"القاهرة كابول": أنسنة للظاهرة الإرهابية لا تخلو من التنميط

"القاهرة كابول": أنسنة للظاهرة الإرهابية لا تخلو من التنميط


25/04/2021

عندما أعلن صنّاع دراما رمضان "القاهرة كابول" عن عملهم الفنّي، توقّع كثيرون مشاهدة تناول مصري، للمرة الأولى، لموطن الظاهرة الجهادية الحديثة الأشدّ تأثيراً في تاريخ الجهاد أو الإرهاب العالمي، بعد أن صارت المفردتان مترادفتَين في المفهوم الحديث، لكنّ كابول، وأفغانستان بشكل عام، لم تظهر في العمل الدرامي، إلا من خلال خلفية نمطية مستهلكة، لا تفيد في فهم تفاعلات ظاهرة الإرهاب العالمي في موطنها التأسيسي الأهم.

وغاب عن كاتب العمل تناول الظاهرة بمفهومها العالمي، بالإصرار على مركزية مصرية في فعالية صناعة الإرهاب ومكافحته على حدّ سواء، وهي مركزية تعاني منها الدراما المصرية في تعاطيها مع القضايا ذات الارتباطات العالمية، ما أوقع العمل في فخّ التنميط في تناول ظاهرة الإرهاب، وإن كان تميّز بإفساح مجال أوسع للكشف عن الجانب الإنساني لشخص الإرهابي، الذي لطالما قُدّم فنياً كآلة قتل لا مشاعر لها.

القاهرة .. كابول

يحفل شهر رمضان بأعمال درامية عربية متنوعة، ويكون لمصر نصيب وافر في هذه الأعمال سنوياً، ونالت ظاهرة الإرهاب والإسلام السياسي حيّزاً كبيراً من الدراما العربية عقب أحداث الربيع العربي، عام 2011، بما شهدته المنطقة من صراع بين الدولة الوطنية والإسلام السياسي، وتوحّش ظاهرة الإرهاب من خلفية إسلامية.

تشابه كبير بين شخصيات العمل والواقع

وعلى رأس الدراما التي تناولت ظاهرة الإرهاب العالمي يتربع مسلسل "القاهرة كابول"، للمخرج حسام علي، والكاتب عبد الرحيم كمال، ومشاركة مجموعة متميزة من الممثلين، منهم طارق لطفي في دور رمزيّ، يحمل لقب "أبو منصور المهاجر"، قائد تنظيم إرهابي دولي، مقرّه في أفغانستان، وفي دور مذيع معروف في قناة عربية ذاع صيتها في استضافة رموز الجماعات الإرهابية، يؤدّي فتحي عبد الوهاب دور مقدّم البرامج التلفزيونية، طارق كساب، ويؤدي خالد الصاوي دور ضابط في جهاز أمن الدولة المصري ويحمل اسم عادل، ومعهم الممثلة المتميزة، حنان مطاوع، وبمشاركة ممثلين وممثلات من دول عربية وأجنبية.

كان لافتاً في المسلسل التناول الأوسع والأعمق للجانب الإنساني في حياة الإرهابي، من خلال العودة لحياة قائد المجموعة الجهادية، رمزي، وإظهار مشاعر الحبّ لابنة خاله

ويتناول العمل ظاهرة الإرهاب العالمي من زوايا متعددة؛ ارتباطات الإرهاب بمصالح قوى دولية، ومسؤولية وسائل الإعلام عن تلميع الإرهاب، والمكافحة الأمنية، في حبكة درامية تجمع مختلف الزوايا، وتجعلها في تفاعل إنساني عبر الصداقة القديمة التي جمعت أربعة أطفال في حيّ السيدة زينب في القاهرة، والذين اختلفت مصائرهم، فصار أحدهم زعيماً لتنظيم إرهابي عالمي، وآخر ضابط شرطة يكافح الإرهاب، وثالث مذيع إعلامي مشهور، ورابع مخرج أفلام، وهو أحمد عز، الذي راح ضحية الإرهاب، ولم ينل وقتاً كافياً لبلورة شخصيته في العمل.

...

وتدور أحداث المسلسل بين القاهرة وعدة عواصم أوروبية وعربية، إلى جانب أفغانستان، وهو عمل درامي لا يصوّر الواقع، وفق ما ذكره صنّاع العمل، رغم أنّ التطابق الكبير بين ثلاثة من أبطال المسلسل وشخصيات حقيقية معروف، خصوصاً أبو منصور المهاجر (رمزي)، الشبيه بأسامة بن لادن، وكذا مفتي التنظيم الشبيه بأيمن الظواهري، وطارق كساب الشبيه بمذيع إعلامي معروف عمل سابقاً في قناة "الجزيرة" القطرية.

أنسنة الظاهرة الإرهابية

وكان لافتاً في المسلسل التناول الأوسع والأعمق للجانب الإنساني في حياة الإرهابي، من خلال العودة لحياة قائد المجموعة الجهادية رمزي، وإظهار مشاعر الحب لابنة خاله منال، التي تقوم بدورها الممثلة المتميزة، حنان مطاوع، فرغم مرور الأعوام ما يزال قلب رمزي معلّقاً بها، وهذا التعلّق تكوّن على مرّ سنوات نازع فيها رمزي نفسه بين ما يفرضه عليه الفكر المتطرف من رفض للمشاعر تجاه الأنثى وبين الحياة داخله، التي كثيراً ما تنتصر على التطرف، بل هي التي تمنع تماهي الفرد مع ما يحمله من فكر، سواء الفكر الديني المتطرف أو السياسي أو غيره، فللحياة أساليبها التي تمنع البشر من الانجرار وراء الفكر.

تميز المسلسل في عرض الجانب الإنساني في ظاهرة الإرهاب

ومن منظور آخر لظاهرة الجهاد أو الإرهاب، يتعرض العمل الدرامي لتأثر حياة أسرة الإرهابي بخياره في الحياة، وتعرضها أحياناً لمضايقات أمنية بسبب قرار فرد من الأسرة، إلى جانب العرض الجيد لواقع مثل هذه الأسرة، التي تتمسك بابنها، في حين يطالبها المجتمع بالتنكر له، وهي معادلة صعبة، فمهما يفعل الابن سيظل في عين والده ووالدته هو ذاك الطفل، وإن أخطأ، وإلى جانب ذلك هناك معضلة التواصل بين الأسرة وابنها الذي اختار طريق الإرهاب، فمن زاوية يعدّ أيّ تواصل تهديداً محتملاً لأمن المجتمع، ومن أخرى أليس للأسرة الحقّ في التواصل مع ابنها الذي اختار طريق الإرهاب، وهل من حقّ المجتمع والسلطة أن يطالبان الأب والأم، أو الحبيبة، بمحو هذا الشخص من حياتهم.

فخّ التنميط

ويعيب التناول الدرامي المصري الوقوع في فخّ التنميط، الذي يكشف عن الاستسهال في كتابة القصة بما يتعلق بها من سيناريو وحوار، وهي آفة ملازمة لمعظم الأعمال الدرامية، حيث الكتّاب لا يستعينون بالمتخصصين في الظواهر الاجتماعية، ومنها ظاهرة التطرف الديني، التي تتطلب معالجة تقوم على فهم ودراية بالظاهرة، دون التنميط المكرر للشخص الإرهابي، وسلوكه.

وفي هذا الصدد، رصد الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، هاني عمارة، عدداً من الملاحظات حول المسلسل، من بينها مشهد حواري بين شخصية المتطرف ابن الأحياء الشعبية أسامة، مع علي شقيق الضابط عادل.

الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، هاني عمارة

وقال عمارة لـ "حفريات": هناك خطأ في فهم آلية الدعاية لدى الجماعات الجهادية، فكتاب "الملل والنحل" ليس ضمن أدبيات الفكر الجهادي أو السلفي، فهو "كتاب مرجعي، مليء بالمصطلحات العقائدية، صعب الفهم لغير الدارسين، ولا يخدم فكرة التطرف الديني، ومؤلّفه أشعري أيضاً، وفي اللقاء الثاني كرّر المؤلف الخطأ نفسه، حين أهدى أسامة كتاب "معالم في الطريق"، لسيد قطب، إلى علي، كمحاولة أقرب إلى التلقين من المؤلف للمشاهد بأنّ سيد قطب مؤسس الظاهرة الإرهابية، بدلاً من طرحها في سياق درامي أعمق".

الباحث هاني عمارة لـ "حفريات": البيعة المعروفة عند "القاعدة" ليست بيعة خلافة، بل بيعة جهاد أو بيعة عمل كأمير لجماعة، وهي تشبه بيعة مرشد الإخوان

وأردف عمارة: "الكتاب لا يقرؤه إلا القيادات في الجماعات الدينية، ولا يستخدم في المراحل الأولية للدعوة إلى فكرهم، حيث تبدأ الدعوة بكتيبات تحرّم الغناء والفنّ، ومثلها من الكتيبات التي تقطع علاقة الإنسان بمجتمعه، ثم يليها كتب خفيفة، مثل: "هذا حلال وهذا حرام"، وكتاب "منهاج المسلم".

وفي مشهد نمطي مكرّر، كرّر المؤلف الثيمة المستهلكة عن الغدر بين أعضاء التنظيمات الإرهابية، حين أمر رمزي، بكلّ يسر، بقتل قيادي في التنظيم لم يوافق على مبايعته بالخلافة، وهي ثيمة كررتها أفلام ودراما مصرية عديدة، وتكشف الفشل في إدراك العلاقات بين الأفراد داخل التنظيمات الإرهابية، خصوصاً ما قبل داعش، حيث كان الانضباط أكثر.

أخطاء تاريخية وثقافية

ورغم أنّ المؤلف حرّ في تناول التاريخ، لكن عليه تبرير ذلك بخلق قصة محكمة، وهو ما لم يقدر عليه عبد الرحيم كمال، الذي استند للواقع والتاريخ لبناء قصته، فكان لزاماً عليه أن يحاصر نفسه بهذه الحدود، ويتحرك في إطارها، لكن نجد المؤلف الذي يتناول ظاهرة المجاهدين العرب في أفغانستان يقع في أخطاء كارثية، حين يتحدّث عن إعلان الخلافة، وهو أمر لم يحدث إلا مع تنظيم داعش، عام 2014، وكان محلّ رفض من تنظيم القاعدة.

...

وأضاف هاني عمارة: "هناك جملة أخطاء في فهم التديّن لدى الجماعات الإرهابية، وكذلك الحاضنة الأفغانية لهم، فمثلاً: "لا تحضر النساء الدفن لدى الجماعات الإرهابية أو التيارات الدينية، كما ذكر المسلسل، ولا يدعو المجاهد لقراءة الفاتحة على روح المتوفين، فهذا جزء من التديّن الشعبي المصري، الذي أسقطه المؤلف على واقع وجماعات مغايرة".

ويتابع عمارة: "البيعة المعروفة عند تنظيم القاعدة ليست بيعة خلافة أو إمارة، بل بيعة جهاد أو بيعة عمل كأمير لجماعة، وهي تشبه بيعة مرشد الإخوان، إلى جانب ذلك، ومن ضمن قصور فهم الظاهرة الجهادية، وقع المؤلف في خطأ فهم ظاهرة تجارة الحشيش في أفغانستان؛ إذ لا تستند إلى فتوى من تنظيم القاعدة، الذي لا يحكم على الأرض أو يسيطر على المزارعين الأفغان، بل على المذهب الفقهي الحنفي لدى الأفغان وطالبان، والمجاهدين الأفغان، والذي يجيز التعاطي بالعقود الفاسدة في دار الحرب، ومنها أجازوا بيع الخمر ولحم الخنزير لغير المسلم في بلاد الكفار".

...

ومن زاوية أخرى وقع المؤلف في أخطاء منطقية في صناعة قصته، وهو خطأ شائع في الدراما المصرية؛ ففي مشاهد تفجير القاعدة الأمريكية، وسفر رمزي إلى الخارج وعودته، يشعر المشاهد باستهانة العمل بعقله؛ فكيف يسافر أخطر إرهابي في العالم بهذه السهولة ويعود كذلك؟ ولماذا يصرّ صنّاع الدراما المصرية على تصوّر أنّ أمريكا ساذجة بهذا الشكل؟ فصانع الدراما الحقيقي يحترم تماسك وترابط العمل الفني، حتى يستطيع تبرير نفسه، بعيداً عن التاريخ والواقع.

ويكاد يكون هناك اتفاق بين معظم المشاهدين على رفض الدور المتعالي عن سياق الدراما للممثل نبيل الحلفاوي، حتى إنّه صار مادة هزلية بين جمهور المتابعين، وظهرت مواد هزلية حول شخصية الحكيم التي يؤديها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية