الصين لن تحل مكان الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لماذا؟

الصين لن تحل مكان الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لماذا؟


23/07/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

على الرّغم من الزّيارة التي قام بها الرّئيس الأمريكيّ، جو بايدن، مؤخّراً، والتي حظيت بتغطية إعلاميّة كبيرة، لكلّ من إسرائيل والمملكة العربيّة السّعوديّة، ووعده بعدم "الابتعاد وترك فراغ تملأه الصّين، أو روسيا، أو إيران"، فإنّ الحديث في المنطقة يدور حول التفات الولايات المتّحدة بعيداً عن الشّرق الأوسط.

بعد خيبة أمل حرب العراق، وانهيار الاتّفاق النّوويّ الإيرانيّ، وكوابيس التّدخّلات الفاشلة في كلّ من سوريا وليبيا، سَئِم الجمهوريّون والدّيمقراطيّون في واشنطن من الشّرق الأوسط. وما تبع ذلك كان ضجّة حول احتمال انفتاح إقليميّ على الصّين.

لكنها ليست أكثر من مجرّد ضجّة. بكين، وهي عدوانيّة، وتجاريّة، وانتهازيّة، لا تزال غير مهتمّة باختيار جانب في ألعاب القوّة المستمرّة في المنطقة.

يمكن التّسامح مع القادة العرب والإسرائيليّين (ناهيك عن الإيرانيّين) لاعتقادهم أنّ الرّئيس الصّينيّ، شي جين بينغ، في طريقه للاستيلاء على دور الولايات المتّحدة كقوّة مهيمنة في المنطقة. في العام الماضي، جاء أكثر من نصف النّفط الخام الذي تستورده الصّين من المنطقة. في عام 2021، بلغ حجم التّجارة الثّنائيّة بين العالم العربيّ والصّين 330 مليار دولار، بزيادة قدرها أكثر من الثّلث عن العام السّابق. تفتخر "مبادرة الحزام والطّريق" الصّينيّة الشّهيرة (وسيّئة السّمعة) بوجود أكثر من 20 شريكاً في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد وقّعت بكين 15 اتّفاقية "شراكة إستراتيجيّة" مع دول عربيّة في العقد الماضي وحده.

 بكين لا تزال غير مهتمّة باختيار جانب في ألعاب القوّة المستمرّة في المنطقة

لكن القادة الصّينيّين يبتعدون باستمرار عن لعب أيّ دور في النّزاعات الأمنيّة أو السّياسيّة بين الدّول العربيّة، وإيران، وإسرائيل. تؤكّد الوثائق الحكوميّة الاستراتيجيّة، مثل "ورقة السّياسة العربيّة" لعام 2016 التي تدعم توجّه بكين نحو الغرب، على الرّوابط الاقتصاديّة والمساعدة الإنمائيّة، مع التّقليل من أهميّة أيّ دور آخر قد تلعبه الصّين. محلّيّاً، يتأرجح الخبراء الصّينيّون بين الحذر من انخراط سياسيّ أعمق في الشّرق الأوسط - وقد مثّلت تورُّطات أمريكا قصّة تحذيريّة - والحرص على تعميق العلاقات مع مصدر مهمّ للنّفط في وقت يتزايد فيه انعدام الأمن في مجال الطّاقة.

بكين تتّجه ببطء

أشارت مبادرات أخيرة إلى أنّ بكين ربما تتّجه ببطء نحو مزيد من المشاركة السّياسيّة. كان الاقتراح المكوّن من أربع نقاط من وزير الخارجيّة الصّينيّ، وانغ يي، بشأن الصّراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، والذي طُرح وسط نزاع أيار (مايو) 2021 بين إسرائيل وحماس، مثيراً للاهتمام في جوهره لمجرّد أن الوزير تحدّث عن مسائل استراتيجيّة جوهريّة مثل حلّ الدّولتين، وعاصمة فلسطينيّة في القدس الشّرقيّة، وأهميّة تحرّك مجلس الأمن التّابع للأمم المتّحدة لحلّ الصّراع. لكن النّقاط الأربع نفسها - مثل عمل مبعوث شي جين بينغ الخاصّ للسّلام في الشّرق الأوسط - كانت نمطيّة تماماً، وتحثّ على الحوار، وتضع حدّاً لـ "أعمال العنف ضدّ المدنيّين"، وغير ذلك من الملاحظات المكرورة حول عمليّة السّلام.

بالمثل، فإنّ اتّفاقيّة التّعاون التي أبرمتها بكين مع طهران العام الماضي، والتي من المفترض أن تمتدّ لخمسة وعشرين عاماً، أثبتت أنّها كلام أكثر من كونها أفعال، حيث أشار خبراء إلى أنّ الشّركات الصّينيّة "ستضطرّ إلى استثمار 16 مليار دولار في المتوسّط ​​سنويّاً في إيران لتحقيق الهدف"، بينما، على سبيل المقارنة، "بلغ إجمالي استثمارات الصّين في إيران 4.7 مليار دولار من 2005 إلى 2020".

من غير المرجّح أن يتغيّر دور الصّين الهامشيّ. ستستمرّ بكين في القلق بشأن أمن مصادر الطّاقة في الشّرق الأوسط، والاستفادة من النّفوذ السّياسيّ والبحث عن فرص لإبراز قوّتها العسكريّة

على الصّعيد الأمنيّ​​، شرعت الصّين، بالمثل، في المشاركة بشكل أكبر، حيث أسهمت بأكثر من 1800 جنديّ في بعثات حفظ السّلام التّابعة للأمم المتّحدة في المنطقة وحولها اعتبارًا من عام 2020 (419 في لبنان، و370 في السّودان، و1072 في جنوب السّودان). كما شاركت البحريّة الصّينيّة في مهمّات أمنيّة بحريّة في بحر العرب وخليج عدن وأنشأت أوّل قاعدة عسكريّة خارجيّة لها في جيبوتي في عام 2017.

من جانبها، تعاملت الحكومات العربيّة، والإيرانيّة، والإسرائيليّة بحذر مع الصّين، متحمّسةً بشأن احتمالات شراء الأسلحة والاستثمار.

قد تؤدّي قدرة روسيا المتراجعة على بيع الأسلحة إلى تلميع وهج بكين، وكذلك استعداد الصّين لبيع طائرات من دون طيّار متطوّرة بشكل متزايد إلى الحكومات العربيّة. (الولايات المتّحدة متردّدة في القيام بذلك). تضاعفت تقريباً صادرات الأسلحة الصّينيّة إلى المنطقة خلال العقد الماضي. كما أنّ عدم اهتمام بكين المعروف بالعجز الدّيمقراطيّ أو انتهاكات حقوق الإنسان جعلها شريكاً أكثر جاذبيّة، لا سيّما مقارنةً بالولايات المتّحدة، التي تربط دائماً خيوطاً سياسيّة بمبيعات الأسلحة، والمساعدات الاقتصاديّة، وصناديق التّنمية.

انخراط الصّين في الشّرق الأوسط الكبير

يبدو أنّ الأجزاء المختلفة كافّة من انخراط الصّين في الشّرق الأوسط الكبير، عند تضافرها، تُضاف إلى جهد كبير للاستيلاء على دور الولايات المتّحدة في المنطقة. في الواقع، يمكن أن يُغفر للمحلّلين إذا اعتقدوا أنّ هناك لعبة كبيرة تسير على قدم وساق. لكن لا يوجد شيء من هذا القبيل، والسّبب بسيط للغاية. تتلّخّص المخاوف العربيّة والإسرائيليّة في أولويّة عُليا واحدة: احتواء إيران.

بلغ إجمالي استثمارات الصّين في إيران 4.7 مليار دولار من 2005 إلى 2020

وعلى الرّغم من حرص إدارتي أوباما وبايدن على استرضاء طهران - إرسال نقّالات نقود إلى طهران في بداية الاتّفاق النّوويّ الإيرانيّ (أوباما)، وشراء مواد نوويّة مخصّبة منتجَة في انتهاك لالتزامات طهران (أوباما)، ورفض فرض عقوبات على مبيعات النّفط غير المشروعة (بايدن)، تظلّ الولايات المتّحدة، مع ذلك، القوّة العالميّة الوحيدة المستعدّة والقادرة على معاقبة النّظام الإيرانيّ على سلوكه الإقليميّ الخبيث.

من منظور القوى العربيّة السُّنّيّة في الشّرق الأوسط، وإسرائيل، فإنّ إدارةً أمريكيّةً ستكون مستعدّة بشكل مثاليّ لعزل قادة إيران عن السّلطة. في غياب ذلك، فإنّ ردّ إدارة بايدن على طهران، على الرغم من أنّه بعيد عن المستوى الأمثل، لا يزال أكثر ممّا ستقدّمه الصّين.

اتّفاقيّة التّعاون التي أبرمتها بكين مع طهران العام الماضي، والتي من المفترض أن تمتدّ لخمسة وعشرين عاماً، أثبتت أنّها كلام أكثر من كونها أفعال

على الرّغم من أنّ إدارة بايدن أقلّ صرامة تجاه إيران من إدارة ترامب، فإنّها مستعدّة، مع ذلك، لعرقلة وصول شحنات الأسلحة الإيرانيّة إلى حلفاء إيران في أماكن مثل اليمن، وفرض عقوبات على برنامج الصّواريخ الباليستيّة الإيرانيّ، ومقاومة محاولات الحرس الثّوريّ الإيرانيّ ترهيب السّفن في المياه الدّوليّة للخليج العربيّ.

منع إيران من الحصول على النوويّ

كما أنّ إعادة تأكيد بايدن، مؤخّراً، على استعداد الولايات المتّحدة "استخدام كافّة عناصر قوّتها الوطنيّة" لمنع إيران من الحصول على سلاح نوويّ كان موضع ترحيب، ومثّل تناقضاً كبيراً مع مقاربة الصّين الأكثر حذراً تجاه تهديد طهران.

لو كانت دول الشّرق الأوسط مهتمّة في المقام الأوّل بالمال والسّلاح، لكانت الصّين رابحاً أكيداً كوسيط قوّة. لكن بكين غير مهتمّة بلعب سياسات توازن القوى، ناهيك عن توفير مظلّة أمنيّة لدول مثل المملكة العربيّة السّعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة. بدلاً من ذلك، تسترشد بكين بأولويّاتها الخاصّة في المنطقة، مع إيماءة عرضيّة فقط للمصالح الأمنيّة المحلّيّة. وهذا يضع الصّين عند تقاطع طرق التّجارة الرّئيسة، من حيث هي زبون لإمدادات الطّاقة الحيويّة، وبائع للأسلحة، ومشارك جزافيّ في قضايا جيوستراتيجيّة مثل عمليّة السّلام والمفاوضات النّوويّة الإيرانيّة. لكنّها لا تذهب أبعد من ذلك.

في المستقبل المنظور، من غير المرجّح أن يتغيّر دور الصّين الهامشيّ. ستستمرّ بكين في القلق بشأن أمن مصادر الطّاقة في الشّرق الأوسط، والسّعي إلى الاستفادة من النّفوذ السّياسيّ مع مورّديها الرّئيسين، والبحث عن فرص لإبراز قوّتها العسكريّة بشكل أفضل. لكن طالما ظلّ شي جين بينغ عازماً على التّعامل بمساواة حازمة مع كلا الجانبين في صراع القوّة بين إيران وجيرانها الإقليميّين، ستظلّ الصّين لاعباً محدوداً في الشّرق الأوسط.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

دانييل بليتكا، فورين بوليسي، 20 تمّوز (يوليو) 2022

مواضيع ذات صلة:

روسيا تفلت من مصيدة العقوبات الغربية... ما علاقة الصين والهند؟

كيسنجر "العجوز" مستشرفاً المستقبل: راعِ مصالح روسيا لتتجنّبَ الصين

كيف تستغل واشنطن الحرب في أوكرانيا لمواجهة الصين؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية