مثّل الظهور المباغت لما يعرف بـ"حركة تحرير الأمة الإسلامية من حكامها"، في مدينة قضارف بالسودان، تساؤلات جمّة، حول طبيعة التنظيم وأهدافه، وكذا دلالة التوقيت الذي ظهر فيه؛ إذ تزامن صعوده، من خلال مقطع فيديو تم بثه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع حالة التوتر القصوى في المنطقة الحدودية، الواقعة شرق السودان، والمتاخمة لإثيوبيا، وقد بلغ عدد النازحين من إثيوبيا إلى القضارف نحو 11 ألف إثيوبي، بحسب وكالة السودان للأنباء "سونا"، في تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي.
"حركة تحرير الأمة الإسلامية من حكامها"
وبحسب البيان المنشور مع مقطع الفيديو الذي قام التنظيم ببثه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإنّ "حركة تحرير الأمة الإسلامية من حكامها، تعمل على إنشاء إمارة جديدة تحت إمرة زعيم واحد لكافة دول العالم الإسلامي".
تزامن ظهور التنظيم الإسلامي المتشدد مع حالة الاضطراب التي عاشتها القضارف، وما شهدته المنطقة من احتجاجات على خلفية ارتفاع أسعار المواد الأساسية والوقود
واللافت في التنظيم الذي ظهر في إقليم شرق السودان، هو السياق الزمني والمكاني للحدث، بحسب الصحفي المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، عبد القادر محمد، والذي أوضح في حديثه لـ"حفريات": "تزامن ظهور التنظيم الإسلامي المتشدد مع حالة الاضطراب التي عاشتها القضارف، خلال الفترة الماضية، وما شهدته المنطقة من احتجاجات على خلفية ارتفاع أسعار المواد الأساسية والوقود، بالإضافة إلى الانفلات والسيولة الأمنية؛ فنجم عن ذلك حوادث شغب عديدة، مثل حرق مبنى البلدية، وتفشي عمليات نهب وسلب واسعة النطاق، وتعديات مختلفة على الأملاك الخاصة في سوق المدينة".
كما أنّ هذه الولاية، الواقعة في شرق السودان، وقعت تحت وطأة موجات عنف إثني متتابعة، منذ منتصف عام 2019، وقد أدت إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة (قتل نحو سبعة أشخاص، و22 من الجرحى)، بحسب الصحفي الإريتري، لكن "أخطر نتائج العنف الأهلي تمثل في تأثيرها على السلم الاجتماعي بين المكونات الإثنية والقومية، في إقليم بالغ الحساسية للسودان، وفي خضم الصراع السياسي الذي شهدته المرحلة الانتقالية".
إضعاف الحكومة الانتقالية
يتفق والرأي ذاته، الباحث السوداني، إبراهيم ناصر، والذي يرى أنّ هذه المجموعة التي ظهرت، مؤخراً، تعد "جزءاً من محاولات الإخوان لإثارة الذعر لدي المجتمع، وإظهار الشق المدني من الحكومة في وضع متداعي وضعيف، وغير قادر على ضبط الأوضاع الأمنية"، لافتاً في حديثه لـ"حفريات" إلى أنّ "مدينة القضارف التي تبعد عن العاصمة السودانية، الخرطوم، بحوالي 410 كيلومتر، تتميز باعتمادها على الزراعة؛ حيث تعد أغنى المناطق الرعوية، التي يتراوح عمل سكانها بين الرعي والزراعة والتجارة والعمل في الموانئ البحرية، وهو ما يضمن لها عوائد اقتصادية هائلة، بيد أنّ الوفرة الاقتصادية تقبض عليها دائماً النزاعات المتراكمة، والمتسبب فيها موقعها الاستراتيجي بالقرب من الحدود الإثيوبية، ومحاولات تفكيك جغرافيتها السياسية، وتحديداً في إقليم "الفشقة" الذي يتميز بخصوبة أراضيه الزراعية".
ويشدد الباحث السوداني على أنّ توافر البيئة الحاضنة، نتيجة لما خلفه تحالف النظام السابق مع الإخوان قد "ساهم في ولادة مثل هذه التنظيمات الردايكالية، وترشيح مثيلاتها للظهور، بين الحين والآخر" وتابع: "إنّ الحركة التي ظهرت، في القضارف، خلال الأيام الماضية، تكشف عن تراخي الأجهزة الأمنية، التي مازالت تسيطر عليها عناصر تنتمي إلى النظام السابق، وقريبة من تنظيم الإخوان، وهم من يوفرون لأفراد التنظيم الجديد، الحماية من الملاحقة والمسائلة، فضلاً عن مساعدتهم على الهروب في حال فشلوا في مهمتهم".
لماذا القضارف؟
يردف المصدر ذاته لـ"حفريات": "يتم إطلاق مثل هذه المجموعات، التي لا تبدو من الناحية التنظيمية، ذات هياكل قوية وواقعية، لجهة تنفيذ أدور وظيفية محددة، ولبث القلق في المجتمع، وإضعاف الحكومة، ولذلك؛ أعقب ظهور التنظيم الإسلامي، الذي ينحدر أغلب عناصره من تنظيم الإخوان الذي كان يدعمه نظام البشير، اندلاع حركة احتجاجية تخريبية، قامت بنهب وسلب المتاجر، وهو الأمر الذي تسبب في خروج مطالبات من قبل اتحاد المزراعين للمطالبة بإقالة والي قضارف".
اقرأ أيضاً: تقويض الإخوان داخل السودان يتطلب سد ثغرات تسللهم إلى الفوضى
وفي ظل الإدانات التي لاحقت حزب التحرير في السودان، بخصوص وجود ارتباطات بينه وبين التنظيم الجديد، فقد أصدر الحزب بياناً، قال فيه: "هذا الشخص الذي صور الفيديو ونشره، واضح أنّه ذو غرض خبيث عندما يقول إنّهم جماعة تطلق على نفسها (حركة تحرير الأمة الإسلامية من الحكام)، والإيحاء بأنّهم يحملون أعلاماً سوداء وبيضاء مكتوباً فيها: "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
وتابع الحزب في بيانه: "نشاطات حزب التحرير/ ولاية السودان في كل أصقاع السودان معلومة للجميع... ونشاط شباب حزب التحرير/ ولاية السودان بالقضارف معلوم لأهل القضارف فهم أبناء القضارف، ولا نحسب أنّ أحداً من أهل القضارف لا يعرف حزب التحرير وشبابه، فدار الحزب مفتوحة صباحاً ومساءً في حي ديم حمد ونشاط الدار ومنتدياتها معلومة للجميع".
الباحث السوداني إبراهيم ناصر لـ"حفريات": تحالف النظام السابق مع الإخوان ساهم في ولادة هذه التنظيمات الردايكالية، وترشيح مثيلاتها للظهور، بين الحين والآخر
وكان الصحفي الإريتري، عبد القادر محمد، أبلغ "حفريات" أنّ "النزاع الحدودي الأخير بين السودان وأثيوبيا، فاقم من حدة التوتر في منطقة القرن الأفريقي، وتحديداً في منطقة الفشقة، والتي تصل مساحتها لنحو 250 كيلومتراً مربعا، وهو ما أدى إلى تشكل بيئة أمنية هشة وضعيفة، أنتجت، في المقابل، بيئة مرشحة لولادة تنظيمات راديكالية، تعمد بعض الجهات أو التنظيمات لاستغلالها وتوظيفها لأغراض عدة".
وإلى ذلك، قال والي القضارف، الدكتور سليمان علي موسى، في أعقاب ظهور هذا التنظيم والحوادث الناجمة عنه، إنّ الأجهزة الأمنية المختصة شرعت في تنفيذ إجراءات وتدابير، تم إقرارها في اجتماع لجنة أمن الولاية، بغية تأمين الولاية عامة، ومدينة القضارف، خاصة، لمنع تكرار الانفلاتات والأحداث الأخيرة التي وقعت فيها.
ووصف والي القضارف، في أعقاب اجتماع اللجنة الأمنية، الأحداث الأخيرة، بأنّها "عمليات شغب" مضيفاً أنّ "لا علاقة لها بحرية التعبير والتظاهر الذي كفله القانون، وإنّما هي انفلاتات وجرائم تخالف القانون".
ولفتت وكالة السودان للأنباء "سونا"، إلى أنّ "والي القضارف أكد دعم الحكومة الكامل لجهود الجيش على الشريط الحدودي مع إثيوبيا"، كما ثمن "تضحيات أفراد القوات المسلحة لاستعادة أراضي السودانيين بالفشقة الصغرى والكبرى"، وذلك على خلفية تجدد الاشتباكات بين الشرطة السودانية والمتظاهرين، مطلع الأسبوع، على مدار يومين متتالين، بسبب الغلاء وأزمات نقص الوقود والخبز.
وتابع والي القضارف: "لن نفرط في شبر من أراضي الوطن، وسنفرض سيادة الدولة على كل حدودنا الدولية"، مضيفًا أنّ "ما حدث من تفريط على الأراضي السودانية كان نتاجاً لضعف الدولة والقرار السياسي في عهد النظام البائد".