المنقذ اللغز والمحارب.. لماذا يثق التونسيون بقيس سعيّد؟

المنقذ اللغز والمحارب.. لماذا يثق التونسيون بقيس سعيّد؟


16/08/2021

يحظى الرئيس التونسي قيس سعيّد (63 سنة) بشعبية كبيرة وإجماع شعبي لافت، وهو الذي فاز في انتخابات 2019، بأغلبية غير مسبوقة، رغم أنّه جاء من خارج الأحزاب السياسية والمنظومة الحزبية، على خلاف الرؤساء الذين سبقوه (المنصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر سابقاً، والباجي قايد السبسي رئيس حركة نداء تونس).

هذه الشعبية زادت بعد الخطوات التي اتخذها بمناسبة عيد الجمهورية، يوم 25 تموز (يوليو) الماضي، بعد أن اختار الأخذ بزمام الأمور بنفسه، من خلال إعفاء رئيس الحكومة وتجميد البرلمان، رغم الانتقادات التي وجهت له في وقت سابق، على خلفية مشاكل اتصالية مكرّرة لنفس المحتويات والمضامين، ومحدودية نشاطه الدبلوماسي، وسط تساؤلات عن رؤية سعيد لإحداث التغيير وإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة منذ أكثر من عشر سنوات.

اقرأ أيضاً: "حركة الشعب" التونسية تبعث رسالة إلى الغنوشي... ماذا جاء فيها؟

وكشفت استطلاعات رأي متتالية بتونس عن ارتفاع شعبية سعيد، وتصدّر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مؤشّر الانعدام الكلي للثقة في الشخصيات السياسية.

الاستقامة..  ونظافة اليد

ويتفق أغلب التونسيين على أنّ سعيّد شخصية تتميز بنظافة اليد والاستقامة، وهو ما جعله، بالنسبة إلى الشباب الذين انتخبوه، بمثابة المنقذ من المنظومة السياسية والحزبية التي تدير شؤون البلاد منذ الثورة، وتلاحقها تهم الفساد والفئوية الضيقة، فيما يرى آخرون أنّ سعيّد استفاد من غضب الناس على الأحزاب، خاصة أحزاب السلطة، حيث كان المنجز الاقتصادي والاجتماعي ضعيفاً، وكانت مشاهد الصراعات العبثية والبعيدة عن مشاغل الشعب قد عمّقت الهوّة، ورغم مرور عشر سنوات من الثورة فإنّ تلك الأحزاب والنخب أيضاً لم ترسّخ الثقافة الديمقراطية في سلوكها.

ويعرف عن سعيد انتقاده الدائم للنظام السياسي الحالي وللمشهد البرلماني برمّته، ويتبنّى الرجل مشروع "الديمقراطية المباشرة"، التي تنطلق من إرادة الشعب، عبر تركيز المجالس المحلية، فضلاً عن أحقية الناخبين في سحب الوكالة ممن انتخبوه في أيّ وقت، في المقابل تُصرّ حركة النهضة الإسلامية، التي حصلت على غالبية المقاعد في البرلمان في الانتخابات الأخيرة، التي جرت عام 2019، على موقفها القاضي بضرورة الإبقاء على النظام الحالي، وهو شبه برلماني تتحكم به الأغلبية البرلمانية.

قيس سعيّد هو جزء من الأمل الذي عاد للمواطن البسيط بالأرياف والأحياء الشعبية، كما أنه نجح دبلوماسياً من خلال محاولاته المتكررة في إيجاد حلول بديلة

في هذا السياق، يؤكّد وجدي الخضراوي، القائم على الحملة الانتخابية لسعيّد بمحافظة القصرين (وسط غرب تونس)؛ أنّ سعيّد هو جزء من الأمل الذي عاد للمواطن البسيط بالأرياف والأحياء الشعبية، وبات يشعر أنّ له الحقّ في هذه الدولة، مشدّداً على أنّه الرجل الوحيد الذي أعاد الأمل للشعب وللشباب الذي قاطع الانتخابات التي جرت عام 2014، وفقد الثقة في كلّ السياسيين.

وقال الخضراوي، لـ "حفريات"؛ إنّ الكلّ أصبح يعرف الكلّ بعد اللُحمة التي أحدثتها ثورة 2011 بين كلّ المحافظات، وإنّ الشباب الذي لعب دوراً أساسياً في أحداث الثورة، صار باستطاعته تحديد الأشخاص الوطنيين من غير الوطنيين، و"سعيّد كان جدياً وصريحاً منذ عرفناه"، لافتاً إلى أنّه تعامل مع كلّ الشباب من منظور الأب الروحي، ولم يجعل جداراً بينه وبين التونسيين كباقي الرؤساء.

حركات ديبلوماسية ناجحة

من جانبه، رأى المحلل السياسي، عبد الجبار المدوري؛ أنّ سعيّد استطاع التقاط اللحظة، وحاول طيلة فترة الانسداد السياسي الذي رافقه فشل حكومة المشيشي في التعامل مع جائحة كورونا التي شلّت الاقتصاد وأخرجت عيوب النظام الصحي إلى السطح، العمل على جلب ملايين اللقاحات وأطنان من المساعدات والتجهيزات الطبية، ليلتقط المظاهرات التي خرجت في مختلف مناطق البلاد، الأحد 25 يوليو (تموز)، والتي ندّدت بالأساس بالمشيشي وحركة النهضة.

عبد الجبار المدوري

ويشير المدوري، في تصريحه لـ "حفريات"؛ إلى أنّ سعيّد نجح دبلوماسياً من خلال محاولاته المتكررة في إيجاد حلول بديلة، وتحمّل فشل دور البرلمان الذي بقي يدور حول نفسه دون أن يتّخذ خطوات تذكر في محاربة جائحة كورونا،

كما أشار المدوري إلى أنّ التوافق السياسي بين الأحزاب لم يثمر سلماً اجتماعياً ولا تقدماً اقتصادياً، وهو ما جعل سعيّد يربح الرهان على حساب النهضة وشركائها في الحكم، مشيداً بدور سعيّد في محاربة الإرهاب وتراجع منسوب العمليات الإرهابية، خلافاً لما عرفته البلاد بعد 2011.  

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ زيارة رئيس الحكومة الليبية لتركيا؟.. وما علاقة تونس؟

وقال المدوري: "سعيّد لم يكن واحداً من السياسيين الكلاسيكيين المعروفين على الساحة السياسية في تونس، بقدر ما كان شخصية بسيطة اعتمدت خطاباً شعبياً بسيطاً، يقوم على ثنائية الشباب ومناوئة الأحزاب، ولفت إلى تنقلات سعيّد التي لا تكاد تذكر بالمقارنة بخصومه المتحزبين في انتخابات 2019، إلى جانب أنّه لم يتلقَّ دعماً خارجياً/ عكس خصومه".

ويقود الرئيس التونسي، منذ إعلانه التدابير الاستثنائية، حملة علاقات ولقاءات لحشد الدعم لبداية إصلاحات واسعة، مثل مكافحة الفساد والغلاء والاحتكار، وقد التقى أيضاً ممثلين عن اتحاد الأعراف واتحاد الشغل ومنظمات حقوقية، وعرض صلحاً جزائياً مع رجال أعمال فاسدين مقابل إطلاق مشاريع في المناطق الفقيرة وتعهّد بحماية الحريات واحترام الدستور.

لم يصافح حركة النهضة... وحارب الفساد

هذا ويعدّ سعيّد الرئيس الوحيد بعد ثورة 2011 الذي استطاع توجيه صفعة سياسية جمّدت دور حركة النهضة سياسياً واتصالياً بقراراته الأخيرة، بعد أن فشلت النهضة في كسب ثقته ودخلت معه في خلافات منذ توليه الرئاسة، وهو ما طلبه الشباب التونسي من سعيّد، بالحدّ من تمدّد حركة النهضة ووضع يدها على كلّ القرار التونسي، باعتمادها على أغلبيتها في البرلمان.

الناشط مراد فارح لـ"حفريات: سعيّد كسب دعم الشباب في تونس والأحياء الفقيرة بعد أن فقدت هذه الفئات ثقتها بالأحزاب السياسية التي أطلقت وعوداً كثيرة كاذبة

ويرى مراد فارح، رئيس فرع محلي للمنظمة الدولية للقيادات الشبابية وراصد بمنظمة بوصلة، أنّ سعيّد كسب دعم الشباب في تونس والأحياء الفقيرة بعد أن فقدت هذه الفئات ثقتها بالأحزاب السياسية التي أطلقت وعودا كثيرة كاذبة، وبعد أن ارتفعت معدلات البطالة وتراجعت كافة المؤشرات التنموية، وبعد تجاهل دور الشباب في المناصب الرسمية، مشدّداً على أنّه بانتظار قرارات موجعة وخطوات مهمة لضرب الفاسدين والمحتكرين.

وأضاف فارح، في حديثه لـ "حفريات": على غرار تونسيين كثيرين، بانتظار خارطة طريقة واضحة لإنقاذ سفينة الديمقراطية التونسية التي شوهتها الأحزاب التي توالت على الحكم منذ عقد من الزمن، خاصة بعد الأزمات السياسية الداخلية التي تخبطت فيها البلاد، بسبب صراع الصلاحيات بين رؤوس السلطة الذي أفضى في نهاية المطاف إلى انسداد سياسي.

مراد فارح

وكان سعيّد قد حقق فوزاً ساحقاً على منافسه نبيل القروي في الدور الثاني من انتخابات 2019، بنسبة تصويت قياسية بلغت 72.71 في المئة، مقابل 27.29 في المئة، ليكتسب، بحسب مراقبين، شرعية شعبية لم يسبقه إليها أيّ رئيس تونسي؛ إذ بلغ عدد المصوّتين لقيس سعيّد مليونين و777 ألفاً من جملة 7 ملايين ونصف مليون ناخب مسجل، وهو رقم تجاوز بأشواط نسبة المصوتين للرئيس الراحل، الباجي قايد السبسي، عام 2014، الذي بلغ مليوناً و700 ألف صوت، وفشل في حربه مع النهضة التي شتت حزبه إلى أشلاء بعد دعمها لحكومة يوسف الشاهد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية