خطاب منير: هل تمتد انقسامات الإخوان إلى تيارات أخرى داخل الجماعة؟

"الحكومة الموازية" و"البرلمان الموازي" مناورة نفذتها جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة إرهابية في بعض الدول، على مدار تاريخها لشقّ الصف الوطني وإثارة الانقسامات والتوترات في مصر وليبيا وغيرها من الدول، إلّا أنّها لم تتخيل أبداً أن تنقلب عليها، ويصبح لديها مرشدون وجبهتان؛ في لندن بقيادة إبراهيم منير، وفي إسطنبول بقيادة محمود حسين.

وفي أحدث صورة من صور الانقسام الذي ينخر في صفوف الجماعة، أصدر منير يوم الجمعة الماضي بياناً يحمل رسائل متعددة الوجهات، هاجم من خلاله من سمّاهم بـ"الناقدين" ومتورّمي الذات، بعد وصلات من الاتهامات المتبادلة بينه وبين حسين.

 لم تكن جماعة الإخوان المسلمين محصّنة ضد الانقسامات الداخلية على مدار تاريخها، ففي عام 1940 سجلت أوّل انقسام لها بعدما أعلن القيادي الإخواني محمد خميس انشقاقه عن التنظيم، وفضح مؤسسها حسن البنا بعد تلقّيه تبرعاً من شركة قناة السويس التي كانت وقتها تحت هيمنة الاحتلال البريطاني، ورفضه تكوين هيئة لمراقبة المال تكون مسؤولة أمام التنظيم عن أوجه ومصادر التمويل والإنفاق. وبعد مرور نحو (84) عاماً على أوّل انشقاق، تكرر المشهد في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وكان السبب الرئيسي المال، لكن على خلاف المرات السابقة، فقد حدث الخلاف على أراضٍ غير مصرية، في لندن حيث جبهة إبراهيم منير، وإسطنبول حيث جبهة محمود حسين. 

في أحدث صورة من صور الانقسام الذي ينخر في صفوف الجماعة، أصدر منير بياناً يحمل رسائل متعددة الوجهات

غير أنّ العديد من المحللين يتوقعون أن يكتب الانقسام هذه المرّة كلمة النهاية للجماعة التي قارب عمرها الـ (100)، وينزع ورقتها الأخيرة.

لا أفق للحل

نُذر نهاية جماعة الإخوان المسلمين باتت أكثر وضوحاً في ضوء الصراعات القائمة، حيث أكد الباحث في الحركات الإسلامية والإرهاب، أحمد سلطان، في تصريحات لـ"حفريات"، أنّ "الانقسام متجذّر، وهو انقسام هيكلي داخل الإخوان، ولا أفق لحلّه".

 وكشف سلطان أنّ "منير تواصل مؤخراً مع مسؤولي أقطاب الإخوان، وتحدّث بشكل واضح عن حسم مسألة الخلاف"، في إشارة إلى الصراع مع جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين.

اقرأ أيضاً: إبراهيم منير يقر بالانقسام في صفوف الإخوان ويغازل الجماعة ببيان مطول

 وأضاف الباحث في الحركات الإسلامية والإرهاب أنّ منير "استعان ببعض القيادات لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين في الداخل - مصر-، وأوكل إدارة الداخل إلى إدارة اللجنة الإدارية العليا في الداخل"، مشيراً إلى أنّ "الخارج بقي منفصلاً عن الداخل من حيث تسيير الأوضاع الروتينية."

  من يدير التمويل يحكم الجماعة

رغم أنّ التنظيم المالي لجماعة الإخوان المسلمين ما يزال لغزاً كبيراً، غير أنّه من المعهود لدى التنظيم أنّ من يدير التمويل والنظام المالي يحكم الجماعة، إلّا أنّ الجماعة انقسمت حتى في ذلك، حيث إنّ "لكلّ جبهة مصادر تمويلها"، وفقاً لسلطان.

 وأوضح الباحث أنّه "حالياً كلّ جبهة تدير مصادر تمويلها عن طريق مكاتبها الإدارية الخاصة، وخاصة عن طريق مكاتب رابطة الإخوان المصريين بالخارج"، مشيراً إلى أنّ "مكاتب رابطة الإخوان بالخارج أغلبهم مع إبراهيم منير."

الباحث في الحركات الإسلامية والإرهاب، أحمد سلطان في تصريحات لـ"حفريات": الانقسام داخل الإخوان متجذّر، وهو انقسام هيكلي، ولا أفق لحلّه

 وقال سلطان: إنّ "مصطفى طلبة هو الرقم الصعب في هذه المعادلة، لأنّه مسؤول الاشتراكات في السعودية والخليج، وهم ذوو الثقل الأكبر للتمويل حالياً، كما أنّه قيادي في التنظيم الدولي، وكان مسؤولاً عن الإشراف على نقل وتأمين تحويل الأموال للجماعة".

وأشار سلطان إلى أنّه "يبدو أنّ منير حسم الخلاف بشكل أكبر بنسبة 80%، خلافاً لما يُروَّج له في بعض المنصات الإعلامية بأنّ محمود حسين هو الأقوى، وأنّه ممسك بتلابيب التنظيم."

 وتابع: "ببساطة منير كان يتحرك بشكل دؤوب خلال الفترة الماضية، ولا يتحرك بمفرده، حيث كان يتحرك مع مجموعة من القيادات الإخوانية الناقمين على محمود حسين من شتى الجبهات والجهات، وقد حسم بشكل كبير التأييد داخل رابطة الإخوان المسلمين بالخارج ومكاتبها الخارجية"، موضحاً: "في بداية الخلاف كان مع منير (8) مكاتب، وأعتقد أنّ العدد زاد في الوقت الحالي."

سلطان: حالياً كلّ جبهة تدير مصادر تمويلها عبر مكاتبها الإدارية الخاصة، وخاصة عبر مكاتب رابطة الإخوان بالخارج

  وفي حين أقرّ منير ضمنيّاً بالانقسام الحاد في صفوف الجماعة، دعا في رسالة مطوّلة، بمناسبة الذكرى الـ94 على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، أعضاء التنظيم إلى الصمود، والتمسّك بالشقّ السياسي والدعوي للجماعة، قائلاً: "حدثوني بربكم أيّها الإخوان: إذا كان الإسلام شيئاً غير السياسة، وغير الاجتماع، وغير الاقتصاد، وغير الثقافة... فما هو إذن؟".

اقرأ أيضاً: بعد صراع جبهتي منير وحسين.. هل انهار مشروع الإخوان الاقتصادي؟.. دراسة جديدة تجيب

 وأعرب سلطان عن اعتقاده بأنّ الانقسام "سوف يستمر"، قائلاً: "سوف يمضي منير في طريقه، ويمضي محمود حسين إلى مزيد من التكلس"، مشيراً إلى أنّ "محمود حسين ومجموعته سوف يؤسّسون مجموعة أشبه بحزب السعادة التركي التي هي أكثر راديكالية من حزب العدالة والتنمية الإخواني في تركيا."

 بيان منير: خطاب أسبوعي أم رسائل متعددة الجهات؟

لم يخلُ خطاب إبراهيم منير، الذي عنونه بـ"رسالة إلى الصف"، من الرسائل المتعددة الجهات التي لا تقتصر على خصم أو جهة معينة، وقال سلطان: هذا الخطاب "واحد من سلسلة الرسائل التربوية الأسبوعية التي يرسلها منير، وهذه الرسالة أيضاً تمّ تسجيلها كفيديو وإرسالها إلى المنصات الإعلامية التابعة لجماعة الإخوان"، وأكد أنّها تحمل في طياتها العديد من الرسائل إلى جهات مختلفة.

 وبخصوص من يقصد منير بـ"الناقمين" و"تورّم الذات"، يرى سلطان أنّها ربما "تكون رسالة واضحة لدولة خليجية، انتقد أحد أمرائها الإخوان"، موضحاً أنّ منير "أرسل رسالة ضمنية أنّهم مستعدون للحوار مع هذه الدولة الخليجية، ولا مانع لديهم من الجلوس مع من تبيح هذه الدولة، وتخفيف النقد الموجّه لها، في سبيل تطبيع العلاقات معهم من جديد، خاصة أنّ جماعة الإخوان مهتمة بشكل خاص بمنطقة الخليج، وهي المنطقة الأكبر في مصادر تمويل الجماعة في الوقت الراهن."

اقرأ أيضاً: لا منير ولا حسين: جبهة إخوانية ثالثة تسعى لقيادة التنظيم

 وعن "المنهج المتدرّج" الذي دعا إليه منير أعضاء الجماعة المحظورة، أوضح سلطان أنّه محاولة جديدة لتغيير صورة التنظيم على "أنّه جماعة متدرّجة لا تنتهج العمل المسلّح الذي يؤمن بفكرة التغيير السريع... وفي الوقت نفسه، هذه مغازلة، حيث يؤكد منير لمتابعي الجماعة والجهات الرسمية في الدول المختلفة أنّهم ملتزمون بنهج محدد يطلقون عليه النهج السلمي"، معتبراً أنّ ذلك "مؤشر جديد على الخلاف التنظيمي، حيث إنّه بعث برسالة ضمنية أنّه لا يضمّ المجموعات الشبابية التي كانت تنتهج العمل المسلح لأنّها منبوذة دولياً، وبالتالي، هذا نوع من طمأنة الحلفاء وليس أكثر."

وعمّا إذا كان يقصد محمود حسين بـ"الناقدين" و"تورّم الذات"، قال سلطان: إنّ "الإخوان دائماً يوجهون رسائل متعددة الوجهات، لا تقتصر على الأعضاء".