المسلمون والسياسة في أوروبا: معضلة لا تجد حلاً

المسلمون والسياسة في أوروبا: معضلة لا تجد حلاً

المسلمون والسياسة في أوروبا: معضلة لا تجد حلاً


25/02/2024

ترجمة: علي نوار

عندما تقلّد العمالي، صادق خان، منصب عمدة لندن، في أيار (مايو) 2016، أبرزت الشبكات الاجتماعية هذا الحدث: خان هو مسلم متدين؛ يعتنق دين والديه المهاجرين الباكستانيين نفسه، اللذين وصلا في حقبة الستينيات إلى بريطانيا، ورغم أنّ خان ولد على الأراضي البريطانية، وعمل محامياً متخصصاً في ملفات حقوق الإنسان، ويتمتّع بمسيرة سياسية لامعة سواء في أوساط حزب العمال أو البلديات، إلّا أنّ انتخابه عمدة لندن كان أمراً فريداً من نوعه؛ نظراً إلى أنّه أول مسلم يتولى عمودية لندن، أحد أقطاب الغرب الاقتصادية والسياسية والثقافية، التي يتمحور حولها قدر كبير من الحراك العالمي عموماً، والفكر الغربي خصوصاً.

يعدّ المسلمون أكبر الأقليات الدينية عدداً على الأراضي الأوروبية حيث يشكّلون 4.6% من تعداد السكان

ورغم أنّ ذلك قد يعني خطوة للأمام في اتجاه التأكيد على فكرة التعددية الثقافية في أوروبا، ونموذجاً لسياسات الإدماج (حيث يوجد 2.4 مليون شخصاً من دول خارج الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى هؤلاء المهاجرين الأوروبيين)، إلّا أنّ الهالة البرّاقة المحيطة بانتخاب خان يخفت لمعانها عند الكشف عن بعض الأرقام؛ فوفق دراسة أجراها مركز "بيو" للأبحاث، عام 2016: يعدّ المسلمون أكبر الأقليات الدينية عدداً على الأراضي الأوروبية، ويشكّلون ما نسبته 4.6% من تعداد سكان أوروبا، وإجمالاً هناك 25 مليون شخصاً يمّثلون 25% من السكان في دولة مثل قبرص، و8% في دول مثل فرنسا أو السويد، وتتراوح النسبة بين 6% و7% في بعض الدول مثل؛ ألمانيا وبريطانيا أو النمسا، أما البوسنة والهرسك، الدولة المرشحة بقوة للانضمام إلى النادي الأوروبي، فإنّ نسبة عدد المسلمين فيها هو 46% من سكانها، وإذا نظرنا إلى تركيا، التي تحاول أيضاً الحصول على عضوية النادي الأوروبي، فإن النسبة تقفز إلى 99.8% من سكان البلاد.

وتكتسب أعداد الأشخاص الذين يكشفون عن كونهم مسلمين أهمية متزايدة في الرأي العام بالقارة العجوز، لكنّ هذا التصور يجري طرحه بشكل ذاتي إلى حدّ بعيد، ويركز في جزء كبير منه على المهاجرين؛ لذا وبناء على دراسة نفّذها مركز أبحاث (تشاتام هاوس)، تضّمنت استطلاعاً للرأي شمل 10 آلاف شخص، من 10 دول أوروبية، فإنّ: 55% من الأوروبيين المشاركين أكدوا ضرورة وقف استقبال الهجرة من الدول الإسلامية، وتصل هذه النسبة إلى 71% في بولندا، و65% في النمسا. نتيجة لذلك؛ أصبحت الهجرة واحدة من أهم الملفات في الحملات الانتخابية في الوقت الحالي، وتثير في كثير من الحالات جدلاً سلبياً في هذا الصدد، وتشكّك بالكامل في فكرة أوروبا المتفتحة المشجعة على الاندماج، كما أنّ تسليط الضوء بصورة مركّزة على أزمة اللاجئين والهجمات الإرهابية، أو التعاطي مع مسألة الاندماج في المجتمعات متعددة الثقافات، لا يسهم بتاتاً في خلق نقاش صحّي، يضاف إلى ذلك غياب التوافق عن التشريعات الوطنية الأوروبية التي تمسّ ملفات مثل منع أو السماح بارتداء غطاء الرأس الإسلامي (رغم قرار محكمة العدل الأوروبي بعدم تمييزية منع ارتدائه في محل العمل)، والرموز الدينية الثقافية الخارجية، وممارسات مثل الصلاة اليومية، أو رمضان، والأعياد الدينية، والإشراف على المساجد والمدارس القرآنية، أو الممارسات الحلال التي ما تزال هامشية على المستوى العام في أوروبا، ويعزى هذا التباين في السياسات الحكومية إلى اختلاف الواقع ومدى حضور المسلمين في دول أوروبا.

الهجرة واحدة من أهم الملفات في الحملات الانتخابية وتثير في كثير من الحالات جدلاً سلبياً

وفي هذا السياق؛ فإن الدول التي شهدت انتخابات عام 2017، والتي أيضاً توجد فيها نسبة تفوق المتوسط الأوروبي من السكان المسلمين، ظهر المسلمون ضمن برامج السياسيين الذين خاضوا هذه الانتخابات، كان لهذا الملف أهمية متزايدة سواء في فرنسا (انتخابات برلمانية ورئاسية)، وألمانيا (انتخابات رئاسية وفيدرالية)، والنمسا (انتخابات برلمانية)، وهولندا (انتخابات عامة)، وبريطانيا ما بعد البريكسيت (انتخابات عامة)، سواء لاستقطاب المسلمين الذين يمتلكون حقّ الإدلاء بأصواتهم، أو كي تحصل "المسألة الإسلامية"، إن كان لها وجود حقيقي، على أولوية في الفعاليات الانتخابية. ويحيط بهذا الوضع الجديد، الآخذ في التطور، صعود متزايد للأحزاب الشعبوية واليمين المتشدد؛ حيث تعمل أحزاب مثل؛ الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبان، وبديل لأجل ألمانيا المعادي للأجانب، وحزب الحرية النمساوي اليميني المتشدد، وحزب من أجل الحرية بزعامة خيرت فيلدرز في هولندا، أو حزب الاستقلال البريطاني، على إذكاء وإشعال هذا الجدل، وبفضل ذلك نجحت هذه الأحزاب التي تنتمي للمعسكر الأكثر يمينية في فرض أجندة وإجبار باقي الأحزاب على الانجرار لحالة الجدل والتفاعل معه.

لا وجود لكتلة إسلامية موحدة بأوروبا ولا نموذج يمكن التصويت له في الاستحقاقات الانتخابية

ويعتقد أنّ جذور هذا الوضع تعود لأحزاب الاجتماعيين الديمقراطيين، فمع بداية الهجرة الاقتصادية من الدول ذات الأغلبية الإسلامية في حقبتي الستينيات والسبعينيات، اعتبرتها هذه الأحزاب للمهاجرين حليفاً انتخابياً منطقياً، بوصفهم في الغالب ينتمون للطبقة العاملة، حسبما قال جوناثان لورانس، الخبير في معهد بروكينج حول الإسلام والغرب، كانت هذه الطبقة الاجتماعية تمّثل وقتها قاعدة ناخبين لهذه الأحزاب، لكنّ الناخبين لم يعودوا حالياً كتلة واحدة كما كانوا في السابق، فبعد الأزمة الاقتصادية، وتغيّر التركيبة الاقتصادية والاجتماعية، عرفت الأحزاب المعادية للأجانب كيف تستغل الوضع لاستقطاب الكتلة الساخطة والمحبطة، وباتت تطالب بخيارات تصل أحياناً حدّ وصم الإسلام بكونه الفاشية الأوروبية الجديدة (وهو الكابوس الفكري والسياسي الأخطر بالنسبة إلى أوروبا)، أو ظهور دعوات لمنع الهجرة من الدول ذات الأغلبية الإسلامية؛ لذا فإنّ احتمالات وجود مواطنين يعتنقون الإسلام بين ناخبي هذه الأحزاب ضعيفة للغاية، وفي الإطار نفسه؛ فإنّ الأحزاب التي لطالما حظيت بدعم هذه الكتلة، تبدو غير قادرة على تبنّي خطاب يضمن الاحتفاظ بالأصوات، ما يجعل قطاعاً من المواطنين يتجه لأحزاب أكثر محافظة، أو حتى متشددة أكثر باتجاه اليمين.

اقرأ أيضاً: الإخوان وداعش.. أيهما أخطر على أوروبا؟

وتضاف إلى هذا المشهد عوامل أخرى؛ على رأسها الميول التصويتية لهؤلاء المواطنين: فلا وجود لكتلة موحدة تعرّف نفسها على أنّها إسلامية في أوروبا، ولا نموذج يمكن التصويت له في الاستحقاقات الانتخابية؛ لذا، ونظراً للغياب، يصبح الهدف المراد تحقيقه غير واضح المعالم، ويزداد بروز هذا الوضع في دول مثل فرنسا؛ حيث يحظر إجراء استطلاعات رأي أو إحصاءات عرقية، نظراً إلى تعارضها مع النموذج الجمهوري للاندماج المميز للدولة الفرنسية من أجل مواطنيها.

لكن، بخلاف الناخبين والكتل التصويتية والحملات الانتخابية والسياسات، ومع تنحية الرمزية الكامنة في انتخاب صادق خان كعمدة للندن، فإنّ هناك نماذج عديدة لأشخاص بارزين يعتنقون الإسلام، و/أو ذوي ثقافة إسلامية؛ فقد حصلت راما ياد على اهتمام وسائل الإعلام، قبل عقد تقريباً، في المشهد السياسي الفرنسي؛ فهي امرأة مسلمة، من عرق أسمر البشرة، تولّت منصب وزيرة الدولة للشؤون الخارجية، وكذلك وزيرة الدولة لحقوق الإنسان في حكومة فرانسوا فيون، خاضت، لمن كان ينظر إليها بوصفها إحدى النساء القويات ونجمات حزب ساركوزي، معترك الانتخابات الرئاسية في 2017، للوصول إلى قصر الإليزيه، بعد تأسيسها حزباً مستقلاً، لكنّها لم تحظ بالنجاح.

اقرأ أيضاً: هل تضطر تركيا للحوار مع أوروبا خوفاً من بايدن؟

وفي أوروبا البحر المتوسط، وتحديداً إيطاليا، شغل السياسي، مغربي الأصل، خالد شوقي، مقعداً في البرلمان الإيطالي، ممثلاً لتيار يسار الوسط والحزب الديمقراطي، وقاد شوقي من منصبه عدة مبادرات لتوفير فرص عمل في مجالات، مثل: الصحافة والطب والقانون.

وكان شوقي مثل خان وياد، مسلماً متديناً ملتزماً تجاه دينه، وهو ما تأكّد بانتخابه رئيساً للمركز الإسلامي في روما مؤخراً.

بيد أنّه إذا كان تطبيع معاداة الأجانب في السياسة أمراً واقعاً في أوروبا، طبقاً لمنظمة (هيومن رايتس ووتش)، فإنّ هناك خطاباً معتدلاً أيضاً، من قبل سياسيين يعرضون وجهة النظر الأخرى.

لم يتوان النائب البرلماني، سوري الأصل، المنتمي لحزب المحافظين في الدنمارك، ناصر خضر، عن الدفاع عن حرية التعبير، واختار الرسوم الكاريكاتورية عن النبي محمد -عليه السلام- مثالاً على ذلك. هناك أيضاً العمدة أحمد أبو طالب، وهو أحد أعضاء حزب العمال الهولندي، ويرأس مجلس بلدية روتردام منذ 2009، وفي حالته، بوصفه مدافعاً عن الاندماج، لا يفكّر أبو طالب مرتين عندما يتعلّق الأمر بملاحقة وتجريم السلفيين، وإرهابيي تنظيم داعش العائدين، أو بعض المسلمين الذين يبدون غموضاً عند إدانة داعش وممارساته الإرهابية، ومن بين التصريحات التي تعبّر بكل وضوح عن موقفه يأتي: "عندما تسمع ردود فعل المسلمين الحاليين، وكيف أنّ من ارتكبوا هذه الأعمال ليسوا مسلمين، وأنّ هذا ليس هو الإسلام، فإن الأمر يعادل قول إنّ الولايات المتحدة لم تكن هي من شنّت الحرب في فيتنام"، يعد ذلك، وأمثلة أخرى عديدة على الأراضي الأوروبية، ضمن الأسباب التي توضّح سبب أنّ المسلمين في السياسة، سواء كانوا فاعلاً أم مفعولاً به، ما يزالون مزيجاً يصعب تحديده أو تصنيفه أو تعريفه؛ حيث إنّه كان هناك اتجاه لوقت طويل في أوروبا، لتنحية ما له علاقة بالدين إلى الجزء الخاص، وإبعاده عن الساحة العامة.

مصدر الترجمة عن الإسبانية:

Los musulmanes y la política en Europa: una cuestión sin definición



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية