تجميد البويضات: هل أخضع العلم الحديث الفتوى الدينية لتغيراته؟

العلم والدين

تجميد البويضات: هل أخضع العلم الحديث الفتوى الدينية لتغيراته؟


08/10/2019

أواخر آب (أغسطس) من عام 2019، نشرت فتاة مصرية تدعى ريم مهنا، فيديو عبر حسابها على موقع فيسبوك، توضح فيه أنّها أجرت جراحة لتجميد بويضاتها قبل عامين، إلّا أنّها تردّدت كثيراً قبل الإفصاح عن سرّها، وذلك لتشجيع فتيات قد تضيع فرصهنّ الإنجابية خوفاً من الوصم الاجتماعي لتلك الجراحة.

اقرأ أيضاً: أحمد جميل عزم: نتغنى بالأيديولوجيا والهوية على حساب النظرية والعلم
لكنّ ما أثار حفيظة البعض أنّ دار الإفتاء المصرية كانت قد أعلنت، في بداية أيلول (سبتمبر) الماضي، إباحة تجميد البويضات وفق الضوابط الشرعية.
الوصم الاجتماعي
عام 2017؛ عرض للمرة الأولى على شاشات التلفزيون المصري مسلسل "سابع جار"، الذي قدّمته ثلاث مخرجات اشتركن في إخراجه؛ إذ أثار المسلسل حالة من الجدل المجتمعي، خاصة بعد عرض حلقة لفتاة تجاوزت الخامسة والثلاثين من العمر دون أن تتزوج، ما دفعها لإجراء فحوصات طبية، تمهيداً لعملية تجميد البويضات، كما تحكي ريم في قصتها؛ أنّ الطبيب المعالج اندهش عندما طلبت إجراء العملية، ليخبرها أنّه لم تقدم أيّة فتاة في مصر على إجراء تلك العملية من قبل، بعد ذلك تعاطى الإعلام المصري مع الفتاة، وتمّت استضافتها في أكثر من برنامج تلفزيوني، برفقة أطباء يروّجون لهذه العملية، منخفضة التكلفة حتمية النجاح، والتي تدخّر حلم الأمومة المؤجلة لأيّة مرحلة عمرية، دون التعرض لضغوطات المجتمع، الذي يدفع الفتيات للزواج قهراً رغبة في الإنجاب لا أكثر.

دار الإفتاء المصرية أعلنت في بداية أيلول الماضي إباحة تجميد البويضات وفق الضوابط الشرعية

وكان ما أصدرته دار الإفتاء عبر صفحاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك موقعها على الإنترنت، أكثر إيجابية؛ بإباحته العملية بضوابط شرعية، وتلخيصها في أربع نقاط، لا يجوز إسقاط أيّ منها.
وكانت دار الإفتاء أوضحت، في بيان لها، أنّ "عملية تجميد البويضات جائزة، وليس فيها محظور شرعي، فهي تعتبر من التطورات العلمية الجديدة في مجال الإنجاب الصناعي، مما يتيح للزوجين فيما بعد أن يكررا عملية الإخصاب عند الحاجة، وذلك دون إعادة عملية تحفيز المبيض لإنتاج بويضات أخرى".

وقرنت دار الإفتاء جواز إتمام العملية بأن تُجرى وفق "4 ضوابط" يجب مراعاتها، وحددتها في أن "تتم عملية التخصيب بين زوجين وأن يتم استخراج البويضة واستدخالها بعد التخصيب في المرأة أثناء قيام علاقة الزوجية بينها وبين صاحب الحيوان المنوي ولا يجوز ذلك بعد انفصام عرى الزوجية بين الرجل والمرأة بوفاة أو طلاق أو غيرهما".

وأضافت الدار قائلة إنه يجب "أن تحفظ اللقاحات المخصبة بشكل آمن تماماً تحت رقابة مشددة، بما يمنع ويحول دون اختلاطها عمداً أو سهواً بغيرها من اللقائح المحفوظة"، وألا يتم "وضع اللقيحة (البويضات) في رَحِمٍ أجنبيةٍ غير رحم صاحبة البويضة الملقحة لا تبرعاً ولا بمعاوضة".

اقرأ أيضاً: التبرع بالجثث والأعضاء البشرية للبحث العلمي: هدف نبيل وانتهاكات كثيرة

وتابعت دار الإفتاء أنّه يجب ألا "يكون لعملية تجميد البويضة آثار جانبية سلبية على الجنين نتيجة تأثر اللقائح بالعوامل المختلفة التي قد تتعرض لها في حال الحفظ، كحدوث التشوهات الخلقية، أو التأخر العقلي فيما بعد".

ورأى عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي؛ أنّ الترويج لتلك العملية هو اعتراض على أمر الله  تعالى وقضائه، وهو أمر لا يجوز التدخل فيه للبشر، مهما قدمّ البشر من المستجدات العلمية، وتبنّت هذا الرأي بشدة، خريجة كلية الشريعة الإسلامية، جامعة الأزهر، مروة عبد الله، في حديثها لـ "حفريات" قائلة: "لا أعتقد أنّ ما فعلته الفتاة أمر صائب، فالزواج هو الطريقة الصحيحة للحفاظ على النسل، وغير ذلك فهو تحايل على شريعة الله، ولا يجوز، إلّا في حالة وجود سبب طبي يمنع المرأة أو الرجل من الإنجاب، وفي هذه الحالة يجوز لهما اللجوء إلى العلاج الطبي في حدود المباح، لكنّني أرى ما فعلته الفتاة تشجيعاً للفتيات على المعصية، وبدلاً من أن تسرع الفتيات في الزواج لإقامة شرع الله، سيطمئنّ إلى أنّ قدرتهنّ على الإنجاب قائمة، وهو ما سيضيف فتيات جدد إلى قائمة العنوسة في الوطن العربي التي زاد تعدادها، خاصة في الآونة الأخيرة"،
تعبّر مروة عن رأيها الخاص، وترى في رأي دار الإفتاء رضوخاً لسلطة العلم، الذي ينبغي أن يخضع للدين وليس العكس.

إشكالية الدين والعلم
ورد في الأثر أنّه "أينما تكون المصلحة فثمّ الشريعة"، ورغم الخلاف في تأويل هذه العبارة، إلّا أنّها تبدو أكثر منطقية لمقاصد الشريعة وسماحة الإسلام، وجدير بالذكر؛ أنّ تجاوب دار الإفتاء مع تصريحات الفتاة، كان سابقة فريدة من نوعها؛ حيث إنّ للفتاوى المستحدثة تاريخاً طويلاً بدأ بالتحريم حتى استجابت السلطات الدينية له وأجيز، وفي فتاوى نقل وزراعة الأعضاء أكبر عبرة على ذلك، فمع شروق شمس القرن العشرين، تحديداً عام 1905، أجرى الطبيب التشيكي، إدوارد زيروم، أول عملية ناجحة لزراعة قرنية عين بشرية، وهو ما فتح المجال على مصراعيه، وعزز أفق الطموح الإنساني في زراعات أكبر امتدت إلى القلب والكبد وغيرها من الأعضاء الأكثر تعقيداً، وبحلول القرن الواحد والعشرين؛ صارت زراعة الأعضاء أمراً مفروغاً منه، خلق أملاً للإنسانية في حياة أطول وبصحة أفضل، لكن جاءت الفتاوى الدينية لتقف حائلاً بين هذا الإنجاز البشري غير المسبوق، ومنح حياة جديدة قدّمها العلم للبشر، لتقدّم فتاوى مؤوّلة من القرآن الكريم، تنفي ملكية الإنسان لأعضائه، وحرمة التصرف فيها.

أوّل من روّج لحرمة نقل الأعضاء والتبرع بها الشيخ محمد متولي الشعراوي كما حرّم أيضاً عملية الغسيل الكلوي

كان أوّل من روّج لحرمة نقل الأعضاء والتبرع بها، الشيخ محمد متولي الشعراوي، كما حرّم أيضاً عملية الغسيل الكلوي، اللازمة لمرضى الفشل الكلوي، وتأتي المفارقة العجيبة في أنّ الشعراوي حين مرض، في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ذهب إلى لندن لتلقي العلاج، وكانت ضمن متطلباته عملية نقل الدم؛ إذ عزّز الشعراوي فتاواه القائلة بحرمانية نقل الأعضاء بأنّ أعضاءنا إنّما هي ملك لله، تركها لنا للانتفاع وليست ملكية خاصة، وعليه فلا يجوز لشخص أن يهب ما ليس ملكه أو يتبرع به، ولا يجوز لمن قدّر الله له الموت بعد تلف أعضائه أن يطلب غيرها، وفيه اعتراض على قضاء الله وقدره، وعن مرضى الفشل الكلوي؛ رأى الشيخ أنّ تكلفة الغسيل الكلوي هي مشقة على عائلة المريض، ونحن إذا تركناه فسيلقى ربه حتماً، وبدلاً من أن يطالب الدولة بعلاج مرضى الكبد والكُلى على نفقة الدولة، يأمرنا بتركهم يموتون، والجدير بالذكر؛ أنّ مصر تحتل معدلات مرتفعة للغاية في مرضى الكبد والكلى، الناتج عن الطعام الملوث والمياه غير النظيفة التي لا تصلح للشرب.

هل يفرض العلم سطوته؟

قبل أن يقدم العلماء عقاراً للقضاء على فيروس سي "السولفادي"؛ فإنّ هذا الفيروس، طبقاً لتصريحات مستشار منظمة الصحة العالمية للفيروسات الكبدية، الدكتور جمال عصمت، عام 2018، يقتل شخصاً حول العالم كلّ 25 دقيقة، ويصيب 16 ألفاً بالسرطان الكبدي كلّ عام، لمصر منهم نصيب الأسد، أما مرضى الفشل الكلوي، فبلغ عددهم في مصر، طبقاً لتقارير وزارة الصحة، عام 2018، 2.6 مليون مريض، 90% منهم دون سنّ الخمسين، ومعظمهم في سنّ الشباب، كما تضم القائمة أطفالاً أيضاً، وتبلغ الوفيات السنوية لمرضى الكلى 30% من إجمالي المصابين، بينما لا تتجاوز النسبة العالمية 7% لمن تخطوا الستّين، وليس غريباً أن تحدث ذروة الوفيات في فترة التسعينيات التي راجت فيها هذه الفتوى.

اقرأ أيضاً: لماذا لن يختفي الدين ولن يقدر العلم على أن يدمّره؟

كانت والدة محامية مصرية من محافظة كفر الشيخ، ضمن ضحايا هذه الفتوى، حيث تقول ابنتها، هناء عبد المجيد، لـ "حفريات": "أصيبت والدتي بفشل كلوي عام 1988، ولم تتجاوز الأربعين بعد، ولزم علينا متابعة الغسيل الكلوي 8 مرات شهرياً على الأقل، وهو ما لم نكن نتحمّل تكلفته، والعلاج على نفقة الدولة كان أمراً في غاية الصعوبة، إلّا أنّ اليأس طال والدتي، شديدة التديّن، والتي كانت تتابع الفتاوى على إذاعة القرآن الكريم، التي كانت تعلن ليل نهار تحريم غسيل الكلي، ولم تمضِ سوى ثلاثة أشهر حتى وافتها المنية"، لم يقف الأمر عند هذا الحدّ؛ بل وصل الأمر إلى تحريم التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب، وحرّمها العديد من المشايخ في بداية التسعينيات؛ إذ راجت تلك التقنية بشكل كبير، وعليه فقد كان أوّل من حرمها الشيخ ابن عثيمين، محتجاً عليها من باب درء الفتن؛ إذ قد تكون هذه العملية مدخلاً لاختلاط الأنساب، وهو ما رآه الشيخ مدخلاً من مداخل الشيطان، ينبغي تجنّبه.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية