تنافس مغربي جزائري على نقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا

تنافس مغربي جزائري على نقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا

تنافس مغربي جزائري على نقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا


31/10/2022

يبدو طرح الجارتين المتخاصمتين؛ المغرب والجزائر، مشروعين منفصلين لنقل الغاز من الدولة التي تملك 30% من احتياطيات الغاز الأفريقية؛ نيجيريا، تنافساً اقتصادياً، ليس ببعيد عن التنافس المحموم بين الدولتين، على خلفية صراعهما التاريخي منذ الاستقلال بخصوص قضية الصحراء.

غير أنّ هناك عوامل أكبر من طموح البلدين تتداخل في هذه المشاريع الطموحة، ومنها مستقبل سوق الطاقة الأوروبي في ظل الانقطاع الكبير لإمدادات الطاقة الروسية، بصفته السوق الأساسي المستهدف من مشاريع كهذه، تبلغ تكلفتها في الخط الجزائري 13 مليار دولار، والخط المغربي 26 مليار دولار تقريباً.

وفضلاً عن الجدوى الاقتصادية والعوائق الفنية والسياسية، وحاجة نيجيريا إلى استثمارات ضخمة لتطوير إنتاج الغاز، يوجد تهديد الجماعات المصنفة إرهابياً للأمن في البلاد وبلدان أفريقية أخرى. ويبلغ حجم الاحتياطيات الغازية المؤكدة في نيجيريا 260 مليار متر مكعب، ما يعني عدم قدرتها على توفير الغاز للمشروعين، فضلاً عن وصولها إلى كامل طاقتها التصديرية عبر الغاز المسال إلى أوروبا.

الخطّ المغربي

وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، وقعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (CEDEAO) والمغرب ونيجيريا، في مدينة الرباط المغربية، مذكرة تفاهم بشأن أنبوب الغاز النيجيري المغربي. ويأتي توقيع هذه المذكرة لتأكيد التزام مجموعة سيداو، وجميع الدول التي سيعبر منها هذا الأنبوب (13 دولة)، بالمساهمة في تفعيل هذا المشروع الذي سيوفر بعد اكتماله الغاز لدول المجموعة في المرحلة الأولى، وأوروبا في مرحلة لاحقة.

نور الدين اليزيد: تشير التوقعات الأولية إلى فاتورة بقيمة 25 مليار دولار

ويمتد خطّ الغاز النيجيري - المغربي على طول 5660 كم. وبدأت الرباط وأبوجا مباحثات حول المشروع في عام 2016، وتتجاوز تكلفته نحو 25 مليار دولار.

يمرّ المشروع بـ (13) دولة أفريقية، بدايةً من حقول الغاز في نيجيريا، مروراً بكلٍ من (بنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا) وصولاً إلى المغرب، التي تملك خط الغاز المغاربي الأوروبي، الذي كان ينقل الغاز من الجزائر عبر المغرب إلى إسبانيا، حتى قطع الأولى الغاز بسبب الخلافات مع المغرب، في نهاية العام 2021.

ويستهدف خط الغاز نقل ما بين 30 - 40 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري سنوياً.

نقطة الضعف الأكبر هي الجدوى الاقتصادية لنقل الغاز من نيجيريا عبر خطوط أنابيب تبلغ كلفتها عشرات مليارات الدولارات، في ظل محدودية الاحتياطي المقدر بـ 260 مليار متر مكعب

ويقول الصحفي والباحث المغربي، نور الدين اليزيد: "إذا نظرنا إلي المشروع من ناحية التكلفة الاقتصادية فهو يتطلب ضخ أرقام فلكية، حيث تشير التوقعات الأولية إلى فاتورة بقيمة 25 مليار دولار، لكن أليس المنطق التجاري يخبرنا بأنه كلما كان الاستثمار أكثر كانت النتائج والأرباح بمستوى الأموال المستثمرة؟".

وأكد لـ"حفريات" على أنّ الدول فرادى وجماعات أو بالأحرى كتجمعات، تستهدف في سياساتها سواء المحلية أو الدولية وما بينها وبين جيرانها، أن تكون هناك جسور وفرص اندماج أكبر.

وكان البنك الإسلامي للتنمية خصّص 15.5 مليون دولار لدراسات التصميم الهندسي الأولية في منتصف عام 2021. ويستهلك المغرب نحو 1.1 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، في توليد الكهرباء والصناعة. وستستفيد الدول التي سيمر عبرها خطّ الأنابيب من حصة من الغاز، تُقدر بنحو مليار متر مكعب سنوياً. ولهذا يرتبط إنشاء خطّ الغاز النيجيري المغربي بالسوق الأوروبية بشكل أساسي.

وأشار الصحفي المغربي إلى أنّ أهمية أنبوب الغاز النيجيري المغربي يتميز عن نظيره النيجيري الجزائري، بعديد من المزايا الخصائص التي تضمن له فرص نجاح.

وأوضح أنّه "سيكون ذا جدوى وتأثير على شعوب 13 بلداً أفريقياً، غالبيتهم اليوم منضوون في إطار المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيداو). باستثناء موريتانيا التي سبق لها أن كانت عضواً في هذا التجمع، وانسحبت لأسبابها الداخلية، والمغرب الذي سبق له قبل سنوات أن طالب بالانضمام بالعضوية في هذا التجمع، ولكنّ تحفظ بعض دول هذا الإطار الإقليمي جعل ملف طلب العضوية المغربي في الدرج ينتظر مبادرات أو مستجدات".

سفيرة نيجيريا أكدت للرئيس تبون على أهمية مشروع الغاز المشترك

وذكر أنّ  "الـ (11) دولة الأخرى، من أصل 13 متوقع أن يعبر منها الأنبوب، وبما فيها نيجيريا، هي عضو في تجمع سيداو، ما يجعل هذا المشروع حافزاً وعاملاً لإدماج أكثر لدول المنطقة". ولفت الصحفي المغربي، إلى وجود "خط غاز من نيجيريا يمتد إلى دول بنين وتوغو وغانا، ما يعتبر مكسباً يمكن أنّ يخفض نوعاً من فاتورة التكلفة".

وبحسب الصحفي المغربي، الدولة ستمد خط الغاز المغاربي الأوروبي إلى حدودها الجنوبية حتى موريتانيا، ليبقى المطلوب عملياً، هو أنبوب يربط الدول الثماني المتبقية بدول أخرى وهي (كوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا).            

المشروع الجزائري

وفي تموز (يوليو) الماضي، أعلن وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، توقيع مذكرة تفاهم مع نيجيريا والنيجر لمدّ خط أنابيب للغاز الطبيعي عبر الصحراء. وكانت الدول الأفريقية الثلاث قد اتفقت قبل ذلك على إعادة تفعيل محادثات خاصة بالمشروع ذاته كانت قد بدأت قبل عقود.

وانطلقت فكرة أنبوب الغاز النيجيري باتجاه الجزائر قبل نحو 20 عاماً، مع توقيع شركة النفط والغاز الجزائرية "سوناطراك" مذكرة تفاهم مع شركة النفط الحكومية النيجيرية من أجل تنفيذ المشروع، في 2002. وتُقدّر تكلفة المشروع الذي يتجاوز طوله 4 آلاف كيلومتر بنحو 13 مليار دولار، وترفع تقديرات أخرى الرقم إلى 20 مليار دولار، ويربط نيجيريا بأوروبا من خلال الجزائر والنيجر. ويمكنه نقل 20 - 30 مليار متر مكعب من الغاز من نيجيريا سنوياً.

الكاتب المغربي نور الدين اليزيد لـ"حفريات" عن المشروع الجزائري: مروره بشمال نيجيريا ثم النيجر والصحراء الجزائرية، يجعله في مرمى هجمات محتملة من الجماعات المتطرفة

وقال وزير الطاقة الجزائري في تصريحات سابقة، عن خط المغرب - نيجيريا: "المشروع أكثر تعقيداً، كما أنّ التمويل غير واضح، في المقابل الجزائر من ناحية أخرى لديها الوسائل والرغبة في تمويل جزء كبير من خط أنابيب الغاز العابر للصحراء".

وفي شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، صرحت سفيرة نيجيريا لدى الجزائر، عائشة محمد غارب، أثناء تقديم أوراق اعتمادها إلى الرئيس عبد المجيد تبون، بأنّ اللقاء "كان مناسبة لتبليغ الرئيس تبون بتعهد نيجيريا على مرافقة هذا المشروع"، في إشارة إلى خط غاز نيجيريا - الجزائر.

وقبل ذلك بعدة أيام، صرح وزير الطاقة النيجيري تيمبر سيلفا، لقناة "الشرق للأخبار" أنّ "الجزائر أنهت بناء شبكة أنابيب الغاز داخل أراضيها والتي ستمتد من نيجيريا عبر النيجر لنقله إلى أوروبا، ونحن استكملنا في نيجيريا 70% من الخط". وأوضح الوزير أنه خلال عامين ستكون نيجيريا قادرة على البدء بعمليات الإنشاء للأنبوب الممتد من نيجيريا عبر النيجر إلى الجزائر الذي يسمى الخط العابر للصحراء الأفريقية. أما بالنسبة لخط أنبوب الغاز المار عبر  المغرب؛ أوضح سيلفا أنه مازال في مرحلة دراسة الجدوى الاقتصادية.

حسان حويشة: هي أمور تجارية

ويرى الصحفي الجزائري المختص بالشؤون الاقتصادية، حسان حويشة، أنّ الجزائر كانت سبّاقة لاطلاق المشروع الضخم عام 2002 في إطار شراكة جديدة من أجل أفريقيا (NEPAD) بجانب مشروع الطريق العابر للصحراء، الجزائر - لاجوس.

وأشار لـ"حفريات" إلى حاجة السوق الأوروبية إلى كميات ضخمة من الغاز الطبيعي لمواجهة انقطاع الغاز الروسي، والخروج من التبعية لموسكو. وأكد على أنّ الإنتاج الجزائري حتى حال تطويره بشكل كبير لا يكفي السوق الأوروبية الكبيرة جداً، وقال "لهذا كانت إعادة إحياء مشروع خط الغاز من نيجيريا لأسباب تجارية، في ظل وجود سوق أوروبية واعدة".

وأضاف أنّ خطّ الغاز الذي تتبناه الجزائر يمر من جنوب نيجيريا عبر النيجر إلى الجزائر ثم أوروبا فقط، وقال "يختصر المسار الوقت والتكلفة ويُسهل تأمينه، بينما مسار الخطّ المغربي يمر عبر 11 دولة بجانب المغرب ونيجيريا، وما زالت قضية الصحراء الغربية محل نزاع، لهذا تشوبه جملة من العراقيل".

ونوه الصحفي الجزائري، بما تملكه بلاده من بنية تحتية وخبرة واسعة في مجال إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي. وبيّن أنّ "إعادة إحياء المشروع ليس له علاقة بالصراع مع المغرب، لكن هي أمور تجارية".

تحديات المشروعين

ويملك كلا المشروعان عدة نقاط قوة وضعف، فضلاً عن نقطة الضعف الأكبر وهي الجدوى الاقتصادية لنقل الغاز من نيجيريا عبر خطوط أنابيب تبلغ كلفتها عشرات مليارات الدولارات، في ظل محدودية الاحتياطي المقدر بـ 260 مليار متر مكعب، يمثّل 3% من الاحتياطي العالمي، وذلك بحسب تصريحات لوزير البترول النيجيري نقلتها قناة "الشرق" الإخبارية.

وتشير تقديرات أخرى إلى ارتفاع حجم الاحتياطيات في نيجيريا إلى ما يصل إلى ضعف هذه الكمية، وربما يكون حديث الوزير النيجيري عن الكميات القابلة للاستخراج؛ حيث لا تُستخرج كل الكميات من الحقول.

ومن زاوية الأمن، يرى الصحفي المغربي، نور الدين اليزيد، أنّ الحديث عن مشروع أنبوب نيجيريا - الجزائر، لا يجب أن يغفل العنصر الأمني. وقال "بالرغم من قصر مداه عن المشروع الآخر المنافس، فإنّ مروره بشمال نيجيريا ثم النيجر والصحراء الجزائرية، يجعله في مرمى هجمات محتملة من الجماعات المتطرفة التي تنتشر وتنشط بشكل كبير في هذه المنطقة المحسوبة على الساحل والصحراء، بعكس المشروع الممتد إلى المغرب، حيث تتحكم كل الدول المعنية في وضعها الأمني".

وتعادل احتياطيات نيجيريا من الغاز الطبيعي 306.3 ضعف استهلاكها السنوي، باحتياطيات تبلغ حوالي 206 تريليونات قدم مكعب مؤكدة، واحتياطي غير مؤكد يبلغ 600 تريليون قدم مكعب. وأعلنت نيجيريا عن 20 مشروعاً لتطوير قطاع الغاز الطبيعي.

ومحلياً يعاني أكثر من 85 مليون نيجيري غياب الكهرباء، وتسعى الحكومة إلى تحقيق الوصول الشامل للكهرباء بحلول عام 2030، ما يعني استخدام أكبر للغاز الطبيعي والبترول في توليد الكهرباء.

ويعاني المواطنون في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، من تكرار انقطاع التيار الكهربائي، إذ يحصل 78% من مستهلكي الكهرباء في نيجيريا على أقل من 12 ساعة من الإمدادات اليومية، بحسب استطلاع للبنك الدولي. وتعرّضت شبكة الكهرباء في البلاد للانهيار 6 مرات منذ بداية العام الجاري، بسبب الإغلاق الجزئي لإحدى محطات الغاز، فضلاً عما تعانيه بيئة الاستثمار في نيجيريا من مخاطر وصدامات مع المجتمعات المحلية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية