على تخوم الانتخابات بتونس.. قيس سعيّد يواصل معركته ضد “الإخوان”

على تخوم الانتخابات بتونس.. قيس سعيّد يواصل معركته ضد “الإخوان”

على تخوم الانتخابات بتونس.. قيس سعيّد يواصل معركته ضد “الإخوان”


12/03/2024

شيلان شيخ موسى وهشام الجندي

بينما قررت حركة “النهضة” إعلانها تأييد المرشح آنذاك قيس سعيّد وقت خوضه سباق الانتخابات الرئاسية في العام 2019 تجد نفسها في مواجهة الرئيس قيس سعيّد بشكل مباشر وتبحث عبر هامش طيف السياسة التونسية عن مرشّح يمكنها الارتكاز عليه ومواجهة سعيّد في غمار الانتخابات التي من المتوقع أن تكون خلال الثلث الأخير من العام الجاري بحسب تصريحات مسؤولينَ تونسيينَ لوسائل إعلام محلية.

استبق سعيّد الجميع وصرّح أكثر من مرة بحرص كيانات سياسية في إشارة واضحة لحركة “النهضة” وجبهتها الرديفة “جبهة الخلاص” على الحديث بإمكانية تأجيل الاستحقاق الانتخابي الرئاسي بيد أنه أكد في تصريحات رسمية أن الانتخابات ستُجرى في موعدها خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.

معركة محمومة مع “النهضة”

وقال الرئيس قيس سعيّد موجّهاً حديثه ولا ريب للنهضة وحلفائها قائلاً: إن “مَن دعوا إلى مقاطعة انتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب وانتخابات مجالس الجهات والأقاليم يعدّون العدّة بكل الوسائل للموعد الانتخابي القادم لأن لا هَمّ لهم سوى رئاسة الدولة متناسينَ ماضيهم القريب والبعيد الذي لم ينسه الشعب”.

هذا وقد أعلن فاروق بوعسكر رئيس هيئة الانتخابات التونسية، أن الانتخابات الرئاسية ستُجرى في موعدها بين شهري أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر المقبلين.

وقال إنه بمجرد الانتهاء من وضع المجالس المحلية التي لن تتجاوز مطلع شهر نيسان/ أبريل المقبل سيتبع ذلك مباشرة أن تُصدر هيئة الانتخابات قراراً يحدد رزنامة “جدول” المواعيد بصفة دقيقة نحو توقيتات انطلاق  الحملة الخاصة بالانتخابات الرئاسية وقبول الترشيحات الخاصة بالمرشحين المحتملين.

جاءت هذه التصريحات على خلفية حديث حركة “النهضة” الإخوانية وحلفائها وأطراف معارضة أخرى عن إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية وتحدثت عن توجّهٍ نحو اعتماد دستور 2022 بدلاً عن الدستور السابق 2014 لحساب الفترة الرئاسية القادمة التي تمتد على خمس سنوات الأمر الذي يعني إمكانية تأجيل إجراء الانتخابات الرئاسية إلى العام 2027 إذا اعتمدت هيئة الانتخابات الدستور التونسي الجديد.

في هذا السياق يذهب الأمين العام لـ”حزب التيار الشعبي”، زهير حمدي بقوله إن تونس تفصلها عن الانتخابات الرئاسية شهور قليلة، إذ تحدّد لها موعدٌ خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر القادم. 

يتابع زهير حمدي في سياق تصريحاته التي خص بها “الحل نت”، قائلاً، إن الاستعدادات قائمة لهذا الاستحقاق الانتخابي وبدأ من يعتزم التقدم للترشيح تجهيز أوراقه خاصة وأن اللحظة الحالية تتسم بحدود المواجهة الكاملة بين الرئيس قيس سعيد وحركة “النهضة” وحلفائها من جهة أخرى.

لا شك أن عديد الضربات التي تلقتها حركة “النهضة” من قبل الدولة التونسية منذ إجراءات تموز/ يوليو من العام 2021 وصولاً لأحكام السجن ضد عدد من قيادات الصف الأول لحركة “النهضة” دفعها للتحرك من خلال “جبهة الخلاص”. يضيف زهير حمدي.

تأجيج الرأي العام

ومن خلال ذلك يلفت أمين “حزب التيار الشعبي”، زهير حمدي أن “جبهة الخلاص” ستعمل حتماً على اختيار شخصية غير محسوبة بشكل مباشر على حركة “النهضة”  تتقدم المشهد الانتخابي، فضلاً عن مرشحين آخرين.

رغم أن “النهضة” اعتراها ضعف شديد نتيجة الأحداث خلال الأعوام الأخيرة ورغم عدم قدرتها على التأثير على الشارع وغلق مقرّاته وانشقاق عدد كبير من قياداته وتجميد وضعه المادي وبالتالي تستطيع الحديث عن مشاركة غير عميقة في الاستحقاق الرئاسي عن طريق أسماء المرشحين الذين ينتمون للحركة مباشرة ولكن بالطبع يمكن الحديث عن الولاءات المتعددة والشخصيات المستقلة والتي لها انتماء غير مباشر لحركة “النهضة”.

على أية حال والحديث لذات المصدر لـ “الحل نت”، ما زال الطريق يحتاج الكثير من الجهد والشهور القادمة في عمر البلاد يتطلب العمل الجاد من أجل تونس ومن أجل التخلص من عثرات “النهضة” والإسلام السياسي.

ربما من الهام متابعة النسق الرسمي الذي يصدر عن “النهضة” عبر اللجنة التنفيذية وأمينها العام، العجمي الوريمي من خلال بيانات منتظمة تصدر بين الحين والآخر ومنها البيان الذي صدر مع يوم التاسع والعشرين من شهر شباط/ فبراير الفائت واشتبك مع الوضع السياسي الداخلي وتطوراته وكذا الاستحقاق الانتخابي على منصب الرئاسة خلال العام الجاري والأحكام القضائية ضد قيادات “النهضة”. 

نحو ذلك أشار البيان إلى اجتماع اللجنة التنفيذية لـ “النهضة” عن بعد يوم الأربعاء 28 شباط/ فبراير 2024 لمناقشة أهم التطورات على المشهد السياسي الوطني والوضع في فلسطين. 

ولفت البيان أنه “يستنكر استمرار إصدار الأحكام القضائية ضد المعارضين السياسيين، ومخالفة الإجراءات، وغياب الضمانات، في تجاهل تام للجان الدفاع، ومنظمات حقوق الإنسان الوطنية، والتقارير الدولية”.

في هذا السياق “يدين الحزب عقوبة السجن الصادر في حقوالدكتور محمد منصف المرزوقي رئيس الجمهورية السابق والدكتور جوهر بن مبارك أحد قيادات جبهة الإنقاذ الوطني صدمة الدفاع والعائلات والرأي العام” طبقاً للبيان.

يمضي بيان “النهضة” في مواجهة الرئيس قيس سعيد من خلال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وحال الوضع في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ومن خلال ذلك يشير البيان إلى “تزايد معاناة رجال ونساء تونس من الفقر والبطالة ونقص السلع الأساسية إضافة إلى مسؤولية السلطات عن تصعيد توتر بين الاتحاد والحكومة بسبب غياب الحوار وتباين وجهات النظر والخلاف على الأولويات الوطنية”.

ويعرج البيان على المشهد الانتخابي ويعلق على حديث الرئيس سعيد ويقول “يعرب عن استيائه من هيمنة الهوس الانتخابي في الخطاب الرسمي الذي يرى المطالب الاجتماعية والسياسية المشروعة للمواطنين ليست سوى ‘تآمر وتواطؤ’، في اتهامات تستخدم مراراً وتكراراً للتهرب من تحمل المسؤولية ومعالجة الأزمة العميقة التي يعيشها شعبنا اليوم سياسياً وقانونياً، اقتصادياً واجتماعياً وخاصة من حيث مستويات المعيشة”.

من جانبه يذهب الكاتب التونسي مراد علاله في حديثه لـ “الحل نت” إلى أنه من الصعوبة أن تجد اثنان لا يتفقان على كون الرئيس قيس سعيد استطاع قلب معادلة الحكم في 25 تموز/ يوليو 2021 وخلق مزاجاً شعبياً معادياً للإسلام السياسي ورمزه المتمثل بحركة “النهضة” التي أطبقت على الحكم في البلاد منذ انتخابات 23 أكتوبر 2011، وقد بدا الرجل منذ ذلك التاريخ في طريق مفتوح لإرساء مشروعه السياسي مستفيداً من سمعته ومن ثقة طيف واسع في الشارع التونسي في شخصه وفي نظافة يديه مقابل الغضب من الأحزاب وحتى من الجمعيات والنقابات والشخصيات العامة.

هذا بالإضافة إلى انضباط مؤسسات الدولة وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية والأمنية وحتى القضائية رغم ما يشوبها من صعوبات وكذلك الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لكن مطبات ومتغيرات كثيرة برزت خلال السنتين الماضيتين جعلت الطريق إلى قصر قرطاج من أجل ولاية رئاسية ثانية غير معبّدة وغير سالكة، وفق ما يضيفه علاله.

أضف إلى ذلك والحديث للمصدر ذاته أن الانتخابات الرئاسية في تونس لها طعم ومكانة خاصة لدى التونسيين الذين لم يتخلصوا من عقدة الأب تقريباً وتمّت ترجمة ذلك في الدستور الجديد وهذا ما يحفّز الاهتمام بالانتخابات الرئاسية ويحرّض الجميع على المشاركة فيها بأي شكل من الأشكال.

الانتخابات "وقوداً" للإخوان

ورغم الضعف الظاهر الذي أصبحت عليه “النهضة” بحكم خروج الكثيرين من التنظيم وإقدام بعضهم على تأسيس حزب جديد (العمل والإنجاز لرئيسه عبد اللطيف المكي)، وإحالة أغلب قادة الصف الأول على القضاء بتهم مختلفة منها الإرهاب والتسفير والاغتيال السياسي وتبييض الأموال مع استمرار إغلاق المقرات ومنع النشاط العلني، تتواصل معركة كسر العظام بينها وبين السلطة ولسنا نبالغ حين نقول إن الانتخابات الرئاسية ستكون أيضاً وقوداً في هذه المعركة.

يلفت الكاتب الصحفي مراد علاله إلى أن قادة “النهضة” الحاليين ومن بينهم الأمين العام العجمي الوريمي يستبعدون أن ترشّح الحركة أحد أبنائها لهذا الاستحقاق لكنهم لا ينفون دعم مرشح عن العائلة الديمقراطية – هكذا- وهذا هو الطعم الذي تقدمه الجماعة لكل من تخوّل له نفسه ويبدي استعداداً لمنافسة خصمهم اللدود الرئيس قيس سعيد.

وما يخدم “النهضة” في هذا السياق ثلاثة عناصر. العنصر الأول، هو أن “النهضة التي لها في تقديرنا وجه ثان متمثّل في جبهة الخلاص باعتبار أن مكونات هذه الجبهة، إذا استثنينا شخصية او اثنين، جميعهم من أبناء التنظيم سواء الملتزمين به إلى اليوم أو القافزين من مركبه في الفترة الماضية، وبالتالي وبلغة الأرقام فإن عائلة الإسلام السياسي لها خزان انتخابي حصري قد يتجاوز الربع مليون ناخب منضبط وجاهز لتلبية النداء. كما أن وجود بعض العناصر خارج تونس واستمرار المحور الدولي المساند للإخوان المسلمين في دعم الجماعة ببلادنا وخاصة إعلامياً يساعدها على البقاء والنشاط”.

ثانياً، حصاد الفترة التي حكم فيها الرئيس قيس سعيد بمفرده لم تنسي التونسيين السنوات العجاف فالأزمة الاقتصادية والاجتماعية جاثمة والحلول الجذرية تكاد تكون غائبة في الأفق وانضافت إلى ذلك تقييمات سلبية رائجة بقوة لواقع الحريات وكثرة الإيقافات والمحاكمات واستمرار شيطنة الوسائط التقليدية أي الأحزاب والمنظمات والنقابات والغضب من الإدارة ومن المرفق القضائي ومن رجال الأعمال وغيره وهذه هدية تلقفتها الجماعة وجميع معارضي الحكم في تونس الآن وهم يبنون على أساسها تكتيكاتهم.

ثالثاً، وجود بعض الأحزاب والنشطاء السياسيين معنيين بشكل أو بآخر بالانتخابات الرئاسية وينقسمون إلى صنفين، صنف لا يتحالف مع “النهضة” لكنه يعارض رئيس الجمهورية قيس سعيد وبشّدة، وصنف لا يجد حرجاً في التعامل والتحالف مع الإسلام السياسي تحت يافطة “تقاطع المصالح” في هذه المرحلة وفي الحالتين قد تستفيد الجماعة أكثر من غيرها.

يختتم الصحافي التونسي مراد علاله تصريحاته إلى “الحل نت” بقوله إن “النهضة ستتحرك في المرحلة القادمة ليس على أساس برنامجها الذي جُرّب وخاب ولكن على قاعدة كشف نقائص حكم الرئيس قيس سعيد والمراهنة على خصومه وتشجيعهم وخطب ودّهم والاستفادة من معاداتهم له لتحقيق جملة من الأهداف لعل أهمها حسب رأينا الانحناء للعاصفة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة البناء وهذه ميزة جماعات الإسلام السياسي منذ بروزها منتصف القرن الماضي وهو ما يجب أن ينتبه إليه الجميع، في الحكم والمعارضة على حد السواء”.

وفي غضون ذلك ونظراً لطبيعة سير الزمن القضائي في تونس فإن حلّ “النهضة” وارد قانونياً لكنه مرتبط بتسريع السلطة للإجراءات خصوصاً مع البت في القضايا الجزائية المرفوعة ضد قادتها والأرجح في تقدير علاله أنها ستظل في حالة الاستثناء الذي هي عليه الآن من منطلق أن الحذر واجب إلى أن يأتي ما يخالف ذلك كما يقال، فالمشهدية في تونس مفتوحة على كثير من السيناريوهات التي لن تخرج بحكم طبيعة المجتمع التونسي عن الإطار المدني والسلمي.

عن "الحل نت"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية