حرب كرة القدم.. عندما أودت الساحرة المستديرة بحياة الآلاف

حرب كرة القدم.. عندما أودت الساحرة المستديرة بحياة الآلاف

حرب كرة القدم.. عندما أودت الساحرة المستديرة بحياة الآلاف


25/06/2023

في تمّوز (يوليو) 1969، اندلع قتال دموي بين دولتي السلفادور وهندوراس المتجاورتين في أمريكا الوسطى؛ بسبب الأحداث التي نشأت عن تصفيات مسابقة كأس العالم لكرة القدم 1970، وبالتالي أصبحت تعرف باسم حرب كرة القدم، التي أودت بحياة الآلاف.

وإذا كان السبب وراء تلك الحرب مجموعة من التوترات طويلة الأمد، الناجمة عن هجرة السلفادوريين إلى هندوراس ذات الكثافة السكانية المنخفضة والاستيطان بها، فقد فجرت مباراة في كرة القدم الموقف، حيث اندلعت حرب مدمرة، ما جذب انتباه منظمة الدول الأمريكية بشكل عاجل، وعينت لجنة من سبع دول (بما في ذلك الولايات المتحدة) للتحقيق في الأزمة، وأصدرت دعوات لوقف إطلاق النار والانسحاب، وطلبت من اللجنة تعيين مراقبين عسكريين للتأكد من الامتثال لهذه الدعوات، وسرعان ما تمّ وقف الأعمال العدائية، لكن الأمر تطلب تهديداً بفرض عقوبات؛ لإقناع السلفادور بالانسحاب.

أحداث المباراة الأولى

فازت هندوراس بمباراة الذهاب بهدف دون رد، في عاصمتها تيغوسيغالبا، في مباراة شهدت مضايقات شديدة للفريق الضيف، حيث منع فريق السلفادور من النوم ليلة المباراة، بسبب تجمع الجماهير حول فندق الإقامة، كما أهين العلم السلفادوري في المدرجات، وتمّ نزعه وتعليق فوطة مطبخ بدلاً منه.

في أعقاب المباراة الأولى، لقيت فتاة سلفادورية مصرعها، إثر إقدامها على الانتحار، حزناً على خسارة المباراة، واقتراب فرصة الوصول إلى المونديال من الضياع. بدورها حمّلت الجماهير السلفادورية لاعبي منتخبها مسؤولية موت الفتاة الشابة، وطالبتهم بالثأر وسط شحن معنوي لم يسبق له مثيل.

الانتقام

كان أجواء العنف في ملعب سان سلفادور الذي شهد لقاء العودة غير طبيعية، وبالمثل لم ينم لاعبو هندوراس ليلة المباراة، وفقدوا تركيزهم تماماً، لينتهي اللقاء بفوز السلفادور بثلاثية نظيفة، وبالتالي تأهلهم إلى مونديال مكسيكو سيتي.

هندوراس اتخذت على الفور قرارات عقابية، وقامت بتطرد المهاجرين السلفادوريين، ممّا وضع حكومة الرئيس السلفادوري، فيديل سانشيز هيرنانديز، في أزمة من أجل التعامل مع الأعداد الكبيرة من المهاجرين العائدين، بينما بدأ أصحاب الأراضي في البلاد في الضغط من أجل القيام بعمل عسكري، لتتصاعد حدة الملاسنات بين البلدين.

على إثر أحداث العنف، تمّ تحديد مباراة فاصلة بين البلدين في أرض محايدة، هي المكسيك، وقبيل المباراة، تطورت الأمور الأمور إلى مهاجمة الأحياء التي يقيم فيها سلفادوريون في هندوراس، مما دفع السلفادوريين إلى الفرار إلى بلادهم تاركين ممتلكاتهم وبيوتهم، وقدمت السلفادور شكوى للأمم المتحدة.

في 27 حزيران (يونيو) 1969، وبينما كان اللاعبون يستعدون للمباراة الحاسمة في ذلك المساء في العاصمة المكسيكية، قطعت السلفادور العلاقات الدبلوماسية مع هندوراس، وقال وزير الداخلية فرانسيسكو خوسيه غيريرو، إنّ ما يقرب من 12000 سلفادوري غادروا هندوراس بعد المباراة الثانية، وذكرت صحيفة الجارديان البريطانية أنّه ألقى باللوم على "الاضطهاد المزعوم الناجم عن مباراة دولية لكرة القدم".

حرب المائة ساعة

انتهت المباراة الفاصلة بفوز السلفادور بثلاثة أهداف لهدفين، وفي اليوم التالي للمباراة، نشرت وكالة الأنباء الأمريكية ( UPI) مقالاً بعنوان: "حرب كرة القدم فازت بها السلفادور ، 3-2". وبحسب التقرير، حضر 1700 شرطي مكسيكي المباراة؛ لمنع العنف، وردد المشجعون السلفادوريون هتاف: "قتلة .. قتلة" من المدرجات.

في الأيام التي تلت ذلك، اشتدت المناوشات الحدودية بين البلدين، وفي 14 تمّوز (يوليو)، أمرت السلفادور قواتها بغزو هندوراس، وأرسلت طائرات حربية لقصف جارتها، في حرب استمرت أربعة أيام، وأودت بحياة الآلاف من الأبرياء.

بمضي الوقت، تمكنت منظمة الدول الأمريكية من ترتيب وقف إطلاق النار في 18 تمّوز (يوليو)، بعد أن لقي حوالي 3000 شخص حتفهم، معظمهم من المدنيين في هندوراس، كما نزح عدد أكبر بسبب القتال، وتحت الضغط الدولي، سحبت السلفادور قواتها من هندوراس في آب (أغسطس) 1969.

كان الصحفي البولندي ريزارد كابوسينسكي، أحد المراسلين الأجانب القلائل في المنطقة، عندما بدأ الغزو، حيث قدم بعض التقارير الأولى عن الصراع من تيغوسيغالبا، عاصمة هندوراس، باستخدام آلة الطباعة عن بعد الوحيدة في البلاد، وكتب كابوسينسكي لاحقاً عن الفترة التي قضاها في هندوراس، وخَلَّد أحداث الصراع في مذكراته في العام 1978، تحت عنوان: "حرب كرة القدم". وروى فيها أنّه شاهد كتابات على الجدران تقول: "لا أحد يتفوق على هندوراس" و "سننتقم 3-0".

وفي كأس العالم، وقعت السلفادور في المجموعة التي تضم الاتحاد السوفيتي وبلغاريا والمكسيك، وبعد كل هذه الجلبة جاءت النتائج مخيبة للآمال، حيث خسرت المباراة الأولى أمام بلغاريا 3-0، ثم أمام المكسيك 4-0، وأخيراً أمام الاتحاد السوفيتي 2-0. وودعت دور المجموعات دون أن تتمكن من إحراز هدف واحد.

السلفادور سجلت رقماً سلبياً آخر في تاريخ كأس العالم، في مونديال أسبانيا 1982، حيث تمّ تسجيل هدف السلفادور الوحيد في كأس العالم، في واحدة من أكبر الهزائم على الإطلاق في تاريخ البطولة، حيث خسرت 1-10 أمام المجر، وسجله الهداف لويس راميريز زاباتا، من مسافة قريبة ليجعل النتيجة 1-5 في المباراة، بعدها اكملت المجر التسجيل لتصبح النتيجة 10-1.

هندوارس دونت مشاركتها الأولى في المونديال، في العام 1982، وحققت نتائج جيدة للغاية، فبعد أن خسرت من يوغسلافيا (السابقة) بهدف دون رد، تعادلت بهدف لمثله مع أيرلندا الشمالية، وكررت النتيجة نفسها مع المنتخب الأسباني القوي بين جماهيره. كما ظهرت هندوراس للمرة الثانية في المونديال، في جنوب أفريقيا 2010، وأدت أيضاً مباريات قوية، حيث تعادلت سلبياً مع سويسرا، قبل أن تخسر بثنائية من المنتخب الأسباني، الذي أكمل مشواره بعد ذلك وفاز باللقب، ثم خسرت أمام منتخب شيلي العريق بهدف واحد.

وأخيراً دونت هندوراس مشاركتها الثالثة في المونديال، في البرازيل 2014، لكنها خسرت هذه المرة مبارياتها الثلاث أمام سويسرا والإكوادور وفرنسا، 3-0، 2-1، 3-0، على الترتيب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية