في احتفال رسمي كبير، جرت الخميس 25 كانون الثاني (يناير) الجاري، مراسم نقل تمثال رمسيس الثاني، من مقره المؤقت بميدان الرماية، إلى محطته الأخيرة بالبهو العظيم، في المتحف المصري الكبير، بحضور وزراء الآثار والثقافة والسياحة، وعدد من المسؤولين، ووزراء وسفراء العالم، الذين شهدوا رحلته الثالثة والأخيرة منذ اكتشافه قبل قرابة قرنين من الزمان.
وعزفت الموسيقى العسكرية السلام الوطني، بينما حملت الرافعات العملاقة التمثال، وعلى الجانبين سارت الخيول، في مشهد بديع، وسط تغطية إعلامية مميزة.
احتفال يليق بالوصول الأخير
جرت وقائع نقل تمثال رمسيس الثاني، وسط حضور إعلامي دولي، وتغطية صحفية من عشرات الصحف والمجلات المصرية والعالمية، في وجود قرابة 100 قناة تلفزيونية؛ حيث سار التمثال لنحو 400 متر، وتم إعداد طريق خاص لامتصاص الصدمات، مع استخدام رافعات خاصة، مجهزة بمنظومة ناقلات ميكانيكية شديدة الدقة، وبفضلها تم الحفاظ على اتّزان التمثال الضخم في حالة رأسية طوال مراحل عملية النقل، والتي بلغت تكلفةً إجماليةً قدّرها وزير الآثار، الدكتور خالد العناني، وفق تصريحات صحفية، بنحو 13.6 مليون جنيه، في حين تكلف نقله قبل 12 عاماً نصف هذا المبلغ تقريباً، رغم أنّ المسافة بلغت 30 كيلومتراً. لتعزف الموسيقى العسكرية تحية أخيرة للتمثال، الذي بلغ أخيراً محطته الأخيرة.
الاكتشاف والترحال
في العام 1820م عثر المستكشف "جيوفاني باتيستا" على التمثال الضخم، لثالث فراعنة الأسرة التاسعة عشرة، والذي حكم من 1279 ق.م حتى 1212 ق.م، وكان في ستة أجزاء منفصلة، وذلك في منطقة معبد ميت رهينة قرب ممفيس، وتم استخراج التمثال الذي يزن نحو 83 طناً، ويبلغ طوله 11.35متر، والذي نحت من حجر الجرانيت الوردي، ووضع في المعبد الكبير بميت رهينة.
في آذار (مارس) 1955م، جرت وقائع عملية النقل الأولى للتمثال الضخم، الذي يعود لأكثر من 3200 عام، من المعبد الكبير، إلى ميدان باب الحديد، والذي استبدل باسم "رمسيس"، الميدان الأكبر والأشهر بالعاصمة المصرية؛ حيث وقف التمثال أمام محطة القطارات المركزية الأولى، في استقبال زوار العاصمة، وأسفله النافورة الشهيرة، ليكتسب الميدان شهرة عالمية فيما بعد.
تعمّد موشي ديان زيارة المومياء داخل غرفة الفحص متهكماً باعتباره فرعون الخروج حسب العقيدة اليهودية
وبعد نحو نصف قرن من الاستقرار، تقرّر نقل التمثال مرة ثانية، ففي 25 آب (أغسطس) العام 2006، ومع ظهور علامات تأثر الحجر الجرانيتي للتمثال بحركة القطارات، وعوادم السيارات في الميدان الأكثر ازدحاماً بالقاهرة، ومع توصيات تقارير اللجان الفنية بضرورة نقل التمثال، جرت عملية نقله مرة أخرى إلى مقرّه المؤقت في ميدان الرماية، بطريق القاهرة–الإسكندرية الصحراوي، وبدأت في الوقت نفسه أعمال تشييد المتحف المصري الكبير بنفس المنطقة القريبة أهرامات الجيزة.
وجرت مراسم نقل التمثال تحت رعاية فريق هندسي محترف في وقتها، وتكلفت نحو ستة ملايين جنيه، وسط احتفال شهد اصطفاف المواطنين على جانبي الطريق، ولم يتمالك كثيرون دموعهم، وهم يودّعون التمثال الذي ارتبطوا به لنصف قرن من الزمان.
ومع اقتراب الانتهاء من أعمال إنشاء المتحف المصري الكبير، وبعد نحو 12 عاماً، جرت عملية نقل التمثال إلى مقرّه الأخير، بالبهو العظيم، والذي من المقرر أنْ يضُمّ مجموعة من أشهر وأهم الآثار الفرعونية، مثل؛ رأس ابسماتيك، ونقش خوفو، وتمثال منكاورع، وتابوت توت عنخ آمون، وعمود ساحو - رع وغيرها.
التمثال على طريق المومياء وقدر الترحال
يبدو أنّ تكرار نقل التمثال، يتّسق وقدر لازم الفرعون، ففي العام 1976م نقلت مومياء رمسيس الثاني إلى فرنسا، لمعالجتها من تدهور أصابها بسبب تعرضها للفطريات، وجرت وقائع استقبال رسمي في باريس، وفقاً لمراسم استقبال رؤساء الدول، حضرته وزيرة التعليم الفرنسية نيابة عن الرئيس الفرنسي آنذاك جيسكار ديستان.
هذا وقد تعمّد موشي ديان زيارة المومياء داخل غرفة الفحص، متهكماً، باعتباره "فرعون الخروج حسب العقيدة اليهودية"، كما عرض التليفزيون الفرنسي مشاهد من عملية علاج المومياء، ظهر فيها جسد الفرعون عارياً، وهو ما احتجّت عليه مصر رسمياً، لما اعتبرته "إهانة لأحد أبرز حكامها"، وطلبت اعتذاراً من الجانب الفرنسي، كما جرت واقعة سرقة لخصلة من شعر الفرعون، عرضها أحدهم للبيع في عام 2006م، وتم إلقاء القبض عليه، من قبل الشرطة الفرنسية، واستردت مصر الخصلة بعد ذلك.
تم نقل المومياء إلى متحف الإنسان بباريس، وبعد الكشف بالأشعة السينية، وعمل التحاليل اللازمة، اكتشف العلماء ما يقرب من تسعين نوعاً من الفطريات غزت جسد رمسيس الثاني، وبعد تلقيه العلاج اللازم، عاد إلى وطنه من جديد، في تابوت زجاجي، لينقل وسط مراسم جنائزية رسمية إلى مقبرته بمنطقة الدير البحري.
كاميرا "حفريات" رصدت بعدسة الزميل عز حسين، مراسم نقل تمثال رمسيس الثاني إلى محطته الأخيرة في المتحف المصري الكبير: