المغرب والجزائر متفقتان في الغضب من فرنسا. لماذا؟

المغرب والجزائر متفقتان في الغضب من فرنسا. لماذا؟


28/08/2022

في واقع مشابه لإسبانيا؛ حين وقعت بين مطرقة المغرب وسندان الجزائر بشأن موقفها من قضية الصحراء، تمضي فرنسا، مع وجود معطيات مختلفة تشمل علاقات البلدين مع فرنسا، ومكانة فرنسا الدولية التي تفوق إسبانيا بمراحل، واختلاف أوراق الضغط التي يستغلها كلّ طرف من الثلاثة في علاقاته الثنائية.

وسُلّط الضوء على الموقف الفرنسي من خلال حدثَين؛ الأول حديث عاهل المغرب، الملك محمد السادس، الذي طالب فيه شركاء بلاده بتوضيح موقفهم من قضية الصحراء، عبر تأييد حلّ الحكم الذاتي تحت المملكة المغربية.

والحدث الثاني؛ زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى الجزائر، كأول وجهة له بعد انتخابه لفترة رئاسية ثانية، ولكون فرنسا شريكاً مهماً للمغرب والجزائر، فكانت في أوائل الدول التي شملها حديث ملك المغرب.

الموقف الفرنسي

وعقب إعلان الحكومة الإسبانية تأييد مقترح المغرب لحلّ أزمة الصحراء الغربية القائم على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، في آذار (مارس) 2022، الماضي، جدّدت فرنسا هي الأخرى تأييد مقترح الحكم الذاتي.

وصرحت المتحدثة باسم وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، في 21 من الشهر نفسه، بأنّ موقف فرنسا من قضية الصحراء "ثابت لصالح حلّ سياسي عادل، ودائم ومقبول لدى الأطراف، وفق قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومن هذا المنظور، فإنّ مخطط الحكم الذاتي المغربي يشكل أساساً للنقاش جاداً وذا مصداقية".

العاهل المغربي ورئيس وزراء إسبانيا

ووصلت العلاقات الجزائرية مع إسبانيا إلى الصدام، وسحب الجزائر لسفيرها من مدريد، والانسحاب من معاهدة الصداقة مع إسبانيا، وتوقف التبادل التجاري بين البلدين، كما أثر على واردات الغاز الجزائرية إلى إسبانيا.

وعلى خلاف ذلك، لم تتخذ الجزائر الموقف نفسه من فرنسا، والتي كانت العلاقات بها متأزمة من قبل على خلفية قضايا خلافية تتعلق بالذاكرة وتصريحات ماكرون المسيئة، وأدّت إلى سحب السفير من باريس لمدة ثلاثة أشهر، حتى عاد، في كانون الثاني (يناير) 2022، الجاري، وذلك قبل تجديد فرنسا الاعتراف بجدية مقترح الحكم الذاتي.

وربما يعود الموقف الجزائري الأشدّ صرامة تجاه إسبانيا بسبب أنّها طرف أصيل في الأزمة، بصفتها المستعمر السابق للصحراء والريف المغربي، على خلاف فرنسا التي تعدّ طرفاً أقلّ انخراطاً بشكل مباشر، إذ كان حضورها بصفة المستعمر السابق للجزائر والمغرب.

يرى الصحفي الجزائري، عبد الله نادور؛ أنّ زيارة ماكرون إلى الجزائر لها علاقة بخسارة فرنسا لموقع قدم في بعض مستعمراتها القديمة، على غرار مالي التي انسحبت منها مؤخراً

إلى جانب أنّ الجزائر والمغرب ما يزالان يملكان أوراق ضغط قوية على فرنسا، كما كان حال الدولتين مع إسبانيا.

وشدد الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب في 20 من الشهر الجاري، على أنّ "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات؛ لذا، ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل".

مواقف الجزائر والمغرب

ويوظف الجاران المتشاكسان؛ الجزائر والمغرب، نقاط القوة لديهما للتأثير على الموقف الفرنسي، والذي لا يبدو للدولتين كافياً، فكلّ دولة تسعى إلى تأييد صريح من باريس، وفي الوقت نفسه ليس من مصلحتهما الصدام مباشرة بفرنسا.

نور الدين اليزيد: نرى تغيراً ملحوظاً في موقف الصين وروسيا إزاء قضية الصحراء

وحول رؤية المغرب بشأن موقف فرنسا من القضية الصحراوية، يقول الصحفي والباحث الأكاديمي المغربي، نور الدين اليزيد: "حديث الملك محمد السادس عن أنّ قضية الصحراء باتت هي الأساس لبناء أيّة علاقة مع الدول، ليس جديداً وطارئاً، لكنّ الملك سبق في خطاب له أن تحدث عن هذا الموضوع، وحتى قبل أن تتطور أزمة المملكة مع الجارة الجزائر لتصبح على ما عليه اليوم".

وتابع لـ "حفريات": "كان العاهل المغربي قد وجّه الخطاب نفسه لشركائه، وكان المقصود بالدرجة الأولى، كما وقفنا عليه في حينه كمتابعين للعلاقات الدولية المغربية، الشركاء أو الشريكَين التقليديَّين بالأساس، فرنسا وأمريكا، قبل مجيء إدارة دونالد ترامب بذاك الموقف الجذري من قضية الصحراء لفائدة المغرب".

وكان المغرب، بحسب نور الدين، يوظف علاقاته مع روسيا والصين كأداة ضغط على الدول الغربية لدعم مقترح الحكم الذاتي لقضية الصحراء: "بدأنا نرى تغيراً ملحوظاً في موقف الدولتين العظميين؛ الصين وروسيا إزاء قضية الصحراء، وآخر تمظهرات ذلك، ما أبدياه بمناسبة صدور قرار مجلس الأمن الدولي، في أيلول (سبتمبر) الماضي، عندما التزما بعدم استخدام الفيتو، ولم يعارضا قرار تمديد ولاية بعثة المينورسو في الصحراء، ما عُدَّ مكسباً وانتصاراً مهماً للدبلوماسية المغربية ونكسة لنظيرتها الجزائرية".

الصحفي المغربي نور الدين اليزيد لـ "حفريات": حديث الملك محمد السادس عن أنّ قضية الصحراء باتت هي الأساس لبناء أيّة علاقة مع الدول ليس جديداً وطارئاً

وبحسب نور الدين، فإنّ تمديد ولاية البعثة يعني تأييد العمل بقرار مجلس الأمن لعام 1991، واعتبار إعلان البوليساريو وقف إطلاق النار من جانب واحد لا يؤثر على القرار، وهو ما فوت على الجزائر والبوليساريو مسعاهم لإدانة المغرب كأنها من خرقت القرار بعد تأمينها لمعبر الكراكات، وحدوث مناوشات حوله.
 وتجدر الإشارة إلى أن قرار وقف إطلاق النار الصادر في سنة 1991، لا يدعم الحكم الذاتي، بل ينص على حق تقرير المصير، عبر تنظيم استفتاء، ولهذا فالأمر ليس بالحدث الكبير الذي يعني تحولات جذرية في المواقف الروسية والصينية تجاه المغرب، ولكن لا ينفي ذلك دلالته السياسية التي قد يبنى المغرب عليها.

ويقول الصحفي الجزائري، عبد الله نادور، عن رؤية بلاده للموقف الفرنسي: "لا أعتقد أنّ هناك علاقة مباشرة بين خطاب ملك المغرب وزيارة ماكرون للجزائر؛ فزيارة ماكرون يمكن وصفها بالزيارة العادية الطبيعية، والتي لها سياقها السياسي والاقتصادي".

وبخصوص قضية الصحراء الغربية: قال لـ "حفريات": "موقف باريس معروف من القضية؛ فهي أحد المعرقلين لتنفيذ الشرعية والقرارات الدولية المتمثلة في تنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية، وهي داعمة بشكل واضح لموقف المغرب المتمثل في المشروع الوهمي مشروع الحكم الذاتي".

وحلّ الرئيس الفرنسي ضيفاً على الجزائر، في الفترة من 25 إلى 27 آب (أغسطس) الجاري، وحول علاقة الزيارة بخطاب الملك المغربي، أوضح الصحفي نور الدين اليزيد لـ "حفريات"؛ أنّ "المملكة لا تخفي تبرمها من الموقف غير المتقدم لباريس، رغم أنّها كانت من بين العواصم الأولى التي تبنت أفضلية مقترح الحكم الذاتي كحلّ لنزاع الصحراء".

وتابع "وكذا بالرغم من التأييد المتواصل داخل مجلس الأمن الدولي، على الأقل منذ سنة 2007، عندما أُعلن عن المقترح المغربي، بيد أنّ المملكة المغربية تريد لهذا الموقف الفرنسي أن يكون أكثر دينامية، خاصة من ناحية حضّ شركاء فرنسا الأوروبيين المتحفظين أو المترددين على القيام بخطوات إزاء الأطروحة المغربية".

ويرى الصحفي الجزائري، عبد الله نادور؛ أنّ "زيارة ماكرون إلى الجزائر لها علاقة بخسارة فرنسا لموقع قدم في بعض مستعمراتها القديمة، على غرار مالي التي انسحبت منها مؤخراً، وأيضاً الاحتجاجات المتكررة في دولة تشاد لطرد فرنسا منها بشكل نهائي، ومن الناحية الاقتصادية تعدّ الجزائر مورّداً رئيساً للطاقة، خاصة الغاز، حيث تبحث فرنسا عن المزيد من الطاقة الجزائرية وعقود أخرى".

عبد الله نادور: تبحث فرنسا عن المزيد من الطاقة الجزائرية

في المقابل، لا يرى الصحفي نور الدين اليزيد أنّ "ورقة الغاز ورقة رابحة لبناء العلاقات بين الدول"، ويشير إلى أنّ توظيفها ضدّ إسبانيا والمغرب تمّ تحويله إلى فرصة للتعاون بين الدولتين.

وبناءً على معطيات الواقع، يأتي رفض البرلمان الإسباني لدعم الحكومة لمقترح الحكم الذاتي كحلّ لقضية الصحراء، في أيار (مايو) الماضي، ليكشف عدم تحمّس قطاع من الساسة الإسبان للطرح المغربي؛ ربما لرؤية فكرية تتعلق بالوضع القانوني للمستعمرات السابقة، ورفض دفع ضريبة قطع العلاقات مع الجزائر محاباةً للمغرب فقط.

وبشكل عام، من غير المتوقع صدور قرارات بشأن قضية الصحراء من فرنسا، منعاً لإثارة الجزائر، فضلاً عن تراجع القضايا الإقليمية عقب الحرب الروسية على أوكرانيا، وربما ستحاول فرنسا أن تلعب دور الوسيط للبحث عن حلّ للقضية عبر جمع الفرقاء الثلاثة، المغرب والجزائر وإسبانيا، على طاولة واحدة، وهو أمر دونه عقبات كثيرة.

وتُصنف الصحراء، وفق الأمم المتحدة، ضمن البلدان والشعوب المستعمرة التي يجب أن تتمتع بحقها في تقرير المصير والاستقلال منذ عام  1963، وبعد جولات وقرارات دولية عديدة، ذكرت وجود روابط تاريخية بين المغرب وموريتانيا والصحراء، صدر قرار مجلس الأمن رقم (690) القاضي بإنشاء بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) من أجل مراقبة وقف إطلاق النار وتنظيم الاستفتاء عام 1991.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية