العرب ومعادلة القوة الجديدة في العالم

العرب ومعادلة القوة الجديدة في العالم


27/05/2019

السيد ولد أباه

على عكس الصورة السائدة، يمكن التأكيد على أن العرب يسيرون في اتجاه المستقبل الواعد، في حين دخلت إيران في النفق المسدود رغم إنفاقها الهائل على التسلح وتمددها العسكري في المنطقة.
ما يجري راهناً في المنطقة هو نمط من الحرب الفعلية الحاسمة، وإن لم تطلق ناراً في المعركة، ذلك أن معارك العصور الراهنة لا تدور في ساحات الوغى وإنما في المعترك التكنولوجي التجاري، حيث تنمحي الحدود التقليدية بين الشأن العسكري والشأن المدني، وبين الجيوش والمركبات الصناعية التجارية.
لن يفيد إيران إنتاجها الهائل من السلاح الذي ابتلع الجانب الأكبر من مداخيلها النفطية على حساب حاجيات مواطنيها ومقتضيات التنمية الاجتماعية في البلاد، في مواجهة حصار تكنولوجي تجاري يقلم أظافرها ويحرمها من الاستفادة من قدراتها العسكرية ويحول بينها والاستمرار في استراتيجية التمدد الإقليمي ذات التكلفة الباهظة.
وفي مقابل المأزق الإيراني، تشهد المنطقة العربية اليوم بداية نهوض حقيقي يؤهلها مستقبلاً لانتزاع مركز مناسب في خريطة القوة المستقبلية المتمحورة حول الجيل الجديدة من تقنيات الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، والمسالك التجارية الجديدة التي هي في طور إعادة تشكيل العالم. ذلك هو مغزى المشاريع العملاقة التي نلمسها اليوم في الخليج والمشرق العربي والمغرب العربي: القطب التكنولوجي الاقتصادي الإقليمي في البحر الأحمر (مشروع نيوم في المملكة العربية السعودية)، محور الاقتصاد الرقمي والتجارة العالمية في دولة الإمارات العربية المتحدة، قناة السويس الجديدة في جمهورية مصر العربية، القطب الصناعي التجاري المتمحور حول المغرب في ربطه بين المجالين الأوروبي والأفريقي.
وبطبيعة الأمر، يحتاج العرب من أجل توفير الشروط اللازمة للنهوض، إلى تسوية الملفات الإقليمية العالقة وفي مقدمتها: تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفق المشروع العربي للسلام الذي هو المرجعية المعتمدة لدى الدول العربية في هذا الملف المعقد، والقضاء على التمرد الحوثي في اليمن، واستعادة العراق إلى الصف العربي، ورعاية المصالحة الوطنية في سوريا وليبيا.
ما نريد أن نبينه هنا هو أن مستقبل العرب في الخريطة الدولية يتحدد وفق منطق التأقلم مع الديناميكيات العالمية الجديدة التي تتمحور حول موضوعين محوريين هما: الصراع حول التحكم في المنظومة التقنية الاتصالية الرقمية، والتنافس على مسالك التجارة الدولية.
في هذه الديناميكيات يبرز الصراع الأميركي الصيني الجديد على الخطين بما عكسته مؤخراً العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية ضد المنتجات الصناعية الصينية، إلى حد إعلان حرب تكنولوجية حقيقية على الصناعات الإلكترونية الصينية التي أصبحت تتصدر التقنيات الرقمية من الجيل الخامس التي ستغير جذرياً عالم الغد من خلال الانتقال من الشبكة العنكبوتية التقليدية إلى «الأشياء الرقمية» التي ستكون عماد اقتصاد المستقبل، ومن المتوقع أن تضيف ما بين 2700 مليار دولار و6300 مليار دولار إلى الاقتصاد العالمي في حدود عام 2025.
وفي حين لا تزال الولايات المتحدة تتحكم في العقل التكنولوجي العالمي وفي المكونات الأساسية لشبكة الإنتاج، فإن الصين أصبحت تحتل الموقع الأول في الاختراعات التقنية، وتسعى عملياً إلى إنشاء نظام تشغيل مستقل لشبكتها الإلكترونية، بما سيفضي إلى ما أطلق عليه أحد الباحثين ظاهرة العولمة المزدوجة بتشكل منظومتين متمايزتين تتمحور إحداهما حول الولايات المتحدة والأخرى حول الصين.
في لقاء دافوس الأخير، صرّح نائب الرئيس الصيني «وانغ كيشان» بأن بلاده التي كانت تقود العالم تقنياً قبل العصور الحديثة، باكتشافها للبوصلة والبارود والورق، لن تقبل أن تتأخر عن الثورة التقنية الجديدة كما حدث لها في بدايات العصور الحديثة عندما انغلقت عن العالم فتخلفت عن الثورة الصناعية التقنية الأولى التي تمحورت حول الفحم والكهرباء والسفن البخارية والمصانع، ومن هنا استراتيجيتها الطموحة بتكاليف باهظة لتصدر القوى الصناعية العالمية.
إن ذلك الطموح يرتبط عضوياً بمشروع المسالك التجارية العالمية الجديدة (طريق الحرير الجديد) الذي يهدف إلى ربط أوروبا وآسيا براً والاستثمار الواسع في الموانئ البحرية العالمية كمحطات رئيسة في التجارة الصينية، مع تنشيط المحور الصيني الروسي (طريق بكين - موسكو). وقد خصصت الصين لمبادرة «الطريق والحزام» غلافاً مالياً يصل إلى ألف مليار دولار وتمكنت لحد الآن من ربط 77 دولة بهذا المشروع الطموح الذي من شأنه تغيير الجغرافية السياسية للعالم التي تشكلت منذ اكتشاف الطريق الجديد للهند في النصف الأخير من القرن الخامس عشر. وفي حين لا تزال الولايات المتحدة تتحكم في منافذ التجارة الدولية التقليدية، فإن المشروع الصيني، بالإضافة إلى طريق البحر الشمالي الذي بلورته روسيا واستثمرت فيه استثمارات هائلة، من شأنه أن يولد معادلة جديدة للقوة في العالم.
وهكذا ندرك سلامة توجه الأطراف العربية الفاعلة في تنويع ودفع شراكاتها مع القوى الدولية الرئيسية بالاستفادة من الديناميكيات الجديدة التي ستصنع عالم الغد.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية