بين القبول والرفض.. تعرف إلى مبادرة "زواج البركة" في غزة

غزة

بين القبول والرفض.. تعرف إلى مبادرة "زواج البركة" في غزة


10/12/2019

بات الزواج في قطاع غزة أمراً في غاية الصعوبة، نتيجة ارتفاع التكاليف والتقيّد بالعادات والتقاليد، فمهر العروس يتراوح حالياً بين (4 آلاف و7 آلاف دولار)، إضافة إلى تكاليف حفلة الزفاف وتجهيز شقة سكنية، وأمور أخرى لا يستطيع معظم شباب القطاع توفيرها، نظراً للأوضاع الاقتصادية في الوقت الراهن.

اقرأ أيضاً: السلطة الفلسطينية تتجه إلى رفع سنّ زواج المرأة إلى 18 عاماً
وقد تراجعت معدلات الزواج، خلال العام الماضي، بإجمالي 15392 حالة، مقابل 17367 للعام 2017، في حين وصلت نسب الطلاق إلى 20% من إجمالي عقود الزواج للعام 2018، وفق رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في قطاع غزة، حسن الجوجو.
وفي محاولة للحدّ من ظاهرة العنوسة لدى الجنسين في قطاع غزة، وتخفيف العبء عن الشباب العازفين عن الزواج، نتيجة غلاء المهور، وعدم توافر مسكن خاص بهم، أطلق أستاذ جامعي مبادرة فردية أطلق عليها اسم "زواج البركة".

عادات مرهقة مالياً

يقول الدكتور محمود كلخ، صاحب فكرة مبادرة "زواج البركة"، في حديثه لـ"حفريات": "بعد ملاحظتي بلوغ عدد كبير من الشباب والفتيات سنّ الثلاثين دون أن يتزوجوا؛ بفعل تداعيات الحصار الإسرائيلي، والانقسام الداخلي بين حركتَي فتح وحماس، تساءلت: "ماذا سيحصل في حال التقليل من المهور وتغيير بعض عادات وتقاليد الزواج المرهقة مالياً؟".

تمّ زواج عدد لا بأس به من الشباب والفتيات منذ انطلاق المبادرة قبل ثلاثة أشهر

ويضيف: "بعد تفكير عميق قررت إطلاق مبادرة "زواج البركة"؛ حيث تم تحديد قيمة مهر العروس في غزة بـ(1000 دينار أردني)؛ أي ما يعادل 1500 دولار أمريكي، بدلاً من (4000 دينار أردني)، وأن تعيش الزوجة في بيت العائلة مع ضمان الاستقلالية لها، إضافة إلى تقليل تكاليف الزواج؛ أي أن تكون التكاليف مركزة في صالة الفرح، وخلالها يتم الإشهار وحفلة الزواج، دون إسراف".
ويردف قائلاً: "الهدف من المبادرة تقليل الديون بعد الزواج؛ حيث يتم الفرح دون أن يكون على العريس ديون متراكمة، تنتهي به إلى السجن، كحال كثيرين من الشباب الذي يقبعون خلف جدران السجون، لعدم قدرتهم على سداد الديون التي تحمّلوها لإتمام زواجهم، فتلك المبادرة تقلل من المشاكل التي تقود في كثير الأحيان إلى إنهاء العلاقة الزوجية بالطلاق".

 تم تحديد قيمة مهر العروس في غزة بـ(1000 دينار أردني)

لا تعارض مع الأصول الاجتماعية
ويوضح كلخ؛ أنّ تخفيض قيمة المهر إلى ألف دينار، وإقامة الزوجين في بيت العائلة فكرة تناسب الوضع الراهن كون معظم الشباب لا يستطيعون تأمين المهر كاملاً، ولا يستطيعون دفع إيجار المنزل الذي لا يقلّ عن 200 دولار شهرياً.
ويلفت صاحب فكرة المبادرة إلى أنّ الزواج، من خلال مبادرته الشخصية، لا يتعارض مع الأصول المعروفة في فلسطين؛ إذ يسجّل الشباب والفتيات أسماءهم خلال منصة خاصة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أنّه يشترط على المتقدّمين للمبادرة ألّا يكونوا قد تزوجوا قبل ذلك، وأيضاً لا تشمل المبادرة المطلقات والأرامل، أو الرجل الذي سبق له الزواج.

محمود كلخ: الهدف من المبادرة هو تقليل تكاليف الزواج حيث يتم الفرح من دون أن تتراكم الديون على العريس

ويفيد؛ لا يتم قبول طلب من الفتيات اللواتي سجلن، إلا بعد التواصل مع أولياء أمورهنّ، لتعريفهم بتفاصيل المبادرة، وفي حال الموافقة على تفاصيل المبادرة، يدرج اسم الفتاة، ويتم اختيارها بناء على المواصفات التي يطلبها الشاب، من سنّ ومؤهل علمي، ومن ثم تتوجه والدته لخطبتها بحسب الأصول المتعارف عليها.
ويبين كلخ أنّ المبادرة لاقت إقبالاً مجتمعياً كبيراً، وهذا ما دفعه لتشكيل لجنة من الحكماء والمخاتير والوجهاء على مستوى القطاع، وأنّه تمّ زواج عدد لا بأس به من الشياب والفتيات، منذ انطلاق المبادرة قبل ثلاثة أشهر.

تخطّي العقبات

لم يتمكن عثمان (34 عاماً) من الزواج؛ لعدم قدرته على توفير المهر كاملاً، وعدم توفر شقة سكنية خاصة به؛ ففي كلّ مرة كان ينوي بها خطبة فتاة، لم يوفَّق نتيجة غلاء المهور، واشتراط أولياء الأمور أن يوفّر شقة لزوجته، وهو لا يستطيع ذلك نتيجة عدم حصوله على عمل ثابت.

اقرأ أيضاً: الزواج العرفي في غزة: عقود خارج إطار القانون.. مَن ضحاياها؟
وبعد طول انتظار، استطاع عثمان تخطّي عقبة المهر والشقة، وتزوّج فتاة بالمواصفات نفسها التي كان يحلم بها، وأقام حفل زفاف بسيطاً، ولا يوجد عليه ديون بعد الزواج؛ لأنّه تزوج وفق الشروط التي تتضمنها مبادرة "زواج البركة"، الذي كان من أول المسجلين بها منذ الإعلان عنها".

وليد شبير: يجب عدم تحديد مبلغ ألف دينار كمهر أساسي للفتاة وتقليل مبلغ المهر بالتراضي

ويقول لـ"حفريات": "تخرّجت في الجامعة، العام 2007، تخصص علم نفس، ولم أحصل على وظيفة ثابتة، بالتالي؛ لم أستطع الارتباط بفتاة لعدم قدرتي على دفع المهر كاملاً، والذي لا يقل عن أربعة آلاف دينار أردني، ولا يوجد لديّ بيت مستقل، ولا أستطيع دفع إيجار شقة سكنية؛ لذلك كافة محاولات الخطبة التي كانت أقوم بها كانت تبوء بالفشل".
ويضيف: "كان الزواج بالنسبة إليَّ حلماً من الصعب تحقيقه في ظلّ سوء الأوضاع، لكني من خلال مبادرة "زاوج البركة"، حققت هذا الحلم، والآن أسكن أنا وزوجتي في بيت العائلة، ونعيش حياة سعيدة، دون حدوث أيّة خلافات بيننا، ودون أن أتعرّض للسجن لعدم سداد الديون، فهذه المبادرة هي محاولة للحدّ من ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج".
تأييد
من جهته، يقول أبو محمود، والد إحدى الفتيات اللواتي تزوجن ضمن مبادرة "زواج البركة"، في حديثه لـ"حفريات": "الشباب في القطاع يعانون الأمرّين، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي نمرّ بها، ويجب أن نقف إلى جانب بعضنا، فعندما تقدّم أحد الشباب لخطبة ابنتي من خلال المبادرة، لم أهتم بقيمة المهر بقدر اهتمامي بأخلاقه".

اقرأ أيضاً: تقرير حديث صادم حول زواج القاصرات في إيران
ويضيف: "بعد التأكّد من أخلاق الشاب المتقدم للزواج من ابنتي، ومن أنّه سيحافظ عليها، وافقت دون معرفة مقدار المهر الذي سيدفعه، فتمت الخطبة وبعد فترة وجيزة أقمنا حفل زفاف بسيط اقتصر على أفراد العائلتين فقط، واستطعنا التغاضي عن تكاليف الفرح الباهظة، التي ليس لها أيّ لزوم في وقتنا الحالي". 

استطاعوا التغاضي عن تكاليف الفرح الباهظة
ويواصل حديثه: "دائماً كنت أرفض أن تتزوج واحدة من بناتي في بيت العائلة، وكنت أشترط توفير شقة خاصة بها، إلا أنّ الظروف الاقتصادية لا تسمح لشاب مقبل على الزواج بتوفير شقة سكنية، أو دفع إيجار، وهو بالكاد يستطيع توفير الطعام؛ لذلك وافقت على أن تسكن ابنتي مع زوجها في غرفة ببيت العائلة في الوقت الحالي، أملاً في أن تتغير الظروف، ويستقلا في بيت هو وزوجته".
أصوات معارضة
في المقابل؛ يرفض أبو سائد تزويج بناته ضمن مبادرة "زاوج البركة"، إذ يقول لـ"حفريات": "المهر هو حقّ الزوجة الشرعي، ويجب أن تسكن في بيت مستقل، سواء كان ملكاً أو إيجاراً، وإتمام الزواج من دون ذلك هو استخفاف بعقول الناس، فهذه المبادرة غير مقبولة اجتماعياً؛ لأنّها تتعارض مع العادات والتقاليد المتعارف عليها في مجتمعنا، ومخالفة للشرع".

اقرأ أيضاً: إكراهات الزواج والطلاق لدى الأقباط المصريين
ويتساءل أبو سائد: "في حال تزوّج الشاب وهو لا يمتلك إلا جزءاً من المهر وتكاليف الزواج، وليس له مصدر دخل ثابت؛ فكيف سوف يتمكن من توفير متطلبات زوجته؟ وكيف سوف تعيش معه حياة زوجية سعيدة وهي تسكن في غرفة داخل بيت العائلة؟"، مضيفاً: "لذلك تلك المبادرة مرفوضة ويجب إعادة النظر بها؛ لأنّ غالبية حالات الزواج التي تمت من خلالها سوف تنتهي بالطلاق".
من جهة أخرى، يقول أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الإسلامية بغزة، د.وليد شبير، لـ"حفريات": "مهر الزوجة هو حقّها الذي أقرّه لها الشرع، ولا يجوز تحديده بمبلغ معين، فهذا الأمر يعدّ تجاوزاً للشرع، وظلماً للزوجة، ولكن نظراً لما يعانيه سكان القطاع، وعدم قدرة الشباب على توفير كافة تكاليف الزواج، يمكن تقليل مبلغ المهر بعد التراضي".
ويضيف: "مبادرة "زواج البركة" تتماشى مع الظروف الحياتية لسكان قطاع غزة حالياً، وسوف تقلل من عزوف الشباب عن الزواج، لكن يجب عدم تحديد مبلغ ألف دينار كمهر أساسي للفتاة في غزة، وعدم تجاوز الشرع، وأن تكون تلك المبادرة مؤقتة نظراً للظروف الحالية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية