حوادث القطارات في مصر ... تكرار أكسب الكارثة اعتيادية.. فمتى تنتهي؟

حوادث القطارات في مصر ... تكرار أكسب الكارثة اعتيادية.. فمتى تنتهي؟


19/04/2021

ترقب المصريون، أمس، خبر إقالة أو استقالة وزير النقل اللواء كامل الوزير، ليس لأنّ الحادث الذي وقع عصر أمس بخروج قطار متجه من القاهرة إلى المنصورة عن القضبان، وانقلاب عدد من عرباته، مخلفاً قتلى وجرحى وذعراً، هو الأول من نوعه، فقد اعتاد المصريون على تلك الحوادث من كثرة تكرارها، غير أنّهم توقعوا أنّ تكرارها لـ3 مرات خلال فترة لا تتعدى الشهر، تتطلب وقفة أو ردّ فعل ما.

اقرأ أيضاً: إصابة 15 شخصاً في حادث قطار جديد بمصر... ما القصة؟

تابع المصريون على مدار اليوم أخبار القطار المنقلب، شاهدوا عمليات الإنقاذ حية من موقع الحادث بفعل تقنية الـ"لايف"، ووصول المحافظ ثم وزير النقل كامل الوزير، كما تابعوا التقارير والصور التي ظل الصحفيون الميدانيون ينقلونها من موقع الحادث، قبل أن يخفت تأثيره وتختطف مباراة قمة بين "الأهلي والزمالك" الأضواء.

وفيما عدّ البعض أنّ الحكومة المصرية محظوظة لتزامن الحادث مع مباراة شعبية تكتسب زخماً ومتابعة، لتقلل من وقع الحادث الذي أسفر عن سقوط 11 قتيلاً و97 جريحاً، وفق الأرقام الرسمية، أو 16 قتيلاً بحسب ما نقلته بعض الوسائل الإعلامية عن مصادر طبية، غير أنّ الحكومة المصرية ترى أنّ مسؤولية الحوادث لا تقع عليها، وأنّ الاستياء الشعبي لا بدّ أن يخفت على الأقل حتى يتجدد مع الحادث التالي.

الرئيس المصري أمر بتشكيل لجنة للتعرف على أسباب وقوع الحادث (رويترز)

وربما في مشهد وزير النقل من موقع الحادث مؤشر كبير على ذلك، فقد انتقل الوزير محاطاً بحراسة مشددة، وحين واجهه أحد المواطنين يسأله عن "أرواح الناس" في إشارة إلى الأرواح التي سقطت، بدا الوزير ثابتاً، ودار حوار لم تنقل الكاميرات تفاصيل نبرته وكلماته، قبل أن يُبعد الأمن والزحام المواطن البسيط ليواصل المسؤول جولته.

وفي تصريح من موقع الحادث، شدد وزير النقل على أنّه "لن يهرب من المسؤولية"، وعلى خلاف ما قد يتبادر إلى الأذهان للوهلة الأولى من أنّ تصريحه ينمّ عن تمهيد للاستقالة، وأنه لن يهرب من مسؤولية الحادث، فإنّ مراجعة حوار سابق له قبل أسابيع قليلة من حادث الأمس، وبعد أيام من وقوع حادث تصادم قطارين في سوهاج شدد  خلاله على أنه لن يهرب، بمعنى أنه "لن يستقيل"، وأنه جندي لم يعتد الهروب من الميدان.

أولى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للبنية التحتية والطرق والأنفاق أولوية خاصة في رئاسته، تتمثل في خطوط طرق وكباري جديدة

أي إنّ المسؤولية التي يقصدها الوزير هي مسؤولية الوزارة، وخطة تطوير النقل القائمة على 3 مراحل لن يبلغ مستقلو القطار بموجبها حد الأمان إلا في حزيران (يونيو) 2022، عند تمام مرحلتها الثانية، والمتمثلة في "تطوير الإشارات على خطوط السكك الحديدية، فهناك 3 خطوط رئيسية بإجمالي 2000 كيلومتر تقريباً (القاهرة ـ أسوان)، و(القاهرة ـ الإسكندرية)، و(بنها- بورسعيد)، التي يتم العمل على تطويرها الآن، وتقوم بذلك 3 شركات عالمية بالتعاون مع شركات مصرية متخصصة، ومن المتوقع انتهاء العمل منها بالكامل في حزيران (يونيو) 2022، وستكون خطوطاً آمنة بالكامل، تعتمد على المعدات دون تدخل العنصر البشري"، بحسب الوزير خلال حواره مع مؤسسة أخبار اليوم.

ولحين الانتهاء من تلك المرحلة، فقد كان الوزير قد وعد في خضم الاستياء الشعبي بعد حادث سوهاج الذي أسفر عن 18 شخصاً وجرح نحو 200 آخرين في 26 آذار (مارس) الماضي، خلال الحوار ذاته بعدم وقوع "حوادث كبيرة" مرّة أخرى، لكنه لم يستبعد وقوع الحوادث الصغيرة، التي تُسقط مصابين دون القتلى.

وفيما استطاع الوزير أو أمهله الحظ لأن يفي بوعده في أول حادث وقع بعد حادث سوهاج حين خرج قطار عن القضبان مسفراً عن 16 مصاباً فقط، في 15 نيسان (إبريل) الجاري، جاء حادث أمس الذي خلف قتلى بينهم مستشار قضائي، ليسلب المصريين ميزة الوعد الوزاري الذي يشير إلى أنّ استقلالهم للقطار قد يخلف لهم عاهة لكنه لن يودي بحياتهم.

وأولى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للبنية التحتية والطرق والأنفاق أولوية خاصة في رئاسته، تتمثل في خطوط طرق وكباري جديدة، في تطوير باتت بعض آثاره ملحوظة، فيما تطرح التساؤلات حول التوقيت الذي ستنتقل فيه تلك التطويرات إلى محور مهم وحيوي مثل السكك الحديدية.

اقرأ أيضاً: مقتل 65 شخصاً وإصابة العشرات في حريق قطار بباكستان

وقد كان اختيار الرئيس المصري لوزير النقل الحالي دليلاً على عنايته بالمنظومة، إذ يُعدّ الوزير من أقرب الشخصيات إلى الرئيس وموضع الثقة لديه، والذي اعتاد الظهور خلال مشاريع القوات المسلحة شارحاً تفاصيلها في المؤتمرات العامة، ليوجه الرئيس كلمته الشهيرة "شهرين بس يا كامل"، أو أي مدة يرغب الرئيس في تقليصها لإتمام المشاريع، ليجيب الأخير ثم يفي، وقد كان رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة قبل خلعه البذلة الميري لتولي حقيبة النقل في آذار (مارس) 2019.

اقرأ أيضاً: بعد حادثة القطار.. قتلى وجرحى في انهيار مبنى في القاهرة

واستبشر المصريون بتولي "كامل" المسؤولية، غير أنّ استمرار الحوادث أحبط آمال التجديد السريع، وجعل البعض يطالب بضرورة مساءلة وزير النقل، ولو داخل البرلمان، كما دعت الإعلامية لميس الحديدي خلال برنامجها الفضائي عقب الحادث الأخير.

غير أنّ رد الفعل الساكن عقب الحادث، يحيل الموقف إلى ما سبق أن أكد الرئيس ومن بعده الحكومة ووزير النقل على  فلسفته، من أنّ ما يحدث من حوادث هي إرث الفساد والتهالك في منظومة السكك الحديدية لـ 40 عاماً، ولا يمكن حلها بعصا سحرية، وأنّ إصلاح تلك المنظومة يحتاج إلى ميزانية ضخمة وإلى وقت.

 

الصحة: وفاة 11 شخصًا وإصابة 98 آخرين في حادث "قطار طوخ" الصحة: خروج 14 حالة من المستشفيات بعد تقديم الرعاية الطبية لهم...

Posted by ‎وزارة الصحة والسكان المصرية‎ on Sunday, April 18, 2021

وتُعدّ منظومة السكك الحديدية من أقدم منظومات النقل في المنطقة، إذ تُعدّ ثاني أقدم الخطوط على مستوى العالم بعد البريطانية، وتم تدشينها عام 1854.

وتخصص الحكومة المصرية ميزانية تقدر بنحو "225 مليار جنيه لتطوير شبكة السكك الحديدية الحالية، التي تشمل 10 آلاف كيلومتر طولاً، من إجمالي 1.5 تريليون جنيه تم رصدها لجميع القطاعات التابعة لوزارة النقل، ويجري حالياً عمل شبكة قطار سريع مكونة من 3 خطوط كهربائية بإجمالي 1800 كيلو متر تقريباً، بتكلفة إجمالية تصل إلى 360 مليار جنيه"، بحسب وزير النقل.

 

دراسة: من أسباب تكرار حوادث القطارات في مصر؛ عوامل بشرية تشمل: فساد إدارة الموارد البشرية، ومشكلة جودة العمالة

 

وتنتهي خطة التطوير الشاملة في منتصف 2024، آنذاك تكون قد دخلت الخدمة خطوط القطار فائق السرعة، والذي سيخفف الأحمال والاعتماد على الخطوط الرئيسية، وسوف تتضاءل احتمالية الحوادث في تلك القطارات التي ستتولى شركة أجنبية تشغيلها لمدة 15 عاماً، لحين انتقال خبرتها إلى المصريين.

وحتى ذلك الوقت، فإنّ الحكومة لا تتوقع أن تنتهي الحوادث، والمواطنون يعلمون وهم يستقلون القطارات مضطرين أنهم عرضة لحوادث مشابهة.

لماذا تتكرر الحوادث؟

وفي دراسة للمعهد المصري للدراسات في العام 2019، حول منظومة السكك الحديدية، وأسباب تكرار حوادثها في مصر، عددت الدراسة الأسباب في: عوامل بشرية، وتشمل؛ فساد إدارة الموارد البشرية، ومشكلة جودة العمالة، وتشمل ضعف الرواتب وضعف الرقابة على تعاطي المخدرات، وعادة ما يلقي المسؤولون باللوم على العنصر البشري خلال الحوادث.

وتأتي في المرحلة الثانية بحسب الدراسة العوامل الفنية، وتتمثل في: المزلقانات اليدوية، وأشار تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في منتصف حزيران (يونيو) من العام الماضي 2018 إلى أنّ 80% من حوادث القطارات خلال عام 2017 ناتج عن اصطدام مركبات القطارات ببوابات المنافذ "المزلقانات"، فقد بلغ عدد الحوادث الناجمة عن ذلك السبب 1435 حادثاً من إجمالي 1793 حادثاً.

عمليات الإنقاذ من موقع الحادث

وضمن العوامل الفنية أيضاً تأتي "المعابر غير الشرعية"، وأشارت الدراسة إلى أنّ مصر بها نحو 2000 مزلقان غير شرعي أقامها مواطنون. 

وتُعدّ "نظم الإشارة التقليدية" من ضمن الأسباب الرئيسية في مصر، وتعتمد منظومة الإشارات بالسكك الحديدية على نظام الربط الكهربائي أو الدوائر الكهربائية، وذلك وفقاً للنظام المستحدث عام 1992 ببعض الخطوط، وأنّ الخطوط الأخرى ما زالت تعمل بنظام الربط الميكانيكي القديم، كما أنّ هذه الأنظمة قديمة جداً ولا تواكب الأنظمة الحديثة والمتطورة بأنظمة السكك الحديدية، ولا توجد قطع غيار لهذه الأنظمة لأنّ الشركات المنتجة توقفت عن إنتاجها أو العمل بها منذ فترة طويلة، ولذلك يتم اعتماد قطع غيار بديلة قد تؤثر في كفاءة المنظومة.

وتضيف الدراسة أنّ نظام الربط الكهربائي أو الميكانيكي لا يعتمد على نظام التحكم المركزي لسير القطارات، وأنّ هذه الأنظمة لا يوجد بها نظام تسجيل للأحداث الخاصة بسير القطارات، سواء بالإدارة المركزية أو لوحة التشغيل، وكذلك فإنّ هذه الأنظمة تعتمد على العنصر البشري اعتماداً أساسياً في تشغيل وتسيير القطارات، ولكل محطة أو برج أو تحويلة أو مزلقان على حدة، لعدم وجود نظام للتحكم المركزي لسير القطارات بتلك الأنظمة، ودائماً ما يحدث إهمال أو تقاعس من العنصر البشري يؤدي إلى حدوث كوارث، وتضيف الدراسة إلى الأسباب الفنية العربات والجرارات القديمة. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية