إيلان بيرمان
ما الذي يجب القيام به مع العائدين من داعش؟ منذ بداية انهيار الخلافة التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، قبل أكثر من عام، بدأ حلفاء أميركا وشركاؤها التعامل مع هذه المسألة. لكن القضية أصبحت أكثر حدة في الأيام الأخيرة نتيجة للسياسة الأميركية.
أشعل الرئيس دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، عاصفة سياسية في أوروبا عندما طلب من دول الاتحاد الأوروبي استيعاب ما يقرب من ألف مقاتل أجنبي من العراق وسوريا. "تطلب الولايات المتحدة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وحلفاء أوروبيين آخرين استعادة ومحاكمة أكثر من 800 من مقاتلي داعش الذين أسرناهم في سوريا"، قال الرئيس عبر تويتر، مضيفا: "الخلافة على طريق الانهيار".
الأساس المنطقي وراء طلب الإدارة واضح؛ مع التزام البيت الأبيض بسحب القوات العسكرية الأميركية من سوريا، تشعر إدارة ترامب بالقلق من أن عدم السيطرة الصحيحة على مقاتلي داعش السابقين قد تؤدي إلى هجرة جماعية لهؤلاء المقاتلين إلى أوروبا، ما ينتج عنه تصاعد الإرهاب هناك. لكن طلب واشنطن أدى إلى إعادة إشعال الجدل حول الطريقة المثلى التي يمكن بها للدول الأجنبية مواجهة التحدي الذي يمثله عودة المقاتلين الأجانب.
وحتى الآن، لا يوجد توافق دولي جاد بشأن هذه المسألة. وبدلا من ذلك، اعتمدت بلدان مختلفة حلولها الخاصة والمتباينة ـ والتي تتراوح بين الغفران والعقاب.
على سبيل المثال، تبنت طاجيكستان نهجا تصالحيا. قبل عدة سنوات، قامت طاجيكستان (آسيا الوسطى) بتعديل قوانينها الجنائية للسماح للسلطات بإصدار عفو ـ على أساس كل حالة على حدة. وطالت هذه القوانين المواطنين الذين انضموا لمجموعات متشددة أجنبية (بما في ذلك في العراق وسوريا). إلا أن هذا التدبير ينطبق فقط على الطاجيكيين الذين تأثروا بالدعاية الإسلامية أظهروا، لاحقا، بوادر الندم. ومع ذلك، كان المقصود هو تسهيل المصالحة و"إعادة اندماج" الطاجيك الذين انتقلوا إلى الشرق الأوسط للالتحاق بالمتشددين. قبل عام، وكجزء من هذه العملية، أصدرت حكومة الرئيس الطاجيكي إيمومالي رامون عفوا عن أكثر من 100 من العائدين من سوريا والعراق.
في غضون ذلك، تبنى المغرب نهجا أكثر تشددا لدى مقاربة هذه القضية. ففي عام 2015، وبناء على توجيهات من الأمم المتحدة، قامت المملكة بتعديل القانون بحيث باتت التعبئة للانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية جريمة بموجب القانون الوطني. ومنذ ذلك الحين، أقامت البلاد شبكة موازية من السجون المصممة خصيصا لإيواء العائدين لداعش ومتطرفين إسلاميين آخرين ـ يصل عدد النزلاء في هذه السجون حاليا نحو 800 شخص. وبهذه الطريقة، يأمل المسؤولون في الرباط "عزل" المتطرفين ومنع أفكارهم من إصابة أولئك المدانين بجرائم أخرى.
كما ذهبت دول مثل كازاخستان وأستراليا أبعد من ذلك. في عام 2017، وقعت حكومة نورسلان نازرباييف على قانون جديد لتدابير تشريعية تسمح للسلطات الكازاخستانية بسحب الجنسية من المواطنين الذين أدينوا بجرائم معينة ـ لا سيما تلك المتعلقة بالإرهاب أو التهديدات لأمن الدولة. وقد أصدرت الحكومة الأسترالية نفس نوع العقوبات على المواطنين الذين يحملون إلى جانب الأسترالية جنسية أخرى ـ أو أكثر من جنسية. في كانون الأول/ديسمبر 2018، أصبح نيل براكاش، المشتبه به كأحد أهم مُجَنِدي داعش في الشرق الأوسط، الشخص الثاني عشر الذي فقد جنسيته الأسترالية بهذه الطريقة.
حتى الآن، اتجهت بلدان أوروبا لتبي الخيار الثاني ـ ولدوافع واضحة. وفقا للبرلمان الأوروبي، فإن أكثر من 4000 من مقاتلي داعش يحملون جنسيات أوروبية، وإذا ما أعيدوا إلى أوطانهم يمكن أن يشكلوا تهديدا خطيرا لأمن القارة الأوروبية. وبناء على ذلك، تبنت الحكومات البلجيكية والفرنسية والبريطانية نهجا تقييديا لإعادة إدماج العائدين، ووصل الأمر بالمملكة المتحدة إلى حد تجريد أكثر من 100 من مقاتلي الدولة الإسلامية، ممن يحملون جنسيات مزدوجة، من جنسيتهم البريطانية في عام 2017.
لذلك، من غير المستغرب استقبال النداء الأميركي الجديد ببرود في أوروبا. لم ترد الحكومة الفرنسية بشكل مباشر على طلب ترامب، وقالت بدلا من ذلك إنها ستنظر في ملفات العائدين على أساس "كل حالة على حدة". في هذه الأثناء، قامت بريطانيا بتجريد المواطنة شميمة بيغوم من جنسيتها، وهي "عروس" داعش التي غادرت المملكة المتحدة في عام 2015 ـ مما خلق سابقة لإنكلترا لرفض عائدين آخرين من داعش. هذه الخطوات، وغيرها، تهدد بتحول ملف المقاتلين الأجانب، إلى عامل توتر إضافي في العلاقة المتوترة أصلا بين الولايات المتحدة وأوروبا.
لكن السؤال الأكبر عما يجب فعله مع راديكاليي داعش السابقين ما زال قائما؛ وإجابة أميركا وحلفائها عليه، سيساهم بشكل كبير بتحديد ما إذا سيتحول أجنبيو الأمس إلى إرهابي الغد.
عن "الحرة"