الرقص التركي على حبال التناقضات

الرقص التركي على حبال التناقضات


14/12/2020

ما زال الخليفة العثماني الحالم بالمجد الإمبراطوري العصيّ، رجب طيب أردوغان، يعتقد أنّ للبشر ذاكرة سمكة، وسرعان ما ينسون أفعاله وتناقضاته التي ينسخ بعضها الآخر.

اقرأ أيضاً: محمد الفتيح" لـ "حفريات": إسرائيل صنعت نصر أذربيجان وأردوغان سرقه

أردوغان يريد أن يقيم علاقة حميمة مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه يوهم جمهوره الإخواني وميليشات المؤيدين له، بأنه معاد لإسرائيل، ومدافع حصريّ أوحد عن حقوق الشعب الفلسطيني، وهو الذي لم يقدّم أي شيء يذكر، سوى الكلام الذي يغمره الزبد.

ويكفي أن يتذكر مَن ليست لهم ذاكرة سمكة، أنّ حجم التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب بلغ العام الماضي زهاء 6 مليارات دولار، وأنّ أكثر من 400 ألف سائح إسرائيلي زاروا تركيا، وجالوا في مدنها وشوارعها ومقاهيها وملاهيها برعاية ودعم وحماية وسهر من قبل الحزب الإخواني العتيد؛ حزب العدالة والتنمية.

خطاب أردوغان

وفي سياق كشف الزيف الذي يتولاه خطاب أردوغان، كتب ناشط على "فيسبوك": يقول أنصار أردوغان إنه أمل المؤمنين والمظلومين، وحبيب فلسطين، وإنّ تركيا دولة أصبحت غنية، وإنها من أقوى عشرة اقتصادات في العالم.

وتساءل الناشط:

  1. هل يمكن لأي أحد أن يذكرني ماذا قدم نظام أردوغان لفلسطين على أرض الواقع (لا نريد تحرير فلسطين والعياذ بالله)...هل يساهم في دعم الأونروا؟ هل بنى عشرين مدرسة في مدن وقرى فلسطين؟ هل بنى نادياً رياضياً في أي مخيم، مثلاً، داخل أو خارج فلسطين؟ هل تبرع لأوقاف القدس وموظفيها مثلاً؟ هل تبرع لدار أيتام لأبناء لشهداء مثلاً؟ هل ألغى الفيزا المسبقة للفلسطينيين عند زيارة تركيا كما ألغاها للإسرائيليين؟
  2. إذا كانت تركيا دولة متقدمة وغنية وناجحة ويحكمها رجل عادل وحزب إسلامي رائد، لماذا يتركها اللاجئون السوريون والباكستانيون والأفارقة باتجاه أوروبا (المسيحية) الظالمة والعنصرية والمعادية للإسلام ... وقد يتعرضون للموت أثناء محاولتهم الهروب من تركيا باتجاه الغرب؟!

هذه الأسئلة تتردد على ألسنة الكثير من المخدوعين بالوهم الأردوغاني الذي يجيد دغدغة المشاعر الوطنية، ويركب الموجات الشعبوية، لكن في المحصلة النهائية مصالحه تعلو على أي شيء.

وفي هذا السياق، رصد الكاتب الإسرائيلي، تسفي برئيل، في صحيفة "هآرتس" العبرية، رغبة تركية في "المصالحة" مع إسرائيل بعد سنوات من "تدهور" العلاقات بين البلدين، وأورد أسباباً محتملة دفعت تركيا، برئاسة رجب طيب أردوغان، للعمل على تحسين العلاقات، متوقعاً، كما أفاد موقع "الحرة" ردود فعل هادئة من الجانب الإسرائيلي، واصفاً "الصداقة" بأنها "جديدة" و"واقعية".

تجديد الصداقة مع إسرائيل

وقال الكاتب إنه بعد تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية، ظهرت أدلة على محاولة تركيا "تجديد صداقتها" مع إسرائيل بعد عامين من استدعاء أنقرة لسفيرها و10 سنوات على حادثة مافي مرمرة، عام 2010، لكنه رأى أيضاً أنّ إسرائيل "ليست في عجلة من أمرها" للتصالح مع أنقرة.

عودة الاستقرار للاقتصاد التركي يحتاج إلى وقت، في ظل تراجع احتياطي الصرف واحتمال التخلف عن سداد الديون الخارجية، واستخدام الدول الغربية ورقة العقوبات

وأضاف برئيل في تحليله بأنه "من غير المعروف مدى استعداد إسرائيل لإرسال سفير إلى أنقرة، ولا توجد خطط للتعاون العسكري أو غيره من التعاون بين الحكومتين".

ويقول إنّ تركيا أرسلت عدة إشارات ورسائل في الفترة الأخيرة يجب أخذها في الاعتبار. ستعين تركيا سفيراً جديدا في  إسرائيل، بعد عامين من استدعاء سفيرها السابق.

وفي آب (أغسطس) الماضي؛ أي بعد تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، هاجم أردوغان ووزارة خارجيته ما أسماه "السلوك المنافق" للإمارات تجاه الفلسطينيين وهدد بإغلاق السفارة الإماراتية لكنه لم ينفذ وعده.

ثم حدثت "المفاجأة"، إذ إنه بعد يوم واحد من إعلان التطبيع بين إسرائيل والمغرب، في العاشر من الشهر الجاري، قال وزير الخارجية التركي مولود غاويش أوغلو: "لكل دولة الحق في إقامة علاقات مع أي دولة تريدها". وفي مكالمة هاتفية مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، اكتفى بطلب "ألا يأتي الاتفاق على حساب الفلسطينيين".

مخاوف تركية

ويشير الكاتب إلى مخاوف تركية من مشروع قانون أقره مجلس الشيوخ الأمريكي مؤخراً، وينص على معاقبة تركيا لشرائها منظومة الدفاع الصاروخي الروسية "أس- 400". ويقول إنّ هذا المشروع "إذا أصبح قانوناً، فهو نذير لما يمكن أن تتوقعه تركيا في ظل إدارة بقيادة جو بايدن".

اقرأ أيضاً: النهج العدواني لأردوغان: من "صفر مشكلة" إلى "صفر صديق"

سبب آخر لتقارب أنقرة، وفق "هآرتس" يتمثل في محاولة شركة يلدريم التركية الفوز بمناقصة لتسيير ميناء حيفا الإسرائيلي، والتي تنافسها فيها شركات أخرى من بينها شركة إماراتية. ويقول الكاتب إنه ليس واضحاً مدى قدرة الشركة التركية على الفوز "لكن تحسين العلاقات بين إسرائيل وتركيا شرط أساسي لتعزيز هذه الفرص".

محلل في صحيفة "جيروزاليم بوست"، يحذر من "مصالحة زائفة" تسعى إليها تركيا مع إسرائيل، وتهدف لعزل الأخيرة وتخريب علاقاتها الجيدة مع اليونان والإمارات

وجاء في المقال: "إنّ سلسلة الأحداث الأخيرة، إرسال سفير و"تفهم" تركيا للاتفاق الإسرائيلي المغربي، ومناقصة ميناء حيفا، وأخيراً، التقارير بأنّ رئيس الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، زار إسرائيل في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، تبدو هذه الأحداث كبداية صداقة جديدة، ربما ليست جميلة، لكنها واقعية" بين البلدين.

كانت تركيا قد طلبت في أيار (مايو) 2018 من السفير الإسرائيلي في أنقرة مغادرة البلاد احتجاجاً على مقتل عشرات الفلسطينيين في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، فيما أمرت إسرائيل القنصل التركي في القدس بمغادرة البلاد في أسوأ أزمة بعد اتفاق مصالحة أبرم بين البلدين في 2016.

اقرأ أيضاً: قصيدة تثير أزمة: "لو لم يرسب أردوغان في الأدب والجغرافيا والتاريخ.."

ورغم أنّ تركيا لم تقطع علاقاتها كلياً مع إسرائيل في عهد أردوغان، إلا أنّ الرئيس التركي وجّه في عدة مناسبات انتقادات لاذعة إلى إسرائيل.

محلل إسرائيلي يحذّر

لكنّ سيث فرانتزمان، محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة "جيروزاليم بوست"، حذر في مقال له، أمس، الأحد، مما وصفه بـ"مصالحة زائفة" تسعى إليها تركيا مع إسرائيل، وتهدف لعزل الأخيرة وتخريب علاقاتها الجيدة مع اليونان والإمارات.

ورأى فرانتزمان أنّ "المصالحة" ستشمل "حصول تركيا على كل ما تريده، وتدمير علاقات إسرائيل مع اليونان وقبرص، وخاصة صفقة خط أنابيب الغاز التي وقعتها إسرائيل مع هذين البلدين هذا العام".

اقرأ أيضاً: أردوغان يطلب التمديد في ليبيا.. أهداف خبيثة وراء تحرك تركيا

المراقبون لتخبطات أردوغان يدركون أنّ وقت الرقص على الحبال قصير، فالراقص رغم براعته، لا بد أن يترنح، أو يصيبه الإعياء، أو تتقطع بها أوصال الحبال، مهما ظن أنها متينة، وهذا حال الخليفة العثماني الذي أدخل بلاده في دوامة من الحروب والخصومات التي استنزفت الاقتصاد التركي، وأطاحت الليرة التركية، وخلقت لأنقرة أعداء في كل مكان، ودمرت ما بناه صديق الأمس، خصم اليوم بالنسبة لأردوغان أحمد داود أوغلو الذي قاد، حينما كان رئيساً للوزراء سياسة دبلوماسية حكيمة قوامها "صفر مشاكل"، فجاء "الخليفة" وانقض على ميراث أوغلو، وجعلها "فقط مشاكل".

اقرأ أيضاً: معلقات أردوغان ومغلفاته!

آخر وأكثر المشاكل عصفاً بتركيا الآن، معاناتها من أزمة اقتصادية أدت إلى تراجع قياسي لقيمة الليرة، إذ تعيش الليرة التركية فترة عصيبة، بعد تراجع سعرها إلى أكثر من 150 بالمائة بين عامي 2015 و 2020. ومن أبرز أسباب هذا التراجع هروب الاستثمارات وتراجع السياحة وتبعات جائحة كورونا وسياسات أردوغان التي لا تطمئن المستثمرين.

ويرى خبراء أنّ عودة الاستقرار للاقتصاد التركي يحتاج إلى وقت، في ظل تراجع احتياطي الصرف واحتمال التخلف عن سداد الديون الخارجية، بالإضافة إلى استخدام الدول الغربية ورقة العقوبات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية