بسرعة 121 ألف كيلومتر في الساعة.. "الأمل" الإماراتي يبحر بالحلم العربي نحو المريخ

بسرعة 121 ألف كيلومتر في الساعة.. "الأمل" الإماراتي يبحر بالحلم العربي نحو المريخ


09/02/2021

بمتوسط سرعة يبلغ 121 ألف كيلومتر في الساعة، يسافر في هذه اللحظات مسبار الأمل الإماراتي، الذي انطلق من قاعدة تاناجاشيما الفضائية في اليابان يوم 20  تموز (يوليو) 2020، مبحراً في عمق الفضاء المظلم لتحقيق حلم العرب في الوصول إلى الكوكب الأحمر، لتسطر بذلك دولة الإمارات أولى الرحلات العلمية الرائدة بمجال استكشاف الفضاء وعلومه.

وتتجه أنظار العالم اليوم صوب الإمارات عند الساعة السابعة والنصف مساءً، وهو التوقيت المُحدّد لوصول مسبار الأمل إلى مداره في كوكب المريخ بعدما سافر في الفضاء العميق طوال 7 أشهر، قاطعاً نحو 493 مليون كيلومتر.

من المتوقع أن يصل مسبار الأمل الإماراتي إلى مدار كوكب المريخ في تمام الساعة السابعة والنصف من مساء اليوم الثلاثاء 

وبمناسبة هذا الإنجاز العربي التاريخي الذي تسعى الدولة الخليجية إلى تحقيقه، وجّه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، تهانيه للشعب الإماراتي خاصة والشعوب العربية والإسلامية عامة، مؤكداً أهمية هذا المشروع العلمي العملاق، الذي يسعى لتحقيق أهداف غير مسبوقة في تاريخ البشرية.

وقال الشيخ بن راشد، في تسجيل مصوّر نشره عبر حسابه في موقع تويتر، أمس الإثنين: "خلال الساعات القادمة يصل مسبار الأمل إلى كوكب المريخ"، موضحاً أنّ المسبار استغرق أكثر من 5 ملايين ساعة عمل، وشارك فيه أكثر من 200 مهندس ومهندسة إماراتية.

وأضاف الشيخ الإماراتي: "هدفنا هو إعطاء الأمل إلى جميع العرب بأنّنا قادرون على منافسة بقية الأمم والشعوب"، معرباً عن أمله في وصول المسبار إلى الكوكب الأحمر مساء اليوم الثلاثاء، منوهاً إلى أنّ "التحدّي الأكبر يتمثّل في دخول مسبار الأمل إلى مدار المريخ، حيث إنّ 50 بالمئة من البعثات البشرية التي حاولت قبلنا، لم تستطع أن تدخل المدار، ولكن أقول: حتى وإن لم ندخل المدار فقد دخلنا التاريخ".

27 دقيقة عمياء 

وعند دخول مسبار الأمل إلى مدار الالتقاط حول المريخ، سيواجه واحداً من أصعب التحديات التي مر بها منذ ولادته كفكرة في الخلوة الوزارية لحكومة دولة الإمارات عام 2014، قبل أن تتبلور الفكرة إلى خطة استراتيجية ومشروع علمي عملاق، تحت اسم مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ.

ويتلخص هذا التحدي الأصعب في أنّ المسبار المنطلق في الفضاء بسرعة 121 ألف كيلومتر في الساعة عليه أن يقوم ذاتياً بإبطاء سرعته إلى 18 ألف كيلومتر في الساعة فقط، وذلك خلال 27 دقيقة تعرف باسم "الـ27 دقيقة العمياء"، وذلك باستخدام محركات الدفع العكسي الـ 6 من طراز "دلتا في" المزوّد بها المسبار.

مسبار الأمل حول المريخ

وخلال هذه الدقائق الحرجة سيكون الاتصال متأخراً بمركز التحكّم بالمحطة الأرضية في دبي، وعليه أن يقوم بهذه العملية ذاتياً، كما عليه أن يقوم وحده أيضاً بالتغلّب على ما قد يواجهه من تحديات أثناء هذه الدقائق التي ستحدّد مصير 7 أعوام قضاها فريق المشروع في العمل بدأب ومثابرة في تصميم وتطوير وبناء وبرمجة المسبار، حتى يكون جاهزاً لمجابهة هذا التحدي وتخطي هذه الدقائق الـ27 العمياء، كما فعل مع ما واجهه طوال رحلته المريخية من تحديات.

اقرأ أيضاً: احتفاء بمسبار الأمل.."لون المريخ" يزين معالم إماراتية وعربية.. شاهد

وتزداد صعوبة هذه المرحلة في كون الاتصال سيكون متأخراً بين مركز التحكّم والمسبار، ومن هنا جاءت تسمية هذه الدقائق الـ 27 بـ "العمياء"، حيث إنّ المسبار وبلا تدخّل بشري سيعالج كافة تحدياته في هذه الفترة بطريقة ذاتية، وفي حال وجود أعطال فنية في محركين أو أكثر من محركات الدفع العكسية التي يستخدمها المسبار في عملية إبطاء سرعته، سيتسبب ذلك بضياع أو تحطُم المسبار في الفضاء العميق، وفي كلتا الحالتين لا يمكن استرجاعه.

يتمثل التحدي الأصعب الذي يواجه مسبار الأمل في تخفيض سرعته ذاتياً من 121 ألف كيلومتر إلى 18 ألف كيلومتر في الساعة، وذلك خلال 27 دقيقة تُعرف باسم (الـ27 دقيقة العمياء)

وستكون اللحظة الحاسمة، عندما يتمكّن فريق المحطة الأرضية في دبي من استلام إشارة المسبار فور تخطيه الدقائق الـ 27 العمياء إيذاناً بإعلان نجاح المهمة في هذه المرحلة.

وبعد التأكّد من أنّ كل الأمور تسير وفقاً لما خطّط له الفريق، سيكون التواصل مع المسبار مرتين إلى 3مرات أسبوعياً، وتتراوح مدة كل اتصال بين 6 إلى 8 ساعات، لإرسال الأوامر إلى المسبار وأجهزته العلمية، وكذلك لاستقبال البيانات التي يجمعها المسبار طوال مهمته، وذلك بالتعاون مع الشركاء العلميين الدوليين للمشروع. وقد تمّ تجهيز مركز التحكّم الأرضي على أعلى مستوى للقيام بهذه المهمة من خلال الكوادر الإماراتية الشابة.

وفي حال نجحت مهمة دخول مدار المريخ، فستكون الإمارات خامس دولة تصل إلى الكوكب على الإطلاق، في حدث يتزامن مع احتفالاتها بالذكرى الخمسين لولادتها هذا العام.

ما الذي سيفعله المسبار في مدار الكوكب الأحمر؟ 

وفي حال نجاح ذلك، سيبقى المسبار في هذه المرحلة لمدة شهرين تقريباً، سيتم خلالها إجراء مزيد من الاختبارات حتى يصبح جاهزاً لبدء عملية جمع البيانات العلمية.

اقرأ أيضاً: يد العون الإماراتية تمتد باستمرار إلى أهالي سقطرى... ماذا قدمت مؤسسة خليفة؟

وخلال المرحلة العلمية، سيدور المسبار حول كوكب المريخ دورة كل 55 ساعة في مدار بيضاوي يراوح ما بين 20 ألف كيلومتر و43 ألف كيلومتر، وستنقل 3 وسائل تقنية مثبتة على المسبار صورة كاملة عن أجواء الكوكب الأحمر طوال السنة المريخية.

صورة من الارشيف لمسبار "الأمل" الإماراتي في مركز محمد بن راشد في دبي في 19 تموز/يوليو 2020

وسيظل المسبار في المدار لمدة سنة مريخية كاملة أي 687 يوماً أرضياً، وفق ما أورد موقع "الحرة".

وسيحلل جهاز لقياس الأطياف الحرارية يعمل بالأشعة تحت الحمراء الغلاف الجوي السفلي وهيكلة الحرارة للكوكب الأحمر، بينما يوفّر جهاز تصوير عالي الدقة معلومات حول مستويات الأوزون.

رئيسة استكشاف الفضاء في وكالة الفضاء البريطانية: المعلومات التي سيعود بها مسبار الأمل من مهمته حول المريخ ستلعب دوراً كبيراً في فهم الكوكب الأحمر

كما سيوفر جهاز آخر يعمل بالأشعة فوق البنفسجية أرقاماً دقيقة حول مستويات الأكسيجين والهيدروجين من مسافة تصل إلى 43000 كيلومتر من السطح.

والمشروع، المُصمّم لرفد مختلف مراكز الدراسات والأبحاث حول العالم، بمعلومات غاية في الأهمية تساعد في فهم أجواء الكواكب الأخرى بما يسمح بفهم أفضل لمناخ الأرض، مصمم أيضاً لإلهام المنطقة التي تعاني من الاضطرابات والحروب.

وفي تصريح لوكالة "فرانس برس"، قال مدير المشروع عمران شرف: "أرادت الإمارات توجيه رسالة قوية للشباب العربي وتذكيرهم بالماضي، بأنّنا كنّا مصدراً للمعرفة".

المجتمع العلمي يشيد بالجهود الإماراتية

حظي المشروع الإماراتي بإشادات علماء فلك عالميين؛ فقد قالت رئيسة استكشاف الفضاء في وكالة الفضاء البريطانية، سوي هورن، لـ "سكاي نيوز": إن "المعلومات التي سيعود بها مسبار الأمل من مهمته حول المريخ ستلعب دوراً كبيراً في فهم الكوكب الأحمر"، مشيرة إلى أنّ العمل 7 أعوام متواصلة في مشروع مسبار الأمل "هو تحدٍ كبير لعامل الوقت في مجال استكشاف الفضاء"، مؤكدة أنّ "دولة الإمارات تجاوزت هذا التحدي بطريقة استثنائية قياساً بقصر المدة الزمنية".

اقرأ أيضاً: الإمارات تفتتح معبد الديانات الإبراهيمية

من جهته، أشاد عالم الفيزياء الفلكية نيل تايسون، الذي يُعدّ من أشهر علماء الفيزياء الفلكية على مستوى العالم، بالمشروع الإماراتي، قائلاً: "مسرور بأنّ دولة الإمارات العربية المتحدة أرسلت مسبار الأمل إلى المريخ"، وأضاف: "أهداف وأبعاد كثيرة تحملها هذه المهمة؛ إن كان فيما تضيفه لدولة الإمارات العربية المتحدة والعالم العربي من جهة أو للعالم من جهة أخرى".

 اقتراب مسبار الأمل من مدار المريخ يؤكد ريادة الإمارات في علوم الفضاء

واعتبر تايسون أنّ مهمة مسبار الأمل غير مسبوقة على مستوى العالم في أهدافها العلمية الجريئة، قائلاً: "المسبار سيصل إلى المريخ ويدرس غلافه الجوي، هذا عمل لم يقم به أحد من قبل في المهمات السابقة، حيث انصب تركيزنا على سطح المريخ فقط وانشغلنا بقطبيه وبوجود الحياة أو المياه".

الإمارات.. قوة فضائية صاعدة

كما أكّد جان إيف لوغال، رئيس المركز الفرنسي للفضاء، أنّ العالم أصبح ينظر إلى الإمارات بعد إطلاقها "مسبار الأمل" كقوة صاعدة وضعت لنفسها موطئ قدم في النشاط الفضائي على المستوى العالمي.

وقال "لوغال"، في مقابلة خاصة مع وكالة أنباء الإمارات بمكتبه في العاصمة الفرنسية باريس، إنّ هذه الرحلة الاستكشافية العربية الأولى التي قادتها الإمارات تضعها ضمن مصاف الكبار في عالم الفضاء وعلومه، مؤكداً أنّ فرنسا قيادة وشعباً ووكالة فضاء تتابع مهمة "مسبار الأمل" عن كثب وتنتظر منها الشيء الكثير خدمة للعلم والعلوم.

اقرأ أيضاً: الإمارات.. رؤية حضارية تجمع العالم

وفي رده عن سؤال بشأن ما الذي ينتظره العالم من مهمة مسبار الأمل الإماراتي في الكوكب الأحمر، قال لوغال: "كما تعلمون مدار كوكب المريخ حساس جداً، لذلك لا عجب أن تكون مهمة مسبار الأمل هي المرة الأولى التي يحط فيها مسبار فضائي في مداره، هذا بالطبع سيمكننا جميعاً من معرفة خصائص مناخ المريخ وكذلك التقاط صور له من جميع الاتجاهات لم يتم التقاطها من قبل، لذلك سيثري المسبار الإماراتي معرفتنا العلمية بالكوكب الأحمر، لأنّ من شأن ذلك أن يكون المدخل لنا لنتعرف من خلال المريخ على كوكب الأرض بشكل أفضل والسبب أن الكوكب الأحمر في خصائصه يشبه كثيراً كوكب الأرض".

ورأت صحيفة "زود دويتشه تسايتونج" الألمانية أنّ اقتراب مسبار الأمل من مدار المريخ يؤكد ريادة الإمارات في علوم الفضاء، مضيفة أنّ ذلك يحدث في وقت تقف فيه أوروبا موقف المشاهد من نجاحات الإمارات والولايات المتحدة والصين في هذا المجال، بعد أن ضاعت عليها فرصة إطلاق مسبار "إيكسو مارس" الذي كان من المقرّر إطلاقه الصيف الماضي.

مسبار الأمل.. تعزيز للاقتصاد المعرفي في الإمارات

ومن المنظور الاقتصادي، يؤكد الخبراء أنّ هذا الإنجاز يُرسّخ الاقتصاد الوطني القائم على المعرفة والتنوّع، ويعمل على توسيع بيئة الأعمال بالخيارات والبدائل والشراكات الاقتصادية المُتعلّقة بقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الإمارات، فضلاً عن مكانتها المرجعية العربية الأولى في الفضاء.

رئيس المركز الفرنسي للفضاء: أصبح العالم ينظر إلى الإمارات كقوة صاعدة وضعت لنفسها موطئ قدم في النشاط الفضائي على المستوى العالمي

وكانت الإمارات، عندما أنشأت وكالة خاصة بالفضاء قبل أعوام وجعلت استكشاف المريخ استهلالها، قد وضعت مبادئ توجيه استراتيجية تبدأ بالأمن الوطني ووظائفه، مروراً بمجالات العلـوم والاستكشاف، وصولاً إلى النشاطات التجارية.

وجاء تأسيس وكالة الفضاء الوطنية ومشروع ارتياد المريخ، مصاحبين لإطلاق الاستراتيجية الوطنية للابتكار، نظراً لأنّ استراتيجية التنوّع الاقتصادي فـي الإمارات، تعني التحوّل من اقتصاد قائم على الموارد إلى اقتصاد قائم على المعرفة، متمثلاً في الابتكار والبحوث العلمية والتكنولوجية والذكاء الاصطناعي، ضمن بيئة أعمال تضمن الشراكة الفاعلة للقطاعين؛ الحكومي والخاص.

وعلى مستوى الاقتصاد الاجتماعي لمشروع الفضاء الإماراتي الطموح؛ فإنّ تأثيره سينعكس على قطاع التعليم، الذي سيستفيد من الاهتمام المُتجدّد بالدراسات في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وهذا الاهتمام سيكون حجر الأساس لتنشئة جيل إماراتي يمتلك المواهب العلمية والتقنية ولديه القدرة على تولي قيادة البرامج الوطنية.

لا يقتصر طموح دولة الإمارات على استكشاف المريخ فحسب

واستناداً إلى هذه الحقائق؛ فإن استكمال مشروع استكشاف المريخ، بما وفّرت له الإمارات من بنية أساسية وقوة عمل وطنية وشراكات قطاعية ودولية، سـيؤدي إلى استقطاب الاستثمارات الدولية من خلال جذب شركات القطاع الخاص المعنية بهذه الصناعة، الأمر الذي يعني عقد شراكات جديدة وعوائد مادية كبيرة ضمن بيئة عملت القيادة الإماراتية عبر مختلف برامجها الاستراتيجية على جعلها بيئة مواتية لازدهار الأعمال.

الطموح الإماراتي أبعد من استكشاف المريخ!

ولا يقتصر طموح دولة الإمارات على استكشاف المريخ فحسب؛ إذ إنّها تتبنى عدة مشاريع طموحة خارج كوكب الأرض، منها إرسال 9 أقمار اصطناعية فضائية للاتصالات وجمع المعلومات، فيما تُخطّط لإطلاق 8 أقمار أخرى في الأعوام القادمة، فضلاً عن إرسال الشاب هزاع المنصوري إلى الفضاء، ليكون أول رائد فضاء إماراتي وأول عربي يزور محطة الفضاء الدولية، كما أنّها تُخطّط لبناء مدينة بشرية على سطح المريخ خلال الـ 100 عام القادمة.

اقرأ أيضاً: وزيرة شابة تقف خلف مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ

كما وتتطلع الدولة الخليجية، بموجب استراتيجية الفضاء الوطنية التي تمّ إطلاقها العام الماضي، إلى تنفيذ مشاريع أخرى من بينها سياحة الفضاء، وقد وقّعت مذكرة تفاهم مع شركة "فيرجين غالاكتيك" في هذا الإطار، وفق ما أورد موقع العربية.

ويُجسّد المشروع طموح دولة الإمارات وسعي قيادتها الرشيدة المستمر إلى تحدي المستحيل وتخطيه وترسيخ هذا التوجّه كقيمة راسخة في هوية الدولة وثقافة أبنائها؛ إذ إنّ المشروع يهدف إلى إحداث نقلة نوعية في الدولة في مجالات الهندسة والبحث العلمي والابتكار ويُعدّ مساهمة إماراتية في تشكيل وصناعة مستقبل واعد للإنسانية.

الصفحة الرئيسية