
بعد أن ظن التونسيون أن خطر الإرهاب قد زال مع خروج جماعة الإخوان من الحكم، نظرا لما سببته "عشريتهم السوداء" من اغتيالات سياسية وذبح جنود واستنفار أمني، تتجدد المخاوف مع تصاعد النقاش حول احتمالية عودة الإرهابيين التونسيين المفرج عنهم من السجون السورية، واحتمال تجدد العمليات الإرهابية في البلاد وعودة الحياة للخلايا النائمة.
ففي 8 كانون الثاني / يناير، قال وزير الدفاع التونسي، خالد السهيلي، إن التشكيلات العسكرية العاملة بالمناطق المعلنة مناطق عمليات عسكرية تمكنت من إبطال مفعول 491 لغما يدوي الصنع بصفة استباقية إلى حدود آب / أغسطس 2024.
وأفاد بأن التشكيلات العسكرية تعمل على تمشيط الدروب والمناطق المشبوهة على مدار الساعة، من خلال وحدات مختصة في نزع الألغام.
وتنتشر هذه الألغام في المناطق، التي أعلنها الجيش "مناطق عمليات عسكرية"، إبان تصاعد العمليات الإرهابية بعد سنة 2011، وتقع في الغالب في المرتفعات وسفوح الجبال. وأغلب هذه الألغام تقليدية الصنع زرعتها جماعات متشددة، كما يعود بعضها أيضاً إلى حقبة الحرب العالمية الثانية.
تونس ترفع درجة التأهب الأمني
والأسبوع الماضي، ألقت السلطات التونسية القبض على 3 إرهابيين، في إطار تكثيف جهودها لتأمين البلاد، والتحرك بشكل استباقي لمنع الهجمات الإرهابية.
قالت الإدارة العامة للحرس (الدرك) التونسي في بيان "في سياق الجهود المستمرة لمواجهة الجماعات المتشددة تمكنت وحدات منطقة الحرس الوطني من القبض على 3 تكفيريين مطلوبين للعدالة ومحكومين بعقوبات سجنية تصل 42 سنة".
ودعت الإدارة العامة للحرس الوطني التونسيين إلى التعاون مع الوحدات الأمنية والإبلاغ عن أي تحركات مشبوهة، لتعزيز الأمن العام والحفاظ على سلامة الوطن والمواطنين.
كما أعلنت السلطات التونسية توقيف إرهابيين اثنين مطلوبين للعدالة بمحافظة سوسة شرقي البلاد، بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي ومحكومين بعقوبة.
وترفع تونس درجة التأهب الأمني من خلال تعزيز تأمين الحدود، تفاديا لتعرضها لعمليات إرهابية، أو عودة الإرهابيين التونسيين الموجودين في سوريا إلى البلاد.
تتجدد المخاوف مع تصاعد النقاش حول احتمالية عودة الإرهابيين التونسيين المفرج عنهم من السجون السورية
في السياق، اعتبر المحلل السياسي حمدي الصديق أن جبل الشعانبي يعتبر القمة الأعلى في تونس، إذ يبلغ ارتفاعه 1544 متر فوق سطح البحر، ويقع في الوسط الغربي التونسي وتنتشر فيه المغارات والخنادق التي سهلت كثيراً تمركز العناصر المسلحة ووفرت لهم فرصة أكبر للتخفي والمناورة.
الصديق أوضح لموقع "العين الإخبارية" أن الإرهاب يعشش في الجبال، لافتا إلى أن "الخلايا النائمة ما زالت موجودة وتنتظر التعليمات للتحرك من جديد ومن المؤكد أنها ستنقض على أول فرصة سانحة لتنفيذ مخططاتها".
ودعا السلطات التونسية إلى توخي الحذر ومزيد اليقظة للتصدي لأي محاولة تستهدف أمن واستقرار البلاد، مؤكدا أن جبل الشعانبي تحول إلى بؤرة توتر منذ أن شهد حادثة قتل ضابط في الحرس (الدرك) الوطني يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2012 في مواجهة مع مجموعة إرهابية، تنتمي لكتيبة عقبة بن نافع، التابعة لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب"، ومع الأيام أصبحت تلك الجماعة المسلحة مسؤولة عن كل العمليات الإرهابية بالمنطقة ذاتها.
إجراءات أمنية
وكانت شركة الخطوط الجوية التونسية، قد أعلنت بداية العام الحالي، إجراءات جديدة لاستقبال ركاب الرحلات الجوية القادمة من تركيا، في خطوة ربطتها تقارير إعلامية محلية باحتمال عودة تونسيين منتمين لجماعات متشددة في سوريا بعد التطورات الأخيرة في البلد.
وذكرت الشركة في بيان إنه تبعا لقرار من السلطات التونسية للمطارات، سيتم استقبال جميع الرحلات القادمة من تركيا في المحطة رقم 2 بمطار تونس قرطاج الدولي، بغرض توفير مراقبة أمنية أكثر تشددا.
ترفع تونس درجة التأهب الأمني من خلال تعزيز تأمين الحدود تفاديا لتعرضها لعمليات إرهابية أو عودة الإرهابيين التونسيين الموجودين في سوريا
ويرى متابعون للشأن التونسي، بحسب العرب، أن المهم في الموضوع هو ضرورة الاستعداد الأمني والسياسي للتعامل مع عودة هؤلاء، وأخذ الأمر على أنه قضية حساسة في ظل مخاوف من أن تتولى جهات إقليمية تحريك هؤلاء لإرباك الوضع السياسي في تونس ضمن مقاربة أشمل تسعى لإحياء موجة “الربيع العربي” بشكل جديد مستفيدة من إسقاط الأسد والاهتمام الدولي بما يجري في سوريا وتركيز الأضواء على المسلحين الإسلاميين وبراغماتيتهم و”اعتدالهم”.
وكان الباحث في معهد واشنطن، مؤلف كتاب "المقاتلون الأجانب التونسيون في العراق وسوريا"، هارون زيان، قد قدّر عام 2018 عدد التونسيين الملتحقين بصفوف التنظيمات المتشددة في مناطق النزاع السورية بـ 2900 شخص.
وقدّر وزير الداخلية التونسي الأسبق، الهادي المجدوب في إفادة سابقة أمام البرلمان عدد الإرهابيين التونسيين المتواجدين في بؤر التوتر بنحو 2929 متشددا.
كما تشير تقديرات رسمية في تونس إلى التحاق نحو ألف شخص، توجد أسماؤهم في سجلات وزارة الداخلية التونسية، ببؤر القتال في سوريا منذ عام 2012، لكن تقارير أمنية أخرى تحدثت لاحقا عن عودة المئات إلى تونس وإيداع عدد منهم السجون فيما جرى إخضاع آخرين إلى الرقابة الإدارية والأمنية وإجراءات المنع من السفر.
يذكر أن السلطات الأمنية التونسية منعت نحو 27 ألف شاب من الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية بعدد من بؤر التوتر بينها سوريا.
وبحسب تحقيقات رسمية، فإن حركة النهضة الإخوانية -حين كانت بالحكم- لعبت دورا رئيسيا في تسهيل عبور الإرهابيين من مطار قرطاج، إضافة إلى تدريب عدد من الشباب على استعمال الأسلحة في 3 مراكز تابعة لوزارة الداخلية، وتمرير حقائب من الأموال.
استمرار حالة الطوارئ
وفي 12 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، قال وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي إن الجيش التونسي نفذ منذ بداية العام الجاري حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي 990 عملية في مجال مكافحة الإرهاب بالمناطق المشبوهة، شارك فيها أكثر من 19 ألفا و500 عسكري.
وفي 31 كانون الأول / ديسمبر الماضي قرر الرئيس التونسي قيس سعيد تمديد حالة الطوارئ في البلاد لمدة شهر حتى نهاية يناير/كانون الثاني 2025.
تمنح حالة الطوارئ وزارة الداخلية صلاحيات استثنائية بينها منع الاجتماعات وحظر التجوال وتفتيش المتاجر ومراقبة الصحافة
وتمنح حالة الطوارئ وزارة الداخلية صلاحيات استثنائية، بينها منع الاجتماعات، وحظر التجوال، وتفتيش المتاجر، ومراقبة الصحافة والبث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية.
وسبق أن كشف المتحدث باسم الإدارة العامة للحرس الوطني العميد حسام الدين الجبابلي أن الوحدات المعنية بمكافحة الإرهاب تمكنت منذ عام 2011 من القضاء على 100 عنصر إرهابي وإيقاف 324 آخرين، عقب تنفيذ 365 عملية ومهمة في إطار مكافحة الظاهرة الإرهابية.
وقد شهدت تونس هجمات شنتها جماعات متشددة منذ 2011، أدت إلى مقتل العشرات من رجال الشرطة والسياح الأجانب وغيرهم، وتمكنت السلطات في السنوات القليلة الماضية من اعتقال أو قتل عدد من أبرز قيادات هذه المجموعات.