المصالح الإيرانية من خطاب حسن نصر الله حول غزة

المصالح الإيرانية من خطاب حسن نصر الله حول غزة

المصالح الإيرانية من خطاب حسن نصر الله حول غزة


08/11/2023

هدى رؤوف

بعد أن سادت حالة من الترقب انتظاراً لخطاب الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصرالله، لإعلان موقف الحزب من القصف الإسرائيلي لغزة المستمر منذ نحو شهر، وبعد أن ارتفع سقف التوقعات إلى أنه سيعلن دخول الحرب إلى جانب حركة "حماس"، سرعان ما خابت توقعات المدنيين في غزة وبعض الشعوب العربية التي انتظرت تدخل الحزب لتغيير قواعد الاشتباك ووضع خطوط حمراء ومن ثم وقف القصف.

هنا تُطرح تساؤلات عدة حول غياب استراتيجية "وحدة الساحات" التي أعلنتها إيران في مواجهة إسرائيل؟ ولماذا كان ينبغي رفع التوقعات تجاه دور "حزب الله"؟ وما هو هدف نصرالله الرئيس من الخطاب؟ هل كان دعم غزة أم تأكيد أهداف ومصالح إيرانية؟ ولماذا يمكن من خلال تتبع سلوك وتصريحات طهران توقع حدود دور "حزب الله" إقليمياً من دون الإفراط في المبالغة بدوره الداعم للقضية الفلسطينية؟

موقف إيران بين حربي غزة عامي 2021 و2023

لا بد من الإشارة إلى موقف إيران من الحرب الإسرائيلية على غزة والتصعيد مع الفصائل الفلسطينية في مايو (أيار) 2021، حينها تصدرت إيران المشهد وصرح المرشد الإيراني أن إسرائيل لا تفهم غير لغة القوة، ولا بد من حشد الفصائل الفلسطينية قوتها القتالية، بل أكد وزير الخارجية حينها جواد ظريف في اتصال مع إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" أن إيران تقف وراء الكفاح الفلسطيني. ودعا رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الفلسطينية إلى ضرورة إنشاء تحالف استراتيجي لمساندة القضية الفلسطينية.

أما في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وبعد شهر من القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، أعلنت إيران موقفها منذ البداية وهو التنصل من العملية الفلسطينية، وغابت أي تصريحات لها علاقة بحشد وتعبئة ما يعرف بعناصر المقاومة الإقليمية، واختفى مبدأ "وحدة الساحات" الذي هدد به السياسيون الإيرانيون تل أبيب، حتى إن التقييمات في إسرائيل على مدار عام باتت تتحدث عن أن "وحدة الساحات" تحدي جديد للأمن الإسرائيلي، لكن واقعياً ما لبث أن غابت تلك الوحدة عند أول اختبار.

يمكن الوقوف على الفارق بين موقفي إيران تجاه التصعيد العسكري ضد غزة عامي 2021 و2023 من خلال تتبع العلاقة بين طهران وواشنطن. فإيران عام 2021 كانت تخوض مفاوضات إعادة الاتفاق النووي في فيينا مع الدول الغربية وواشنطن، ولأنها أرادت استعراض أوراق الضغط التي تمتلكها أمام واشنطن لانتزاع تنازلات، تصدرت المشهد خلال حرب غزة لإظهار قدرتها على التأثير في الفصائل الفلسطينية ومن ثم التأثير على الأمن الإسرائيلي.

أما الحرب الجارية الآن في غزة فتشهد انسحاب إيران و"حزب الله" من المشهد العسكري، ومرد ذلك إلى توافق العلاقات بين إيران وواشنطن حالياً في أعقاب إتمام صفقة المعتقلين الأميركيين والأرصدة المجمدة.

تجلي المصالح الإيرانية في خطاب نصر الله حول غزة

لا يمكن الفصل بين ما سبق من اعتبارات إيرانية وخطاب حسن نصرالله الذي سبقه سقف عال من التوقعات ما لبث أن انهار بعد بثه. ويمكن من خلال الخطاب استنتاج أن الهدف منه لا يتعدى تأكيد المصالح الإيرانية في المنطقة، وذلك على النحو التالي:

 بدأ نصرالله حديثه بتأكيد أن عملية "طوفان الأقصى" كان قرارها وتنفيذها فلسطينياً مئة في المئة. الهدف هنا إبراء إيران وتأكيد بعدها عن الهجوم على إسرائيل وفى ذلك رسالة موجهة لتل أبيب وواشنطن التي حشدت قواتها العسكرية لردع إيران ووكلائها الإقليميين. كما أراد تأكيد أن إيران ليست لديها سلطة على قرارات عناصر محور المقاومة في المنطقة وهو ما يتناقض مع "وحدة الساحات" التي أعلنتها إيران منذ أشهر طويلة وتتضمن قدرة طهران على تحريك تلك العناصر زمنياً ومكانياً بحسب إرادتها.

 طالب نصرالله بقطع العلاقات بمختلف أشكالها مع إسرائيل، وهي خطوة لطالما أرادتها إيران التي باتت تتوجس التقارب الإسرائيلي مع دول المنطقة منذ فترة طويلة. كما حمل نصرالله المسؤولية للولايات المتحدة مطالباً الدول العربية بموقف تجاهها في الوقت الذي تتحسن علاقة إيران بواشنطن.

 لم يعتبر نصرالله أن نجاح "حماس" في مواجهتها مع إسرائيل مصلحة لإيران بل مصلحة للدول العربية، كما حمل الدول العربية مسؤولية دعم غزة من دون الإشارة إلى أي دور إيراني في هذا الصدد. وهو تناقض حيث أراد من خلاله إبعاد أي مصلحة لإيران في علاقتها بـ"حماس" والقضية الفلسطينية على رغم أن القضية كانت مركزية في الخطاب الإيراني منذ أكثر من 40 عاماً، ولطالما تباهت طهران بتقديم الدعم العسكري للفصائل الفلسطينية، والسؤال الذي بات مطروحاً: هل تتخلى إيران عن "حماس" أحد عناصر محور المقاومة الإيراني؟

 سعى نصرالله لحفظ ماء وجه إيران قائدة محور المقاومة بالإشارة إلى صواريخ وجهت نحو إسرائيل من الحوثيين والميليشيات العراقية، على رغم معرفته محدودية فاعلية تلك الصواريخ في مواجهة إسرائيل، إما لبعدها المكاني أو لضعف قدراتها التي لا تقارن بقدرات "حزب الله" اللبناني. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مسيرات الحوثيين لم تمس مدينة إيلات بل وقعت في مدينة طابا المصرية، وهو ما قد يترتب عليه توتر أمني مع مصر، لذا يتوقع عدم تكرار تلك الواقعة التي استشهد بها نصرالله. أما عن ميليشيات العراق فلن تتدخل مرة أخرى بفعل حاملات الطائرات الأميركية من جهة، وللجدل الداخلي في العراق حول مدى توريط بغداد في الحرب الدائرة.

أنهى نصرالله خطابه بتأكيد هدفه وهو النأي بنفسه وبإيران عن العملية الفلسطينية من جهة، وتوجيه رسالة لإسرائيل وواشنطن مفادها أن دوره حتى الآن تضامني فقط مع غزة وأن تدخله سيتوقف على تحرك إسرائيل تجاه "حزب الله" وليس غزة.

إجمالاً يمكن القول إن خطاب نصرالله كان تأكيداً للمصالح الإيرانية أكثر منه دعماً للقضية الفلسطينية التي وظفت في خطابات الخميني وخامنئي على مدار أكثر من 40 عاماً من دون تقديم رؤية لحل الصراع بل تعقيده.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية