أثار الداعية أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين، حالة من الجدل، بعد أن صرّح بأنّ وجود موريتانيا "خطأ"، وذلك في مقابلة أجريت معه مؤخراً حول الخلافات الجيوسياسية بين المغرب والجزائر المجاورة، أكد فيها مناصرته للفكرة التي دافع عنها علال الفاسي، بحسب قوله، وأنّه يجب على المغرب استعادة حدوده التاريخية قبل الاستعمار الأوروبي، وأنّ موريتانيا جزء لا يتجزأ من المغرب.
وعليه، فإنّ الشيخ الذي يرأس الذراع الدينية للإخوان في قطر، يرى أنّ قضية الصحراء وموريتانيا من صنع الاستعمار، لكن منذ أن اعترف المغرب بالدولة الموريتانية، فإنّ القضية "تُركت للتاريخ" ليقول كلمته الأخيرة في المستقبل، بحسب تصريحاته.
انتفاضة موريتانية
المجموعة البرلمانية للصداقة المغربية الموريتانية في موريتانيا اعتبرت تصريحات الريسوني الاستفزازية، بحسب وصفها، ذهبت إلى أبعد من اللازم، وأنّها تهين بلدهم، وتخرج عن سياق الاحترام وتوطيد العلاقات بين البلدين. وأكدت زينب التقي رئيسة المجموعة البرلمانية الموريتانية، في بيان صحفي صدر مؤخراً، تصريحات الريسوني، لافتة إلى أنّها تنتهك أبسط قيم الأخوة والجيرة، وأبجديات الدبلوماسية وخطاب الكرامة.
وأشارت التقي في البيان الصحفي إلى أنّه يتعين على الريسوني الاعتذار للشعبين الشقيقين على الإساءة إليهما معاً، والإضرار بالجهود الرسمية والشعبية في العلاقات الأخوية التي تتطلع إلى الإيجابية والتعاون الثنائي والإقليمي.
وعلى صعيد ردّة فعل الأذرع الإخوانية في المنطقة، استنكر الإخواني المثير للجدل عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الجزائرية، تصريحات الريسوني، مؤكداً أنّها صدمت مشاعر الجزائريين والكثير من أبناء المنطقة المغاربية، وأشار إلى التصريحات التي وصفها بأنّها خطاب متعجرف، وأسلوب غير مسؤول لرئيس الاتحاد، مؤكداً أنّ التعدي المتكرر للرموز المغربية على سيادة الجزائر ووحدة أراضيها أمر متكرر.
إخوان موريتانيا يستنكرون
وفي موريتانيا، استنكر حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، الذراع السياسية للإخوان، ما صرّح به الريسوني، وعبّر الحزب عن تفاجئه من اللهجة العدائية للريسوني، وطالبه بسحبها فوراً، والاعتذار عنها بشكل صريح؛ "لما فيها من طعن في أعزّ ما نملك، وجودنا واستقلالنا الوطني"، بحسب وصف البيان، الذي لفت إلى أنّ تصريحات الريسوني حملت "عبارات غير لائقة، وأحكاماً إطلاقية بعيدة عن الدقة، ومعلومات غير مؤسسة، وإساءة غير مناسبة ولا مقبولة للجمهورية الإسلامية الموريتانية وأهلها".
حرص الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في بيان رسمي، على التنصل من تصريحات الريسوني، زاعماً أنّ الأخير من حقه إبداء رأيه الشخصي باحترام وتقدير كاملين لنفسه وللآخرين
الدكتور عبد السلام القصاص، الباحث في العلوم السياسية، خصّ "حفريات" بتصريحات قال فيها: إنّها ليست المرة الأولى التي يختلف فيها إخوان موريتانيا مع الإخوان في المغرب، فقد جرت من قبل تصريحات بين حزب تواصل وحزب العدالة والتنمية (المصباح) إبّان رئاسة الأخير للحكومة المغربية، الذي هاجم الذراع الإخوانية في موريتانيا، بعد لقاء مسؤول من جبهة البوليساريو، وردّ إخوان موريتانيا بهجوم مماثل، استنكروا فيه تصريحات إخوان المغرب التي رأوا أنّها تعتبرهم أطفالاً لا يحسنون التصرف.
ويرى القصاص أنّ الاختلاف حول الأمور المحلية، وخاصّة قضية الصحراء، هو الذي أحدث هذا التصدع بين البنى التنظيمية للأحزاب الإخوانية في المغرب وموريتانيا، وأيضاً الجزائر، حيث اعتاد عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم (حمس)، الذراع الأبرز للإخوان، الهجوم على حزب المصباح، واتهامه بخيانة قضية فلسطين، إثر توقيع الاتفاق الثلاثي مع إسرائيل والولايات المتحدة.
أحمد الريسوني: موريتانيا حالياً دولة مستقلة، وقد اعترف بها المغرب، هذا شأن السياسيين فليمضوا فيه، وأنا لا أنازعهم فيه، وهو ما تضمنته تصريحاتي
ويتوقع القصاص أن يتسع حجم الخلاف بين الأذرع الإخوانية في دول المغرب العربي، لحدة الخلافات وتباين الأوضاع الداخلية، والقناعات والأولويات السياسية، وكلها كيانات أصبحت على هامش المشهد السياسي، خاصّة بعد السقوط الانتخابي الأخير للبجيدي في المغرب، وتقليم أظافر حركة النهضة في تونس.
محاولات للتراجع والتبرير
من جهة أخرى، حرص الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في بيان رسمي، على التنصل من تصريحات الريسوني، زاعماً أنّ الأخير من حقه إبداء رأيه الشخصي باحترام وتقدير كاملين لنفسه وللآخرين، لكنّ دستور الاتحاد العالمي ينص في الوقت نفسه "على أنّ الرأي الذي يُسند إلى الاتحاد، هو الرأي الذي يتم التوافق، والتوقيع عليه من الرئيس والأمين العام، بعد المشورة، ثم يصدر باسم الاتحاد". مضيفاً: "وبناء على هذا المبدأ؛ فإنّ المقابلات أو المقالات للرئيس، أو الأمين العام، تُعبّر عن رأي قائلها فقط، ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي الاتحاد".
وفي أعقاب الضجة المثارة، حاول الريسوني تبرير موقفه، واحتواء موجة الغضب بعد الحملة التي طالته، زاعماً في تصريح لموقع "اليوم 24" المغربي أنّ "خطابه جاء في سياق تاريخي، ولا علاقة له بالوضع الحالي". وأضاف: "كنت أعبّر عن آرائي بمنطق التاريخ والشرع والحضارة، بينما كانوا يردّون عليّ بمنطق سياسي، ومن مواقع سياسية".
الريسوني قال: إنّ تصريحاته "لم تحمل أيّ أبعاد أو حسابات سياسية"، وإنّه حالياً متحرر من أيّ منصب سياسي، ولا تربطه أيّ علاقة مع أصحاب المناصب"، مؤكداً أنّ "موريتانيا حالياً دولة مستقلة، وقد اعترف بها المغرب...، هذا شأن السياسيين فليمضوا فيه، وأنا لا أنازعهم فيه، وهو ما تضمنته تصريحاتي".
وفي تراجع عن لهجته العدوانية تجاه الجزائر، ومطالبته بالجهاد ضدها بمسيرة تتجه نحو تندوف، قال الريسوني: "أليس من حق الشعب المغربي التواصل مع إخوانه وأبنائه المحتجزين في تندوف؟"، وأضاف: "المغرب على استعداد للتحاور مع الجزائر، بما يمكنه أن ينهي النزاع المفتعل في المنطقة، وحلّ هذه المشكلة المصطنعة التي خلفتها الصناعة الاستعمارية"، بحسب ما صرّح به.
مواضيع ذات صلة:
- أول تعليق للحكومة الموريتانية على تصريحات الريسوني المسيئة... تفاصيل
- الريسوني ينشر توضيحاً لتصريحات مثيرة للجدل ضد موريتانيا والجزائر... هل تراجع عنها؟
- الإخوان يتبرأون من الريسوني للحفاظ على مصالح داعميهم مع الجزائر