المشكلة ليست في وجود القبائل بل في حكم الإخوان

المشكلة ليست في وجود القبائل بل في حكم الإخوان

المشكلة ليست في وجود القبائل بل في حكم الإخوان


03/03/2024

عثمان بابكر محجوب

عندما  يشرح  رجال الدين قانون السببية  يعتمدون غالبا المثال التالي :  “البعرة  تدل على البعير” . وعندما  تنكشف قبلية او عنصرية   المثقف السوداني  تتبرع  جوقته  بعرض شهاداته الاكاديمية  لاثبات براءته من العنصرية  والقبلية ، ” الوليد مادبو”   نموذجا . هذا المتعصب القبلي ، لم اسمع به من قبل ،لكن اذا لم أسمع به من قبل ، هذا لا يعني  انه غير موجود . وكل القصد من ذكره  انه اوحى لي  باستخدام كلمة ” المادوبية ” كمرادف لكلمة “العصبية ” التي استخدمها ابن خلدون لاثراء لغة العرب بمفردة جديدة اصلها سوداني .اما العصبية القبلية التي اعتمد عليها ابن خلدون في دراسته للعمران فكانت تعتمد  على فهم خاص للقبيلة  بحيث تحتضن  مجرد أرقام في بنية اجتماعية  لا تتطور فيها لا المعتقدات ولا العادات ولا الرموز بل هي ثابتة  وراسخة حتى الحياة المادية  لم تكن احسن حالا من  المنتجات العقلية السائدة انذاك. اما  في عصرنا الراهن فلم تعد القبيلة مشكلة من ارقام بل تحول الرقم الى شخص ولم تعد المعتقدات والعادات مقدسة  لا تمس ولا يمكن تجاوزها  بل اصبح بمقدور اي شخص ان يختار أسلوب حياته وفقا لقناعاته ولم يعد انتماءه القبلي يلزمه  محاكاة اسلافه في القبيلة  . وعلى الرغم من هذا المتغيرات ما زال  معظم  ادعياء الثقافة  في بلادنا يلتزم الرؤية الخلدونية للعمران والقبلية التي ترتكز الى العصبية  . وهذا ما يفسر لنا  سبب انتشار هستريا التعصب القبلي  حاليا واعتبار الشتائم فصاحة والكراهية موقف . ولتجاوز ما نحن فيه من انهيار معرفي لا بد من التماس الحل في قراءة العلاقة الجدلية القائمة بين التحيزات الثقافية من جهة والعلاقات الاجتماعية من جهة أخرى وما تفرزه من انماط واساليب حياة مختلفة   بمقدورنا المفاضلة فيما بينها لاختيار ما يناسبنا ، وذلك  قبل ان يسود عصر الحياة الاجتماعية في العالم الافتراضي وما ستنجبه  من قبائل تمارس حياتها المشتركة على صفحات الانترنت .                                           

ان هذا الكم الهائل من القبائل التي تعيش على ارض السودان  والتفاخر بالانساب فيما بينها لا يشكل مشكلة بحد ذاته بل لب المشكلة يكمن في تحويل كيان اجتماعي بحت اي القبيلة الى مؤسسة سياسية مما اطاح بفرصة بناء دولة وطنية  كاملة الاوصاف . وشهدنا في السودان في التاريخ الحديث اعتماد  هذه الخطة زمن الاستعمار البريطاني  وزمن الاجرام الاسلامي في عهد البشير وما زال هذا المسار قائما في عهد البرهان .

وفي الحقبة الاولى :اعتمد  الاستعمار البريطاني نظام اللامركزية في الحكم عبر تشكيل وتنظيم ادارات اهلية  منحها حق ممارسة  صلاحيات مختلفة  تشمل القضاء الأهلي ( فضّ منازعات الأفراد والأُسر عبر العُرف)، مراقبة الخدمات، تخصيص الأراضي، جمع الضرائب ، الحفاظ على الامن ورعاية العلاقات بين القبائل  في مناطق التداخل القَبَلي. وقد ادى تكليف زعماء ووجهاء القبائل باعباء السلطة المحلية الى تحول سلطتهم العرفية الى سلطة سياسية.

اما في الحقبة السوداء الثانية  فأول الغيث كان  فيها اعتماد البشير التصنيف القبلي للمواطنين السودانيين في الأوراق الثبوتية الرسمية  واعتمد نظام حكمه   على القبيلة كآلية إسناد سياسي للحكم الاخونجي من خلال :

 اجبارها على مبايعة النظام ودعمه ومساندته.

استغلالها في التحشيد السياسي اليومي عبر  تحويلها إلى قاعدة انتخابية

تسليح مجموعات قَبَلية تابعة  للجيش لمحاربة المعارضين والخصوم

نهج الفتنة  بين القبائل  لتدعيم اركان حكمه.

سياسة التميز بين القبائل على اساس درجة الولاء مما ادى الى اتساع حالة الغبن الاجتماعي.

 التغاضي عن نشاط  مافيات تجارة السلاح والمخدرات بهدف تشجيع انتشارها وسط الشباب، فضلاً عن شيوع تجارة الأسلحة .

تكليف البرهان  نظارة البجا بإغلاق ميناء بورتسودان واقفال طريق الشرق تحضيرا لانقلابه على المدنيين.

مما تقدم  يبدو واضحا ان حكم الاخونجية  لعب الدور المحوري في  تدمير القبيلة ككيان اجتماعي وأقحمها في الصراعات السياسية  وورطها في مسلسل لا ينتهي من الاقتتال الداخلي  ومع زوال هذا الاسلام الداعشي المجرم يمكن اعادة المياه الى مجاريها الطبيعية  من خلال نظام حكم  يراعي متطلبات التنمية المتوازنة . وما نتمناه على من يرى الحل بتقسيم السودان ان لا يحمل ضحايا الاسلام الارهابي مسؤولية الصراعات القبلية وليدرك الجميع ان سودان واحد موحد هو الضمانة الوحيدة لكل مكوناته في تحقيق الامن والاستقرار والتقدم. وبديل ذلك حمام دم ابدي .

عن "الراكوبة"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية