بين مشروعية جهاد حماس وجهاد تنظيم الدولة الإسلامية

بين مشروعية جهاد حماس وجهاد تنظيم الدولة الإسلامية

بين مشروعية جهاد حماس وجهاد تنظيم الدولة الإسلامية


07/05/2025

ما يزال مفهوم "الجهاد" في المدونة الفقهية الإسلامية مفهوماً حركياً في تمظهراته وتجلياته، يتم تدويره وإعادة التنظير له وتقديمه في أشكال وقوالب متباينة تبعاً للحاجة في توظيف المِخيال الشعبي عن السيف الإسلامي لصالح العنف السياسي، ولمّا كانت الشعوب الإسلامية تعيش في حالة من التشرذم والتخلف المعرفي بعد نهاية الحكم العثماني في عشرينيات القرن الماضي، بات التغيير ضرورة أكثر إلحاحاً في ظل الموجة الاستعمارية الغربية للشرق الأوسط وأجزاء من آسيا. في ظل ذلك مرّ مفهوم الجهاد بتحولات عديدة تضمنت تنزيلاً للمفهوم بصورته المجردة من النص القرآني المقدّس دون مراعاة السياق التاريخي وأسباب التنزيل، وتباينت تلك التحولات في طبيعة الجهاد في مشاريع الصحوة الإسلامية بين الفكرية والحركية حتى وصلت إلى الجهادية. وفي حين كان مفهوم الجهاد لدى رواد الصحوة الأوائل، محمد عبده والأفغاني ومحمد إقبال وغيرهم، دافعاً للمعرفة والعلوم ونبذ التخلف الفكري في محاولة الإجابة عن السؤال الأكثر إلحاحاً حينها "لماذا تخلف المسلمون؟"، ومع الضرورة الاجتماعية والعزلة التي عاشها الرواد تبعاً للتخلف السائد بين الشعوب حينها، كان لا بدّ من تحيين "الجهاد" وتنزيله على محاولات التحرر من الاستعمار والمقاومة الشعبية كما فعل العالم الباكستاني "أبو الأعلى المودودي". وبعد عقود عديدة تحول الجهاد لصالح خدمة مشروع الدولة الإسلامية وإعادة بعث الخلافة من تجارب قُطرية إلى عالمية، حتى إعلان البغدادي الخلافة الإسلامية في الموصل عام 2014.

وفي ظل الأحداث المعاصرة، وبين جهاد الجماعات في ساحات متعددة، واجه "جهاد" تنظيم الدولة الإسلامية رفضاً من علماء الدين المسلمين لما جرّه من ويلات وعدم مراعاته فقه المصالح والمفاسد في المدونة الفقهية الإسلامية، لكن بينما كانت النتيجة ذاتها، بل ربما أسوأ، مع "جهاد" حركة حماس في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، جاءت القراءة الدينية بشكل مختلف لما تحمله من تبريرات وإعادة تعريف الجهاد بصورة عدمية يكون الغرض منه هو الموت فقط، بعد أن كان غرضه "حماية بيضة الإسلام" وفقاً للمدونة الفقهية.

وكانت حركة حماس قد قادت عملية السابع من تشرين الأول (أكتوبر) "طوفان الأقصى"، والتي تمكنت فيها الحركة من تجاوز خطوط الدفاع الإسرائيلية ودخول المستوطنات في غلاف غزة، وبعد معارك على جبهات متعددة انسحب مقاتلو الحركة وأخذوا معهم عدداً من الأسرى الإسرائيليين إلى داخل القطاع، لتبدأ معها عملية إسرائيلية أسفرت عن مئات الآلاف من الضحايا المدنيين، ودمرت قطاع غزة بالكامل، وساهمت في صياغة وجه وقواعد اشتباك جديدة للمنطقة. وفي ظل تجنب الحديث عن المشروعية السياسية والدولية للعملية التي قادتها حماس حينها، تبقى المشروعية الدينية محل التساؤل في ظل مسمّيات الجهاد التي تتبناها الحركة، لا سيّما بعد إضفاء الصبغة الدينية على الصراع من كلا الطرفين، وفي ظل الدفع للمواجهة في العالم الإسلامي بين الجماعات الدينية وبين علماء الدين المسلمين.

الجهاد: شروط وموجبات

لمّا كانت مقاصد الجهاد في المدونة الفقهية الإسلامية تتوزع بين الدفاع عن الدين، وردّ العدوان، والدعوة في سبيل الله، ورفع الظلم تحت مظلة حماية بيضة الإسلام، كانت الحركات والجماعات الجهادية تعيد قراءة المفهوم ومقاصده كلّما دعت الحاجة إلى ذلك، وتحيينه في السياقات الآنية مع إعادة تعريف العدو أو الخصم الذي يقع عليه وضده فعل الجهاد. وفي حين يُقسم الجهاد إلى جهاد دفع الصائل وجهاد الطلب (الابتداء)، يُقسم جهاد الطلب إلى جهاد ردع وجهاد طلب، وهو ما يمكن توصيفه على عملية السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، التي كانت بدءاً للمعركة ضد الإسرائيليين، وفي هذا النوع من الجهاد، على العكس من جهاد دفع الصائل، تكون القدرة موجبة لا سيّما في نطاق موازنة المصالح والمفاسد المترتبة على العمل وفق المدونة الفقهية الإسلامية، والمقصود بالقدرة هو توافر المقدرات العسكرية واللوجستية اللازمة لتحقيق شيء من التكافؤ بين طرفي النزاع وغير المحصورة في العدد، وفي ذلك يذهب ابن تيمية في القول: "إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد، فإنَّ الأمر والنَّهي، وإن كان متضمِّناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فيُنظر في المعارض له؛ فإن كان الذي يفوِّت من المصالح أو يحصِّل من المفاسد أكثر، لم يكن مأموراً به، بل يكون محرَّماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته، لكنّ اعتبار المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة"، ومن هذا المنطلق، وبعد ما ترتب على عملية السابع من تشرين الأول (أكتوبر) من تدمير لقطاع غزة في العملية الإسرائيلية التي أسفرت عن مقتل وتهجير عشرات الآلاف من السكان، لم تعد الصبغة الدينية التي تضفيها الحركة على عمليتها مشروعة وفقاً للقراءة الدينية، وهو ما أنزلته القراءة الدينية سابقاً على "جهاد" تنظيم الدولة الإسلامية وغلبة المفسدة فيه على المصلحة.

وعلى الرغم من الشواهد العديدة التي توجب القدرة عند الجهاد، وهو ما لن ندخل في تفاصيله، تذهب القراءة الدينية لدى بعض رجال الدين إلى إيجاد مبررات وتسويغ ديني للعملية التي نفذتها الحركة، وطرح قراءة جديدة للمفهوم الحركي "الجهاد" بعدّه فعلاً عدمياً تكون الغاية منه الموت، وفي السياق الديني الاستشهاد في سبيل الله دون مراعاة للمصلحة والمفسدة، في حين لا تنطبق القراءة ذاتها في سياق "جهاد" تنظيم الدولة الإسلامية.

السابع من تشرين الأول (أكتوبر) بين الهوية الوطنية والدينية

مرّ خطاب حركة حماس بتحولات في طبيعته ومنهجيته، وتوسعت تلك التحولات حتى شملت الإيديولوجيا التأسيسية. ونشير هنا إلى التحول في تعريف طبيعة الحركة وقتالها من "الجهاد" كما ورد في بيانها التأسيسي، وصولاً إلى تبنّي المفاهيم المعاصرة للمقاومة المسلحة وحركات التحرر، على الرغم من ذلك حاولت الحركة إضفاء الطابع الديني وتوظيف مفردة الجهاد على عملياتها ضدّ الإسرائيليين، وتحديداً عملية "طوفان الأقصى"، وذلك للرمزية التي تمثلها في المِخيال العربي الإسلامي، ودورها في حشد الدعم الشعبي والمادي، وكذلك على مستوى استراتيجيات التجنيد بين الشباب.

وتبعاً للضبابية التي تحيط بمفردة الجهاد في تمظهراته وتجلياته، وفي توظيف الحركة له بالتحديد، يصبح من غير الواضح مشروعية تبنّي الجهاد الديني من قبل الحركة، لا سيّما أنّها ليست جماعة جهادية بالمفهوم الأممي، كما قدّمه الجهاديون في تسعينيات القرن الماضي وما تلاه، فضلاً عن الانتقادات الحادة ذات الخلفية الدينية فيما يتعلق بمفردات الولاء والبراء وتحكيم الشريعة وغيرها من النقاط، لا سيّما في ظل تحالفاتها السياسية التي تمثل العمود الفقري النمطي للجماعات الجهادية؛ الأمر الذي يضع بدوره الحركة وقتالها في إطار "المقاومة الشعبية والوطنية"، والبحث عن أشكال مختلفة من الشرعية غير الشرعية الدينية، وهي المشروعية السياسية والشعبية التي تستمد شرعيتها من التأييد الشعبي والممارسات الديمقراطية التي غابت عن قطاع غزة منذ 2006، ممّا يضعنا بدوره في إطار التساؤل عن مدى المقبولية السياسية للحركة في قطاع غزة، لا سلطة الأمر الواقع كما يفترض البعض.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية