أجرى الحوار: حامد فتحي
منتصف شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري، فجّر برلمانيون معارضون في تركيا، فضيحة تفتيش المعتقلات عاريات في السجون التركية، في انتهاك واضح لحقوق النساء، وهي الفضيحة التي أنكرتها برلمانية عن حزب العدالة والتنمية، قبل أن تعترف مديرية السجون بالواقعة.
وبرّرت المديرية هذا الفعل المشين بما جاء في بيانها من أنّ "عملية التفتيش الدقيقة هي ممارسة استثنائية، وبمثابة إجراء احترازي، تقبله المنظمات الدولية، وتنفّذه العديد من الدول".
وما فات عن المديرية أنّ التفتيش العاري لم يقف فقط عند السجينات، بل طال النساء اللاتي يزرن أزواجهن المحتجزين على خلفية الانقلاب المزعوم، عام 2016، كما أنّ التفتيش العاري تكرر أكثر من مرة مع السجينات، وفي ظلّ وجود كاميرات مراقبة، على الرغم من وجود آليات عديدة للتأكّد من عدم حمل النساء أية مواد ممنوعة.
وما يجعل هذه الجريمة أشدّ وقعاً؛ أنّها جاءت من نظام يدّعي أنّه ممثل الإسلام، وناصر المسلمين، بينما ممارساته القمعية لم تحترم أياً من القيم الإسلامية والإنسانية، التي طالما صدع العالم بها.
قامت حارسة ترتدي قفازاً طبياً بتحسس جسدي كاملاً، ثم أعطوني رداء المستشفيات، وارتديته فوق جسدي العاري، وكان كاشفاً، وجعلوني أسير أمام جنود ذكور
وشجّع الكشف عن واقعة انتهاك حقوق السجينات الأخيرة، في آب (أغسطس) الماضي، عدداً من السجينات السابقات للحديث عن تجاربهن في السجون التركية.
وكان لـ "حفريات" حوار مع السجينة السابقة، المحامية، بتول ألباي التي اعتُقلت عام 2017، على خلفية محاولة الانقلاب المزعوم.
وكشفت ألباي في الحوار عن أنها تعرضت للتفتيش العاري، والإذلال أمام الجنود، ولم تستطع الحديث عن محنتها إلا بعد مرور عامين، حين قرّرت تسجيل فيديو عن معاناتها، ورفع قضية أمام القضاء، في سبيل منع هذه الانتهاكات، كي لا تتعرض امرأة أخرى لمثل هذه الإهانة.
هنا تفاصيل الحوار
ما التهمة التي دخلت السجن بسببها؟ وكم مكثتِ في السجن؟
تمّ اعتقالي في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2017، على خلفية التحقيقات التي أجرتها السلطات، عقب محاولة الانقلاب، بتهمة الانتماء إلى جماعة غولن، وقضيت 6 أشهر و22 يوماً في السجن.
عقب القبض عليكِ، هل تمّ توجيه اتّهامات رسمية بحقّك؟ وهل حظيتِ بمحاكمة؟
لم يحدث؛ لم يتم توجيه اتهامات محددة، سوى الاعتقال التعسفي بدعوى الانتماء إلى حركة غولن، ولم يُسمح لي بالاطلاع على هذه التهم، التي يُحتفظ بها في مكتب المدعي العام فقط، وتكرّر الأمر نفسه مع جميع المعتقلين والمعتقلات على خلفية التحقيقات الجارية حول حركة غولن.
وحُرمت من حقوقي كسجينة، في مسار قضائيّ واضح، ولم أستطع التدقيق في الأدلة الموجهة ضدّي؛ لذلك لم أحظ بمحاكمة عادلة، وكلّ شيء سار بالمخالفة للقانون.
وما الانتهاكات التي تتعرّض لها السجينات، وعن ظروف السجن خاصّة بالنسبة إلى السجينات اللاتي اضطررن لاصطحاب أطفالهنّ الرضع؟
تعيش السجينات في ظروف سجن قاسية جداً، فالسجن الذي احتجزن فيه لم يكن مخصصاً للنساء، بل كان للرجال، وخصّصوا فيه أربعة أجنحة للنساء.
وكان معي، في العنبر، سجينات بصحبة أولادهن الصغار، معتقلات للتهمة نفسها؛ وهي الانتماء لحركة غولن، وكان الأطفال ينامون إلى جانب أمهاتهم، في عنبر مزدحم جداً، لم يكن يتسع سوى لـ 8 أفراد، ورغم ذلك كنت أنا السجينة رقم 18، واضطررنا للنوم متلاصقات، وبيننا الأطفال الصغار.
وكانت المعاناة أشدّ على السجينات الأمهات، بسبب حاجتهن لرعاية الأطفال في ظروف قاسية جداً، فكنّ يعانين من أجل تأمين ملابس نظيفة للأطفال، ولم تتح إدارة السجن لهنّ الماء الساخن لغسل ملابس الأطفال، إلا لأوقات محددة، خلال يومين في الأسبوع، وبالمشاركة مع بقية السجينات في العنابر الأخرى، فكان لكلّ واحدة 8 دقائق أسبوعياً، للاغتسال، بما في ذلك من كنّ بصحبة أطفالهنّ، وزاد الأمر الافتقار للخصوصية، مع وجود متطلبات خاصة للنساء.
ونحن، كسجينات، اشترينا غسالة ملابس من أموالنا الخاصة لنخفّف العبء عن أنفسنا، خاصة عن الأمهات السجينات، ولم تنشأ إدارة السجن حضانة للأطفال إلا مؤخراً.
وهل تروين لنا ماذا حدث معك؟
صدر أمر بالقبض بحقّي من محكمة الصلح الجزائية، في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) لعام 2017، وأُرسلت إلى مؤسسة موغلا الجزائية، وهناك قامت حارستان بإجباري على التعري، وتفتيشي عاريةً.
كانت المعاناة أشدّ على السجينات الأمهات، بسبب حاجتهن لرعاية الأطفال في ظروف قاسية جداً، فكنّ يعانين من أجل تأمين ملابس نظيفة للأطفال
وقامت حارسة ترتدي قفازاً طبياً بتحسس جسدي كاملاً، ثم أعطوني رداء من أردية المستشفيات، وارتديته فوق جسدي العاري، وكان كاشفاً، وجعلوني أسير أمام جنود ذكور، وفحصوني بجهاز أشعة إكس، ثم أعادوني إلى عنبر الاحتجاز.
ورغم أنّني محامية، ووقتها كنت أمارس المحاماة منذ عامين، وأعرف حقوقي، لكن لم استطع الاستئناف ضدّ العقوبة.
بعد عامين قررتِ الكشف عمّا تعرضتِ له، فلماذا الآن؟
بعد عامَين على إطلاق سراحي، جمعت أخيراً شتات نفسي، وقررت الحديث عن الإهانة التي تعرضت لها في السجن، ومصممة على الدفاع عن حقي، لمنع تعرض أيّة امرأة لما سبق أن عانيت منه، وأنا ماضية في التجهيز لتقديم شكوى جنائية بحقّ المسؤولين عما حدث.
تأتي انتهاكات النظام التركي بحق السجينات في وقت تشهد فيه تركيا ارتفاع معدلات العنف ضدّ المرأة؛ فهل تشجع هذه الانتهاكات على زيادة هذا العنف في المجتمع؟
للأسف، تشجع الانتهاكات التي تقوم بها الحكومة بحقّ النساء على تنامي العنف ضدّ المرأة بين الذكور في المجتمع.
وعلى الرغم من أنّ تركيا أول دولة وقّعت، وصادقت، على اتفاقية إسطنبول، لعام 2011، بشأن منع ومكافحة العنف ضدّ المرأة والعنف المنزلي، إلا أنّها تتبع سياسة تشجع على تنامي العنف ضدّ المرأة؛ مثل تقديم مشاريع قوانين إلى البرلمان تسمح بزواج الأطفال، والعنف ضدّ الأطفال، وهو ما يكشف حقيقة موقف أردوغان وحكومته من المرأة.
ولذلك يمكن القول؛ إنّ الانتهاكات التي تتعرض لها السجينات هي نتيجة هذه السياسية.
يروّج أردوغان لنظام حكمه على أنّه تعبير عن القيم والرؤى الإسلامية، بينما يخالف قيم الإسلام بممارسات حكومته ضدّ السجينات؛ ألا يكشف ذلك زيف دعواه؟
حكومة أردوغان تتبنى قيم عدّة، لكنّ ممارساتها تخالف ما تدعو إليه؛ ففي عام 2013؛ رفعوا الحظر المفروض على الحجاب، وذلك أمر جيد، لكنّهم من قاموا بتعرية النساء المحجبات في السجون.
من خلال تجربتك في السجن، ومعرفتك بظروف السجون، ما تأثير هذه الظروف على حياة السجناء، خصوصاً في ظلّ انتشار جائحة كورونا؟
بسبب موجة الاعتقالات الكبيرة، بعد 15 تموز (يوليو) 2016، زاد عدد النزلاء في السجون بدرجة ملحوظة، وأغلبهم اعتقلوا على خلفية التحقيقات في قضايا تتعلق بالإرهاب، كما زعموا، وبسبب ذلك أصبح ازدحام السجون مشكلة كبيرة.
وهذه المشكلة أصبحت أكثر خطراً مع تفشي جائحة كورونا، وأصيب العديد من السجناء بالعدوى نتيجة ذلك، وأصبح الحصول على رعاية صحية صعباً جداً، ولو احتاج السجين رعاية طبية، فعليه الانتظار لمدة تصل إلى شهرين، هذا إن حصل عليها.
ومن السجناء الذين ماتوا بسبب كورونا، وعدم حصولهم على العلاج اللازم، مصطفى كاباكجي أوغلو، على سبيل المثال، الذي مات وحيداً في زنزانة العزل، وللأسف في ظلّ هذه البيئة اللا إنسانية تحدث كوارث بحقّ السجناء، لا يمكن تلافيها.
عقب محاولة الانقلاب المزعوم، في 15 تموز (يوليو) 2016، أطلق أردوغان حملة اعتقالات، طالت عشرات الآلاف من المعلمين والموظفين والمدنيين، وآلاف النساء؛ هل شارك هؤلاء المدنيون شاركوا في الانقلاب، أم إنّ أردوغان استغلّ الحادث ليفرض هيمنته على تركيا؟
لم يُحاكَم معظم المعتقلين بتهمة المشاركة في محاولة الانقلاب، رغم الادّعاءات الرسمية التي اتّهمت منظمة غولن بالوقوف وراء ذلك.
وأغلب من تمت محاكمتهم كانت تهمتهم الانضمام إلى جماعة إرهابية، في إشارة إلى حركة غولن، التي صنفتها السلطات جماعة إرهابية.
والأمر المثير للدهشة؛ أنّ معظم الجنود الذين اتُّهموا بالمشاركة في الانقلاب تمّت تبرئتهم من تهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية، أي جماعة غولن، وهو ما يُشكك في صحة اتّهام جماعة غولن بالوقوف وراء محاولة الانقلاب.
وأحد العناصر الجوهرية لاتهام جماعة ما بالإرهاب، هو ممارسة العنف، وفرضاً لو كان الجنود الذين قاموا بمحاولة الانقلاب محسوبين على حركة غولن، فالحركة ليست مسؤولة عن تصرفهم، فالعنف والقوة ليسا من ضمن مبادئها، ولسوء الحظّ؛ لا توجد بيئة قانونية في تركيا هذه الأيام.