مشاهد لجماليات الله الخالق في خلقه، ليستهل قصة الكون والإنسانية، وإبداع الله فيه، "فما الروح إلا من أمره وما حركة ولا سكون إلا بتدبيره".
وبصوت رخيم مصحوب بمشاهد طبيعية مختارة بعناية ينتقل المعلق بانسيابية إلى مفهوم تالٍ: " كما أن الله خلق الخلق، أخبرنا أن الحكم له، كما أن الخلق له" لينقل المشاهد إلى جوهر فكرة الحاكمية كما تؤمن بها تلك الجماعة.
يحلق المعلق مع الصور التي تظهر عبادة الخلق لغير الخالق، فتظهر الشاشة تمثالاً ضخماً لبوذا وعدد من الصور للبقر "هناك من أنكر أن تكون العبادة لهذا الخالق الكريم سبحانه، فصرفوا العبادة لمخلوقاته فمنهم من عبد البقر، ومنهم من عبد الصالحين وقدسهم، وزعم أن لهم الخلق والتدبير، ومنهم من عبد النبي عيسي بن مريم عليه السلام، ومنهم من عبد الحجر، وهو لا يضر ولا ينفع".
يقترب الفيديو من المغزى الحقيقي لإصداره وهو التحذير من المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة
في السياق الفائت يبدو الخطاب تقليدياً، حتى يربط الفيلم بين العبادات السابقة وبين عبادة "الديمقراطية صنم العصر"، في إشارة مؤكدة على أنها لا تختلف عما سبق، معللاً ذلك بأن دعاة الديمقراطية "ينازعون الله في الحكم، مع أن الله جعل التشريع له وحده دون منازع، وسمى المشرعين من دون الله شركاء".
يقترب المقطع إذاً من المغزى الحقيقي لإصداره وهو التحذير من المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يظهر القيادي في التنظيم أبو محمد المصري، ليطلق تهديداته العنيفة، بلهجة افتقدت للسكينة والهدوء الذي تحلى بها الشارح الرئيسي للمقطع.
يطيح الرجل بيديه وسبابته في الهواء : "ما عاد يخفى على أحد أن الانتخابات هي الشرك الأكبر، ما جرت عليكم إلا الذل والقهر عقوبة من الله، فإن الله قد بين لعباده طريق الحق من الباطل، ودلهم على طريق الحق ودلهم على طريق الغواية، وقد ظهر لكل عاقل أن طريق الشرك لا يأتي بالانتخابات أبداً، وأن التمكين لا يأتي إلا بالجهاد والاستشهاد".
ومن الهدوء الملاحظ إلى الإيقاع السريع تبدأ مشاهد الإرهاب والتفجير على وقع صوت النشيد "صليل الصوارم"؛ حيث يمتلئ الفيديو بعمليات تفخيخ الطرق عن بعد، عن طريق العبوات الناسفة، وقلة المشاهد التي تظهر الاشتباكات المباشرة.
يعود "المصري" مجدداً ليوجه رسالته الخطرة إلى عناصره في مصر: "إن طواغيت مصر يعدون هذه الأيام ليوم شركهم، يوم الانتخابات فأسدوا عليهم يوم شركهم، وأريقوا دماءهم، وأبدأوا برؤوس الفكر فيهم، ونحذر عامة المسلمين في مصر وسيناء، في هذه الأيام الشركية من الاقتراب من مقارات الانتخابات ومحاكمها ومقراتها وتجمعاتها في لنا هدف".
العملية الشاملة ومغزى التوقيت
مع أن المقطع الأخير لهذا الفيلم الدموي، تحدث عن الحملة الشاملة للقوات المسلحة المصري، إلا أن سياقه من البداية كان واضحاً فإنه كان معداً لإرسال رسائل إرهاب في مواجهة الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر، ومحاولة تعرية الجماعات الإسلامية التي وافقت على المشاركة في العملية الديمقراطية بعد الــ25 من يناير، كالإخوان والجماعات السلفية الأخرى، أو من استمرت في المشاركة بعد الــ30 من يوينو مثل حزب النور التابع لجماعة الدعوة السلفية، في محاولة منه لخلق حواضن شعبية محتملة له في صفوف تلك التيارات أو الموالين لها، أو لبدء التهيئة والتوطئة الشرعية والفكرية- كما هي عادته- قبيل شن ضرباته التي يذهب ضحيتها مئات المدنيين.
بدا أن التنظيم كان يعد لحملة من الهجمات على المقرات الانتخابية خلال انتخابات الرئاسية المقبلة
سرد الفيديو عدداً من المشاهد المقارنة للشيخ ياسر برهامي ومحمد عبدالمقصود؛ القياديين السلفيين، وهما يحرمان دخول الانتخابات والمشاركة في العملية السياسية ثم تتابع مشاهد أخرى يصرحان فيها عكس ما قالاه قديماً، "من أجل الوصول للتحكيم الشريعة بزعمهما، فما جنيا شريعة ولا زرعا إلا شركا"، وفق المعلق.
حول هذا المفهوم يظهر الفيديو أبو سليمان وهو الانتحاري الذي يريد أن يفجر نفسه في مدرعات للجيش المصري في شمال شيناء، فيسأله المحاور أين تذهب الحين: "إن شاء الله لكي نبيد الطواغيت عن بكرة أبيهم، كما أمرنا الله عز وجل لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد"، في إشارة إلى أن كل ما يقومون به من قتل يأتي لــ"حماية الشريعة".
بدا أن التنظيم كان يعد لحملة من الهجمات على المقرات الانتخابية خلال انتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما يكشف مغزى وتوقيقت الحملة الشاملة التي شنتها قوات إنفاذ القانون، ومباغتة التنظيم في أوكاره قبل أن يتمكن من تنفيذ ما كان يصبو إليه.